ظلت لأيام تتجاهل أوجاعها بعدما أخبرتها والدتها أن الفتيات العذراوات اللاتي لم يسبقن لهن الزواج غير مسموح لهن بأن يذهبن إلى طبيب نساء، حاولت الابنة إقناع والدتها بأن تلك الأوجاع التي تشعر بها في المنطقة الحساسة من جسدها، ربما تؤثر عليها بعد ذلك، وتكون سببًا في حرمانها من الإنجاب.

شكاوى وشكوك

قضت “ولاء عبد العال” أيامًا تشكو من آلام بصدرها، كما استمر انقطاع الطمث لمدة شهرين متتاليين، بدأت شكوكها تتوالى مع الآلام التي طرأت على جسدها، وكأنها أرادت إخبارها بأن شيئًا ما ليس طبيعيًا في جسدها، وعليها الإسراع باستشارة طبيب.

حاولت الفتاة العشرينية إقناع والدتها بضرورة توجهها لطبيبة نسا، لتخبرها بأزماتها الصحية، إلا أن والدتها رفضت الأمر رفضًا قاطعًا، وبعد أيام قليلة عادت الأم لتخبر نجلتها بأنها ستقوم بحجز كشف طبي وسوف تصف للطبيبة ما قالته لها نجلتها، حتى تستطع الطبيبة أن تكتب لها دواء يساعدها على الشفاء دون زيارة العيادة.

فتيات كثيرات تواجههن قبل الزواج أزمات صحية، تستوجب ضرورة الذهاب إلى طبيب نسا للكشف عليهن، ووصف علاج مناسب، لكن الأمر لم يحدث بهذه السهولة، فالكثير من الأسر ترفض توجه بناتها اللاتي لم يسبقن لهن الزواج إلى طبيب النسا، حيث ترى العائلات في زيارة الطبيب “عيب” وأمرًا غير مقبول، خاصة عند الأسر البسيطة، القاطنة بالأحياء الشعبية أو الأسر الريفية أو في الصعيد.

وتقول أسماء حسين شابة أخرى: “طلبت من والدتي الذهاب لطبيب أمراض النسا الموجود في حينا الصغير بمدينة الزقازيق، لكنها رفضت وقالت لي نصا والناس تقول ايه لو شافوكي وانتي رايحة للدكتور ولا نازلة من عنده بلاش فضايح”.

وتضيف: “شكوك الجيران والأهل تبدأ فقط من رؤيتك أثناء زيارتك لطبيب النساء وكأن الأمر جريمة وإدانة، فهم لا ينتظرون ولا يسألون عن السبب، فهذا الأمر كفيل بأن سيرتي تصبح حديثًا بين الجيران على مدار الساعة”.

وتذكر: “ابلغت والدتي بأن حالتي الصحية أصبحت أفضل ولن أحتاج طبيب النسا، وانتظرت حتى عاد الترم الثاني من الدراسة، حيث أني كنت أدرس في جامعة القاهرة، وبالفعل انتهيت من اليوم الدراسي وذهبت لطبيبة نسا سرًا دون إبلاغ أسرتي وقمت بالكشف والاطمئنان على نفسي وأخذت الأدوية سرًا أيضًا حتى لا تسألني والدتي عن كيف وصفت لي تلك الأدوية”.

أما الشابة “دعاء عبد الحميد” فتقول: “بمجرد ما أخبرت والدتي بأنني أريد أن أذهب لطبيب نساء لأني أعاني من التهابات شديدة، تخيلت أني أكذب عليها وأني أريد الذهاب للطبيب حتى أطمئن على عذريتي بعدما فعلت حاجة غلط، الأمر الذي تسبب في مشكلة بيني وبين والدتي وانتهت بإخبارها بأني أصبحت على ما يرام، لكني ذهبت للطبيبة دون علمها للعلاج”.

الموت أفضل

في شهر مارس 2017، كتبت إحدى الطبيبات، وتدعى سارة الشريف، عبر حسابها على “فيس بوك”، أنها التقت حالة لفتاة تبلغ من العمر 16 عامًا في مستشفى القصر العيني، مصابة بانسداد في غشاء البكارة، وهي حالة طبية معروفة.

وأبلغت الطبيبة والد ووالدة الأسرة بضرورة إجراء عملية جراحية للفتاة للسماح بمرور دماء الدورة الشهرية، إلا أن والد الفتاة رفض، حتى بعد أن أخبروه بأنه سيحصل على شهادة طبية مختومة تفيد بأن غشاء بكارة ابنته فض لضرورة طبية.

لكنه استمر في الرفض، حتى بعد أن أخبره الأطباء بأن ابنته ستموت في حالة عدم إجراء تلك العملية. فقال: “يبقي ده نصيبها من الدنيا”.

القرى والأرياف

وتقول الدكتور ياسمين أبو العزم أخصائية النسا والتوليد: “إن هناك حالات كثيرة لأمهات يرفضن الكشف على بناتهن نسا بسبب العيب، خاصة في القرى والأرياف”.

وتضيف: “في أغلب الأوقات الطبيب لا يحتاج لفحص الفتيات، وإذا تم يكون عن طريق أخصائي وليس نائبًا، والأمر من الممكن أن ينتهي بأدوية بسيطة، لكن هناك بعض الأمور التي تحتاج إلى تدخل طبيب بشكل كبير، مثل الآلام الشديدة الناتجة عن الطمث، وهناك أمهات تكتفي بسؤال الطبيب عن مسكنات للفتاة وفقط، لكن الأمر قد يزداد في حالة عدم علاجه بشكل صحيح، وبعض الفتيات يقمن بالكشف من وراء أسرهن للاطمئنان على أنفسهن”.

وتابعت: “هناك نوع آخر من الحالات تتحكم فيه كلمة العيب، رغم الوجع والأزمات الصحية، وهي الزوجة حديثة الزواج والتي قد تشتكي من بعض الآلام بالرحم بعد الزواج بأيام، فهناك بعض العائلات ترفض الكشف عليهن من منطلق العيب، وأحيانًا  تنتظر الفتيات حتى يسمح لهن بالخروج بعد الزواج ويقمن بالكشف من وراء علم الأسرة”.

وتضيف: “هناك نوع آخر من الأسر التي تأتي بناتها للكشف على العذرية بعد وقوع من على السلم أو مكان مرتفع أو استخدام شطاف المياه بطريقة حادة، ورغم أن ما أشيع عن تأثير غشاء البكارة بمثل هذه الأمور غير منطقي أو حقيقي، إلا أن الكثير من الأسر لازالت تعتقد به وتصدقه”.