تحت عنوان “دعوة لإعادة كتابة القرآن الكريم من جديد”، نشر موقع إيلاف السعودي مقالًا للكاتب جرجيس كوليزادة، وهو ما أثار الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبره البعض حربًا من الكاتب الذي ينتمي إلى ديانة أخرى على القرآن الكريم والمسلمين، معلنين عدم قبولهم للتعدي الذي صدر من الكاتب، وأن ما فعله مؤامرة كبرى، ومخططًا صهيونيًا نحو التطبيع.

نشطاء التواصل

فور نشر المقال، بدأ القراء يكتبون متهكمين على طريقة تناول القرآن، مُعتبرين أن الكتاب قد ارتكب جُرمًا، وهو الأمر الذي جعل الموقع يحذف المقال بعد نشره تأثرًا بما أحدثه المقال من ضجة واختلاف وسباب على جميع مواقع التواصل.

أبرز تعليقات نشطاء التواصل الاجتماعي جاءت على النحو التالي: “الوقاحة تبلغ ذروتها، لم يبقَ إلا أن يعيدوا الأصنام إلى الكعبة، أي وقاحةٍ هذه؟! صحيفة “إيلاف” المقربة من الديوان الملكي السعودي، بدأوا بالطعن بالبخاري ومسلم، والآن انتقلوا للقرآن الكريم !!!، أصبح الآن يهمهم أمر المسلمين من غير العرب، هل وصل بهم الأمر الى الاستخفاف الى هذه الدرجة للتعدى على كتاب الله؟ لا حول ولا قوة إلا بالله، عليك بالإنجيل فهو أولى باهتمامك واترك القرآن لأهله، مقال وفتوى لسماحة العلامة الشيخ جرجيس كوليزادة، بدأو بالطعن بالبخاري ومسلم والآن انتقلوا الى القرآن الكريم، كلها ادعاءات لخدمة نظام التصهين”.

القرآن وحماية الإنسان من كورونا

المقال المثير للجدل، بدأ بالحديث عن تأثير فيروس كورونا والإجراءات الصحية والاقتصادية والأمنية الجديدة التي لم تألفها البشرية من قبل وما تبع ذلك من تحولات اجتماعية أيضًا وتغيرات واسعة على نطاق الطقوس والشعائر والممارسات الدينية للأفراد والجماعات في مختلف الأديان وفي مختلف الأديان سواء على نطاق المجموعات التي لها دين سماوي أو غير سماوي.

وأضاف الكاتب أن الديانة الإسلامية والمسيحية كانت على رأس الديانات التي تعرضت لحالة غير مألوفة تاريخيًا وايمانيا وهى وقف ممارسة الشعائر الجماعية في المساجد والكنائس ووقف آداء الصلاة بالصفوف المتراصة ووقف الشعائر الدينية أيضًا في الأماكن المقدسة الإسلامية في مكة الشريفة والمدينة المنورة وفى الأماكن المقدسة المسيحية في بيت لحم والفاتيكان وغيرها.

وأرجع الكاتب سبب التغير الذي طرأ على الأديان إلى الضرورة الحياتية وعلى رأسها حماية الإنسان من الإصابة بالوباء، مؤكدًا أن السعودية كان لها الريادة في حماية الأماكن المقدسة للمسلمين من هذا الوباء، من خلال الإجراءات التي تم اتخاذها لإبعاد مكة والمدينة وتجمعات المسلمين من آثار الفيروس، وكذلك الفاتيكان التي كانت سباقة من خلال التوجيهات في حماية المسيحيين.

الرسم العثماني وجدل التجديد

اعتبر الكاتب أن أبرز التغيرات التي طرأت كانت إبعاد الصلاة عن الصفوف المتراصة المألوفة شرعيًا وفقهيًا إلى أداء الصلاة بالتباعد بين المصلين رغم أن ذلك مخالفًا للنصوص بالإضافة إلى منع الصلاة الجماعية في حال اقتضى الأمر ذلك، فضلًا عن منع صلوات الجمعة، وهو مخالفة كبيرة للنصوص الشرعية.

وأشار الكاتب، إلى أن هناك مساحة من المرونة الفقهية والسماح الشرعي فرضت نفسها وهي لأول مرة تحدث في التاريخ منذ الخلفاء الراشدين سواء في الشعائر والعبادات، وذلك فقط من أجل حماية الانسان، وهي بادرة مشجعة لإعادة النظر في النصوص الفقهية والعبادات وفقًا للتغيرات الحديثة والاحتياجات.

ودعا الكاتب، كافة المراجع الإسلامية إلى إعادة النظر في الأصول الشرعية والفقهية التي تخص الإسلام بالاستناد إلى رؤية معاصرة تخدم المسلمين وتنفع الإنسانية، مؤكدًا أن أولى المسائل التي يدعو لها هي إعادة النظر في كتابة القرآن الكريم لأن الرسم العثماني المكتوب به لا يصلح في العالم المعاصر وخاصة المسلمين من غير العرب بسبب الإحراج الملحوظ في لفظ الكلمات المرسومة بشكلها الخاطئ عن الرسم الاملائي الصحيح، معتبرا أن الاستناد على قدسية الرسم العثمانى من قبل أهل السنة والجماعة غير منطقي وغير عقلانى، معتبرًا أن فرض قدسية على عمل من صنع البشر أمر لا يُعقل خاصة أن الكتابة لم تحدث في زمن الرسول وهي من صنع البشر.

وأكد الكاتب، أن رسم الكتابة المعروف بـ “العثمانى”، احتوى على فروقات وأخطاء كثيرة في لفظ وقراءة كلمات الآيات وظل بجميع عيوبه وأخطاءه حتى الآن رغم التحولات النوعية للغة العربية خلال الـ 1400 سنة الماضية.

نظرة خاطئة

استند الكاتب، إلى أحد مقالات الكاتب السعودي أحمد هاشم الصادر بعنوان “تصحيح القرآن” والتي تم خلاله رصد الأخطاء الواردة في القرآن الكريم والذي أكد خلاله أنه يحتوى على “2500 خطأ من فعل اللجنة التي قامت على جمعه وكتابته”، ومنها “زيادة في أحرف بعض الكلمات، أو نقصانها، وتبديل حرف بآخر كما في الآيات الكريمة التالية: بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ «القلم –6 »، فَقَدْ جَآءُو ظُلْمًا وَزُورًا «الفرقان –4 »، وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ «القصص – 9»، حيث كتبت بأييكم وليس بأيكم، وحذفت واو الجماعة في جاؤا مع تغيير بنية الكلمة في الآية الثانية، وتم تدوين كلمة امرأت بدلًا من امرأة، كما كتبت على سبيل الحصر كلمة «إبراهيم» بذات الرسم في 54 مرة إلا في سورة البقرة وبعدد 15 مرة بدون حرف الياء «إبراهم»، أما سماوات فكتبت هكذا مرة واحدة و189 أخرى بدون حرف الألف «سموات» وهو ما ينطبق على «الرحمن»، «قرآن» حيث كتبت 68 مرة «قرءان» ومرتين «قرءن» بدون حرف الألف، وغيرها من الأخطاء الكثيرة المدونة”.

وأكد الكاتب، أنه يهدف من المقالة التي تم نشرها في موقع “ايلاف” السعودي الى : “تقديم النصوص بشكها الصحيح البعيد عن الأخطاء والاشكالات والالتباسات والغموض، فان ضرورات علمية ومنطقية وعقلية وفقهية ولغوية تستدعي اعادة النظر في الرسم العثماني للقران الكريم، واعادة كتابته وفق الرسم الإملائي الصحيح، وذلك لتصحيح كل الاخطاء اللغوية الواردة في المصحف الشريف، وابعاده عن اي شبهة للخطأ”.

الحلول المطروحة

اعتبر كاتب المقال، أنه على المملكة السعودية بملكها وولي عهدها، خاصة وأنهما يتبنيان خطط وبرامج عمل لتحديث المملكة من جميع أوجهها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياحية الدينية، ولهذا نرى أن الظروف مؤاتية لتبني إعادة طبع القرآن المجيد برسم جديد بعيدا عن الاخطاء والمقاصد غير المفهومة للكمات.

واقترح الكاتب، أن يتبنى إقليم كردستان العراق طبعة خاصة لآيات القرآن الكريم خاصة بالمسلمين من غير العرب، وذلك لتجنب الإشكالات اللفظية التي يقعون فيها بسبب عدم الإلمام باللغة العربية.

تجديد الخطاب الديني أهم

المحامي الحقوقي مالك عدلي، أكد أنه لا مجال للحديث عن الأخطاء القرآنية وهناك لجنتين في العالم منوط بهما مراجعة القرآن قبل طباعته في أي دولة وهما “السعودية ومصر”، ومن خلالهما يتم الإجازة والسماح بالطبع بعد التأكد من عدم وجود أخطاء، مشيرًا إلى وجود خطأ مطبعي ظهر قبل فترة في مصحف الملك فهد وتم سحبه على الفور، وهناك خطأ وحيد نحوي ظهر وتم الرد عليه وحسم الأمر فقهيًا من المختصين بالأمر.

وأضاف مالك، أن المصحف نزل على 7 أحرف وله 10 قراءات ولا يوجد أي خلاف فيما بينهم والتحدث عن الأخطاء أحد أبواب “الهطل والجدل”، فهناك أمور أهم بكثير يمكن مناقشتها وهى أولى في الوقت الراهن منها الآيات التي تستخدم في العنف والتطرف والمواد الدعائية التي تستخدمها الجماعات الإرهابية ومن بينها داعش، فضلا عن ضرورة العمل على إيجاد حلول للآيات التي تجعل من الجلد عقوبة وقطع اليد لأن هناك قانون وعقوبات تم وضعها في هذا الصدد.

وقال المحامي الحقوقي الحاصل على ماجستير شريعة إسلامية مالك عدلي، أن هناك العديد من طرق التشريع الآن فقد بدأ الأمر مع الإسلام باعتبار القرآن هو مصدر التشريع الوحيد وتطور الى أن وصل لعدد من اللجان منها الاجتهاد والقياس والمصالح المرسلة وسد الذرائع فضلا عن استحداث علم التوفيق بين النصوص كل هذا يتم الضرب به عرض الحائط ليخرج عدد من “المختلين المتخلفين” ويتحدثون فقط “في التفاهات” عن شكل الكتابة والأولى بهم الحديث عن توحيد قانون الأحوال الشخصية ، وعن كتابة المصحف أكد أنه كُتب بطريقة أقرب الى الرسم لذلك فما يتم ادعاءه من أخطاء غير صحيح على الاطلاق.

طريقة جمع وكتابة القرآن الكريم

تم جمع القرآن مرتين جاءت الأولى كانت بعد وفاة رسول الله في زمن خليفته أبو بكر الصديق بمشورة من عمر ابن الخطاب الذي أتى إليه قائلا: “أدرك كتاب الله” خوفًا من أثر قتل القراء في حروب الردة واليمامة وتراجع أبو بكر أكثر من مرة خوفًا من فعل شيء لم يقم به رسول الله وظل “عمر” يعاوده حتى وافق على جمع القرآن في مصحف واحد.

وتم استدعاء زيد ابن ثابت وكان من كتاب الوحي ليصبح على رأس لجنة تم تشكيلها لجمع القرآن وكانت هناك عدد من الأسس للجمع منها أن يأخذه من الذي سمعه من النبي مباشرة عندما نزل وليس الحفظة في سعف النخيل والجلود وكان نسخة واحدة في بيت أبو بكر وكان السبب هو فقط للحفظ حتى لا يضيع القرآن وظل حتى انتقل الى عمر ابن الخطاب ومنه إلى حفصة رضي الله عنها.

أما المرة الثانية فقد كانت في عهد عثمان ابن عفان عندما دخل الكثير من غير العرب الى الإسلام وما نتج عن ذلك من اختلافات وصلت لحد التكفير وصدر قرار بجمع القرآن مرة أخرى في مصحف واحد تمت كتابته بلهجة قريش لأن القرآن نزل بها وحرقت جميع المصاحف بعد أن تم إرسال نسخ من القرآن بالرسم العثماني إلى الأقاليم والولايات التابعة، ولم يتم تنقيط القرآن وتشكيله إلا في زمن الخليفة الرابع على بن أبي طالب على يد أبو الأسود الدؤلى.

كاتب المقال

جرجيس كوليزادة، هو كاتب وباحث سياسي كردي عراقي خريج كلية الطب البيطري جامعة بغداد وله صفحة في الحوار المتمدن، وله عدة كتب، الأهم أن مقاله صدر في موقع سعودي.

ومن أشهر كتبه المطبوعة “الإنسان والبايولوجيا المعاصرة، بغداد، 1991، مرض جنون الابقار، اربيل، 1998، الاستنساخ في عالم الحيوان، اربيل، 1998، رؤية كردستانية لشؤون ومواقف عراقية، السليمانية، 2005، التسامح الديني العراقي، السليمانية، 2005، مقالات سياسية عن اقليم كردستان، 2006، مقالات كردستانية عن الشؤون العراقية، 2006، الارتقاء العراقي، أوراق عراقية عن أحوال الدستور الدائم، 2006، الارتقاء الكوردستاني، أوراق كوردستانية عن أحوال الدستور الفيدرالي، 2006.