لكل شخص منا معتقداته الدينية والفكرية التي ينشأ عليها ويعيش بها، ومن الممكن أن يتغير بعضها بمرور الوقت، ولكن من الطبيعي أو الذي يجب أن يكون اعتياديًا أن تتوافر لدينا جميعًا بعض المبادئ الإنسانية الثابتة، والتي تقر بأن لكل فرد الحق في الحياة بالشكل الذي يُفضله لذاته، وأيضًا بالميول الجنسية التي يرغب بها سواء كانت هذه الميول ناشئة عن مرض أو عرض نفسي أو شيء آخر، فلكل فرد الحق في حريته الشخصية ما دام لم يتعد على حرية الآخرين.
هذا الأمر يستحيل تطبيقه في مصر، فبعدما أصبحت الخلافات بيننا في مصر على هل يجوز الترحم على شخص ما أم لا في حالة اختلاف ديانته أو موته منتحر أم لا، وهذا ما رأيناه مؤخرًا مع الناشطة السياسية سارة حجازي، والتي انتهت حياتها منتحرة في رسالة مأساوية إلى العالم بعد اتهامها برفع علم “الرينبو” في حفل “مشروع ليلى” عام 2017، والذي أعلن أحد أعضاء الفريق الغنائي من قبل مثليته الجنسية أيضًا وهو حامد سنو، وكان هناك العديد من المصريين الذين قاموا بحضور ذلك الحفل لدعم قضية المثلية الجنسية كنوع من الإنسانية والحرية، خاصة بعدما اعترفت العديد من دول العالم بالـ”الرينبو” وحقوقهم.
المنع مصير التعبير عن التضامن مع المثلية
يعد حامد سنو، عضو فريق “مشروع ليلى” اللبناني، هو المطرب العربي الوحيد حتى الآن الذي أعلن مثليته الجنسية، وقام بعدد من الأعمال على المسرح التي تثبيت ذلك، في عدد من الدول ولم يتم مهاجمته أو التعرض له، ولكن الوضع في مصر كان مختلف، فحين أقام الفريق الغنائي حفله الوحيد في مصر ثار الجميع، خاصة بعد رفع علم الرينبو أثناء الحفل، لتقوم نقابة المهن الموسيقية بمنع “مشروع ليلى” من إقامة حفلات في مصر مرة آخري، مؤكدين أنهم ليسوا جهة قمع، ولكن لن تقام مثل هذه الحفلات في مصر مرة آخري “على حد قولهم”.
المثلية الجنسية في الأبيض وأسود
لم يكن اختلاف الميول الجنسية أو المثلية الجنسية شيء مستحدث، فهو منذ آلاف السنين ومثبت ذلك دينيًا وتاريخيًا، ولكن أن يتم مناقشة هذا الأمر في سينما الخمسينات كان من الصعب أن يتم بهذه السلاسة، وكان هذا هو الظهور الأول للمثلية الجنسية من خلال فيلم “الطريق المسدود” عام 1958، وقد قامت بهذا الدور ملك الجمل، الفيلم من تأليف إحسان عبد القدوس وسيناريو وحوار نجيب محفوظ وإخراج صلاح أبو سيف.
كما أنه تم طرح فيلم “الآنسة حنفي” للكوميديان إسماعيل يس، وهو يعد أو عمل يناقش قصية التحول الجنسي.
مناقشة المثلية الجنسية بموضوعية في عالم الرجال
حاولت بعض أفلام السبعينات والثمانينيات مناقشة المثلية الجنسية بموضوعية في بعض الأفلام وكان أولها فيلم “حمام الملاطيلي” عام 1973، الذي غير به المخرج صلاح أبو سيف جلده الفني، وأظهر مخرج الواقعية أول صورة للشخص المثلي، بعيدًا عن الصورة النمطية، التي كان يظهر بها في السينما ما بين رجل مائل للدلع، أو امرأة ذات صوت خشن، وما شابه، ليُقبل يوسف شعبان على تقديم دور هو الأول من نوعه في السينما المصرية، ليخرج من الصورة النمطية المتعارف عليها عن المثليين جنسيًا، ليظهر رجل ذو ملامح طبيعية يذهب إلى حمام رجال شعبي ليقوم بجذب الرجال له، ليقع في غرام أحد الموظفين، والذي أدى دوره “محمد العربي”، ليمر الأمر بينهما على أنه نزوة.
وفي عام 1977، قام المخرج سمير سيف بتجربة أكثر جرأة وواقعية من خلال فيلم “قطة من نار” الذي قام ببطولته نور الشريف وبوسي، والذي قدم هو من خلاله دور شاب انتشرت عنه شائعات لوجود علاقة عاطفية بينه وبين صديقه، مما يدل على مثليتهما الجنسية، وزاد الأمر حين اكتشفت زوجته من خلال الفيلم “بوسي”، مثلية صديق زوجها مما أدى إلى انتحاره.
المثلية الجنسية في عالم النساء
تُعتبر سبعينيات القرن الماضي، هي الأكثر قوة في طرح أفلام عن المثلية الجنسية، كما تم تقديم أفلام عن الرجال، تم أيضًا مناقشة الأمر مع النساء، ولكن لم يكن بنفس وضوح القضية والدخول في تفاصيلها كما في حياة الرجل، لتظهر مديحة كامل في فيلم “الصعود إلى الهاوية” عام 1978، وهي تمارس الجنس مع الفنانة إيمان، الفيلم من إخراج كمال الشيخ.
كما ظهرت ناهد شريف مؤدية لذات الدور عام 1974 في فيلم “ذئاب لا تأكل اللحم”، وظهرت في أحد المشاهد وهي تقوم بتقبيل زوجة شقيقها.
أفلام المثلية الجنسية
مع بداية الألفينيات ورغم ظهور مصطلحات السينما النظيفة وما شابه، إلا أن هناك بعض المؤلفين والمخرجين الذين قرروا أن يسبحوا عكس التيار، ليقدموا ما هو جرئ ويخشى الجمهور أن يراه، لنجد عدد من الأفلام السينمائية التي تناقش المثلية الجنسية، والتي أصاب بعضها وتحدث عن الأمر بشكل موضوعي وبناء على قصص حقيقة والبعض الآخر ناقش الأمر بسطحية للحصول على زيادة في الإيرادات.
كان من أهم الأفلام التي ناقشت المثلية هو “عمارة يعقوبيان” وقدم الدور الفنان خالد الصاوي، ببراعة شديدة، فهو شخص طبيعي تعرض لحادث في طفولته ومشكلات أدت به إلى تحويل هويته الجنسية، كان هذا الدور من أكثرها موضوعية في مناقشة الأمر دون المبالغة أو السطحية، وكذلك أيضًا فيلم “أسرار عائلية” والذي دار حول شاب مثلي الجنسية ونظرة المجتمع، وكيفية تعامله مع أسرته وكان هذا الشاب هو أحد أبناء الطبقة المتوسطة في إشارة أن الأمر لا يقتصر على فئة معينة من الناس.
ومن الناحية النسائية، حاول المخرج خالد يوسف لتنويه عن القضية من خلال مشهد جمع بين سمية الخشاب وغادة عبد الرازق في فيلم “حين ميسرة”، ليكون رد الأولى على الأخيرة جملة شهيرة “هو أنتم معندكوش غير جسمي تطمعوا فيه رجالة ونسوان”.
وأيضًا المخرج الكبير داوود عبد السيد في فيلم “رسائل بحر” من خلال كارلا وأحد زبائنها حين أظهرهما على فراش واحد، واعترفت كارلا خلال أحداث الفيلم بمثيلتها.
وأيضًا قدم فيلم “بدون رقابة”، صورة عن المثلية من خلال علا غانم، ولكنها كانت وسط عمل فني ملئ بالمشاهد الإباحية، وبالتالي تم إدراجه في صفوف المشاهد الراغبة في تحقيق نسب مشاهدة دون أن يخدم القضية.
تناول قضية المثلية بشكل ساخر
طبقًا لطبيعة المجتمع الذي نعيش به، فإذا قام الفنان بإظهار شاب مثلي الجنسية على أنه ذو صوت رفيع وحركات نسائية والتهكم عليه سيأتي هذا ثماره وسيقوم بإضحاك الجمهور وهذا ما تم استغلاله بالفعل، فكان أول من قدمه عادل إمام في فيلم “الإرهاب والكباب” وتامر حسني في “عمر وسلمى2″، ولكن كان الأهم في تقديم دور المثلي جنسيًا بشكل كوميدي دون الإسفاف على هذا الاختلاف، هو الفنان فاروق فلوكس من خلال فيلم “الراقصة والسياسي” والذي أخرجه سمير سيف.
نتفليكس وإلزامية المثلية الجنسية
مع انشار منصة نتفليكس في الوطن العربي، والتطلع إلى ما تنتجه المنصة منذ التسعينات، نجد أن هناك اتجاه أساسي داخل أفلامها في وجود حالة على الأقل في كل عمل فني سواء فيلم أو مسلسل مهما اختلفت جنسيته بأن يكون هناك حالة مثلية جنسية، سواء احتمل العمل وجود أمر مثلي أو مثلية جنسية أم لا، وكأنه اتجاه إجباري لتوطيد الأمر وتوثيقه واعتباره أمر واقع يجب الاعتراف به.
ولا يتوقف الأمر على إظهار الحالة فقط، بل يتم عرض العلاقات الجنسية كاملة على الشاشة، مما أثار تساؤلات البعض من تحميل منصة نتفليكس، العمل الفني إظهار أحد أبطاله مثليين دون وجود أي داعي في كثير من الأحيان لذلك.
المثلية ربعت رامي مالك على عرش الأوسكار
الاختلاف والبحث عن المحظور أصبح هو طريق الفنانين في العالم الغربي للحصول على جائزة الأوسكار، لنجد أن هناك اتجاه إلى تجسيد شخصية المثلية الجنسية كنوع فريد للحصول على تلك الجائزة، وكان من هؤلاء ناتالي بورتمان التي حصلت على جائزة أوسكار أفضل ممثلة عن دورها في فيلم “Black Swan“، بعد أن أدت دور راقصة باليه مثلية جنسيًا، وفي عام 2009 نال الأمريكي من أصول مصرية رامي مالك جائزة أوسكار أفضل ممثل عن فيلم “بوهيمان رابسودي”، وهو سيرة ذاتية عن فرقة الروك البريطانية الشّهيرة “كوين”، وجسّد فيه مالك دور المطرب، فريدي ميركوري، الذي انضم للفرقة عام 1970، ويتطرّق الفيلم ضمن أحداثه، إلى حياة ميركوري الشخصية، حيث يكشف أيضًا، عن ميوله الجنسية المثلية.