اتجهت الحكومة الإثيوبية، إلى اتخاذ خطوات إضافية لتعزيز “تعنتها” في مفاوضات أزمة سد النهضة، يحصنها من المحاولات الدبلوماسية التي تبذلها مصر، لجمع تأييد دولي يقوي موقفها، من خلال الاستعانة بمجموعات وشركات ضغط “أمريكية وإثيوبية”، تمكنها من فرض رغبتها إلى عدم التوصل إلى اتفاق بشأن المسائل الفنية والقانونية المتعلقة بملء وتشغيل السد، الذي أصبح يهدد حياة الملايين في مصر والسودان.

مجموعات الضغط

الحكومة الإثيوبية، بدأت خلال الفترة الماضية الاستعانة بمجموعات ضغط “أمريكية – إثيوبية”، لتقوية موقفها ضد مصر أمام الرأي العام العالمي، خاصة مع نجاح مصر في إشراك الإدارة الأمريكية والبنك الدولي، في المفاوضات والتي رفضت أديس أبابا التوقيع على الوثيقة النهائية التي تم إعدادها من قبل وزارة الخزانة الأمريكية، والبنك الدولي، فضلا عن لجوء مصر والسودان إلى مجلس الأمن، من خلال محاولة إقناع أعضاء الكونجرس الأمريكي السود باتخاذ موقف مؤيد لإثيوبيا في أزمة سد النهضة، والادعاء باستيلاء مصر على نهر النيل.

الخطوة الإثيوبية، نجحت بالفعل في خطوتها، حيث أصدر تجمع الكونجرس الأسود (CBC) الذي يضم 55 سناتور، قبل شهر من الآن، يدعم عمليًا أديس أبابا، معتبرًا أن سد النهضة له وقع إيجابي على المنطقة، مطالبًا بمنح الاتحاد الإفريقي دورًا أكبر في المفاوضات المستمرة لحوالي عقد من الزمان.

بيان التجمع اعتبر أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فشلت في لعب دور الوسيط، مشيرًا إلى أنه يجب على الولايات المتحدة والجهات الدولية الفاعلة باحترام اتفاق المبادئ الثلاثي الذي تم توقيعه بين مصر وإثيوبيا والسودان عام 2015، لافتا إلى أن إدارة ترامب تدعم الموقف المصري.

الخطوة السابقة جاءت بعد جهود المجلس المدني “الإثيوبي الأمريكي” المعارض للحكومة الإثيوبية في الأساس، وشبكة الدعوة الإثيوبية، وهما جمعيتان أمريكيتان تضمان أمريكيين – إثيوبيين، على مدى الأشهر الماضية، بادعاء أن المطالب المصرية إرث من العصر الاستعماري ترفضه الحكومة الإثيوبية بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد.

شركة ضغط

موقع foreignlobby كشف في تقرير له أن أديس أبابا استأجرت شركة ضغط أمريكية لمدة 3 أشهر، وسط تصاعد التوترات مع جيرانها “مصر والسودان” وإدارة دونالد ترامب بشأن السد الضخم الذي تبينه على نهر النيل، مشيرة إلى السفارة الإثيوبية في واشنطن، وقعدت عقدا مع شركة بارنز أند ثورنبرج للمحاماة في إنديانا في 30 يونيو، وفقًا لإيداع جديد مع وزارة العدل الأمريكية بقيمة 130 ألف دولار.

وذكر التقرير أن الشركة ستساعد السفارة في ترتيب اجتماعات مع المسؤولين الحكوميين في الأمور التي تهم السفارة، لمساعدتها في التخطيط الاستراتيجي والدفاع عن مصالحها، منوها بأن السفارة و بارنز وثورنبرغ لم يردان على الاستفسارات على الطلبات بشأن أولويات إثيوبيا في العقد، وأن العقد يشير إلى التوترات الإقليمية.

ولفت التقرير إلى أن أديس أبابا تواجه توترات مع مصر والسودان بشأن ملء السد، مشيرة إلى سعى الرئيس ترامب للتوسط في صفقة ثلاثية بناء على طلب من الرئيس عبد الفتاح السيسي، حتى الآن دون جدوى، وأن وزير التجارة الأمريكي ستيفن منوشين قال إن ملء السد “لا يجب أن تتم دون اتفاق”.

عقوبات وانقسام

ويبدو أن التحركات الإثيوبية لم تؤتي ثمارها حتى الآن، حيث أوضحت مجلة “فورين بوليسي”، في تقرير لها، منتصف الأسبوع الماضي، أن الرئيس الأمريكي يفكر في وقف المساعدات لإثيوبيا بسبب أزمة السد، الذي أدى إلى توتر شديد في علاقتها مع دولتي المصب السودان ومصر، بحسب 6 مسؤولين ومساعدين بالكونجرس مطلعين على الأزمة.

وأكد التقرير أن وزارة الخزانة طلبت خلال الشهر الجاري من وزارة الخارجية عرضًا موجزًا ​​لجميع المساعدات الأمريكية التي تم التعهد بها لإثيوبيا، بهدف حجب بعض أو كل المساعدات غير الإنسانية كوسيلة ضغط إذا توقفت المفاوضات، مبينا أن أي قرار بتغيير أو منع المساعدات الأمريكية، سيكون بيد البيت الأبيض أو الكونجرس.

وقال العديد من المسؤولين الأمريكيين، للمجلة، إن البعض في وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عارضوا وقف المساعدات لإثيوبيا، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بالعلاقات المتوترة بالفعل بين أديس أبابا وواشنطن في مرحلة محفوفة بالمخاطر في التحول السياسي في إثيوبيا.

وبين التقرير أن الرئيس السيسي أشار إلى أن مصر يمكن أن تستخدم القوة العسكرية لوقف المشروع، مؤكدًا حدوث حالة من الانقسامات والارتباك داخل الحكومة الأمريكية، منذ أن طلبت مصر التوسط في المفاوضات بشأن السد العام الماضي، وهو ما يعزز ضرورة الاحتراز من الخطوات الإثيوبية الجديدة، والتي أصبحت تهدد حقوق مصر التاريخية.

تحركات جادة

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور طارق فهمي، قال إن إثيوبيا كونت لوبي من الجالية الإثيوبية الموجودة في أمريكا البالغ عددها حوالي 300 ألف وتحركوا خلال الفترة الماضية، وتواصلوا مع بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي لعمل دعاية مضادة “تدعم التحركات الإثيوبية”، بشأن الحقوق الإثيوبية والسياسيات الإعلامية والاستراتيجية، فضلا عن استعانتهم بشركة علاقات عامة لدعم موقفهم، مؤكدا أن مصر تمتلك تأثيرا أقوى، ولديها أصدقاء كبار في دوائر الحكم الأمريكية تدعمها وتساندها.

ورغم توقع أستاذ العلوم السياسية بأن يكون تأثير تحركات أديس أبابا “محدود”، إلا أنه رأى أن ذلك يعد تحركا جادا من قبل إثيوبيا في الولايات المتحدة، يجب الانتباه واليقظة له في هذا التوقيت تحديدا، مبينا أن إثيوبيا تعتمد على نشر أخبار ملونة وأكاذيب بشأن الأزمة، تجعلها في موقف “المظلوم”، بما يخدم على سياستها المتبعة في المفاوضات مع مصر والسودان.

وأشار “فهمي” إلى أنه يجب التأهب لمواجهة الموقف الإثيوبي، ليس فقط إعلاميًا ودبلوماسيًا، ولكن أيضًا للجان الإلكترونية التي تستخدمها أديس أبابا، والتي لا تقتصر فقط على أمريكا ولكن تمتد إلى العديد من الدول سواء العربية أو الإفريقية، لافتًا إلى أن استراتيجية إثيوبيا واضحة، وتدعي من خلالها أنها تستخدم حقها رغم عدم التزامها بالقوانين والأعراف الدولية المقررة في هذا الشأن.

وشدد على أنه يجب على مصر متابعة التحركات الإثيوبية “سواء أكاديميين أو سياسيين أو شخصيات” خاصة في الأمم المتحدة ودوائر الحكم الأمريكية، والاشتباك معهم والرد عليهم وتفنيد الأكاذيب التي تصدر من حين إلى آخر، بلغات متعددة حتى نتمكن من الوصول إلى قدر أكبر من الشخصيات والأفراد، لتثبيت الموقف المصري، وتزويد صلابته.