إثيوبيا تعتبر المفاوضات تدخلًا في سيادتها

آبي أحمد يستغل الأزمة لتصوير نفسه بطلًا شعبيًا

تدمير السد بعد ملئه سيُخفي الخرطوم ويُخرب مناطق كاملة في مصر

جسم السد خرساني يمكن تفتيته ولا يتحرك كتلة واحدة

تسع سنوات هي عمر مفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا، والنتيجة عدم التوصل لحل نهائي إلى الآن، إلا أن التطور الأبرز حدث عندما أعلنت أديس أبابا قبل أيام، اكتمال المرحلة الأولى للملء، بسعة 4.9 مليار متر مكعب مستبقة التوصل لاتفاق.

وبالبحث عن إجابات لأسئلة عدة تجول بأذهان المتابعين للقضية، نجد ردودًا واضحة لدى الخبير المائي، الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الأراضي بكلية الزراعة جامعة القاهرة.

“نور الدين”، الذي أجرينا هذا الحوار معه، يستعرض أزمة السد، ملقيًا الضوء على أسباب الخلاف وطرق الحل، راسمًا بدوره متخصصًا ملمًا بأطراف الملف صورة كاملة عن القضية للقارئ.

كما تحدث عن الحل العسكري، مستعرضًا سبب التعنت الإثيوبي في المفاوضات، فضلًا عن نقاط أخرى.. فإلى نص الحوار..

ما السبب وراء عرقلة المفاوضات بين الدول الثلاث؟

السبب الحقيقي وراء ذلك هو عدم رغبة الجانب الإثيوبي في مشاركة الدول مُستجدات الأزمة، معتبرًا إياها ملكًا لهم، ضاربًا بكل القوانين الدولية عرض الحائط، التي تنص على أن دول المنبع لا يمكنها بناء سدود كبيرة، لما تُحدثه من تأثير على حصص دول المصب، ورغم هذا فقد أعلنت إثيوبيا أن سد النهضة هو الأكبر في إفريقيا، وضمن أكبر 10 سدود عالميًا، ما يوضح مع من نتعامل وطرق تعاملهم مع القانون بشكل عام، ورضوخهم له، بالإضافة إلى عدم وجود أي نية للوصول إلى حل من خلال التفاوض من جانبهم.

تدمير سد النهضة بعد انتهاء المرحلة الأولى من الملء ينُذر بخراب على مصر والسودان

هناك حديث عن الخيار العسكري بالنسبة لمصر.. كيف ترى هذا الحل؟

منذ بداية الإعلان عن إنشاء سد النهضة، وأنا أحذر من أضراره، وأكدت أنه لو بدأ إنشاء السد لن يمكن وقفه خاصة بالتدخل العسكري، لما سيخلفه ذلك من دمار على كل من مصر والسودان باعتبارهما دولتي مصب، ولن يؤثر على إثيوبيا باعتبارها دولة منبع، لحين إيجاد حلول لتلافي أخطار هدم السد.

فتدمير السد خاصًة بعد الانتهاء من المرحلة الأولى للملء التي قُدرت بـ4.9 مليار متر مكعب من المياه ينُذر بخراب على مصر والسودان، لأن المياه المخزنة والحطام الخاص بالسد سينجرفان تجاه السودان ومصر.

وعندما تصل كميات المياه الكبيرة وحطام سد النهضة لسد الروصيص في السودان ستدمره بالكامل، وما يليه من سدود، لتمحي الخرطوم وتدمرها بشكل كامل، ثم تصل إلى مصر وتحدث فيها خرابًا حتى أسيوط، كما سيؤثر بشكل واضح على السد العالي، وسيتسبب في توتر العلاقات الدولية بين مصر وإفريقيا.

هل تكوين السد من جسم خرساني يتحرك ككتلة واحدة هو السبب وراء صعوبة التدخل العسكري؟

لو فُرضت على مصر الحرب ستحارب وستستعد قبلها بحلول مناسبة لتلافي أخطار هدم السد، كما أن السد خرساني لكنه لا يتحرك كتلة واحدة، فهو يتكون من أجزاء مرتبطة ببعضها، القمة، وجسم السد، والقاعدة، والأركان التي تثبته بالجبلين المحيطين به، لذا فإن هناك قنابل ثقيلة وصواريخ، وبعضها يبلغ عدة أطنان من القوى التفجيرية، وستسبب دمارًا كبيرًا له، لو كانت هناك نية للحرب.

إذن كيف تتلافى مصر مخاطر السد دون تكلفة باهظة؟

لا توجد حلول لتلافي آثار تشغيل السد دون تكلفة باهظة، لأن آثاره على نقص المياه خطيرة، حيث ستخسر مصر 50 مليار متر مكعب بعد إتمام الملء، ففي مرحلة الملء الأولى عشرة مليارات متر مكعب ستخصم مناصفة بين مصر والسودان، والحل الوحيد هو التعويض عن طريق تحلية مياه البحر.

لكن تحلية مياه البحر شديدة التكلفة، حيث يكلف المتر المكعب حوالي نصف دولار، أي ما يقرب من 7 لـ 8 جنيهات تقريبًا، ما يعني أن ذلك سيكلف مصر عدة مليارات، أو عن طريق محطات كهربائية لتحلية المياه، والتي تعتمد على 40% من التكليف على الكهرباء والباقي تكاليف مادية.

مشكلتنا الآن في عدد سنوات ملء سد النهضة

هل يمكن لإثيوبيا توليد الكهرباء دون المساس بحقوق دولتي المصب؟

لا توجد أي طريقة أخرى لتوليد الكهرباء عن طريق المياه غير السدود، لكن يمكن توليد الكهرباء عن طريق الرياح وذلك سيكون أقل تكلفة، وإمكانيات إثيوبيا ستمكنها من ذلك، وكذلك حرارة جوف الأرض “الثرومو ديناميك”، لكن إثيوبيا اختارت الحل الأصعب لافتعال أزمات مع مصر والسودان.

هل السد نفسه هو ما يشكل أزمة أم عدد سنوات الملء؟

السد نفسه يسبب أزمة، نظرًا لأنه سيحتجز كميات كبيرة من المياه، في حين أن مصر لا تستطيع التفريط في أي جزء من حصتها، بسبب انخفاض معدل نصيب الفرد في ظل تزايد أعداد السكان.

ولكن بما أن السد أصبح أمرًا واقعًا، فمشكلتنا الآن في عدد سنوات الملء، وثبات الكمية المخزنة من المياه، مع عدم الأخذ في الاعتبار الظروف الطبيعية التي تتسبب في قلة مياه الأمطار، وانخفاض مستوى الماء في النيل الأزرق.

الخلافات الفنية القائمة بين مصر وإثيوبيا تتلخص في عدد سنوات ملء السد

ما أبرز الخلافات الفنية القائمة بين مصر وإثيوبيا خلال الفترة الحالية؟

الخلافات الفنية القائمة بين مصر وإثيوبيا تتلخص في عدد سنوات ملء السد، حيث تصر أديس أبابا على أن يكون الملء خلال 3 سنوات، بمعدل 25 مليار متر مكعب كل عام، على الرغم من أن تدفق المياه السنوي 49 مليار متر مكعب كل عام، وذلك يُعني مصادرة نصف مياه النيل الأزرق، وطلبت مصر على ألا تقل سنوات الملء عن 7 سنوات.

كما تُشكل كمية المياه المُحتجزة في كل عام نقطة خلاف، وحتى الآن لم تعلن إثيوبيا الكمية التي ستحتجزها كل عام، فهذا العام طلبت 6 مليارات متر مكعب، والعام المقبل 15 مليارًا، كما يدور الخلاف حول كمية المياه التي يتم ضخها من سد النهضة سنويًا، حيث وافقت مصر على أن تضحي بـ 10 مليارات مترًا، إلا أن إثيوبيا تُصر على أن تخسر مصر 32 مليارًا ولا تعلن أرقامًا صحيحة.

كيف سيؤثر السد على مصر خلال السنين العجاف.. وما هو الحل الفني المطروح لحلها؟

يتعرض النيل لـ7 سنوات عجاف، و7 سنوات سمان، و6 سنوات متوسطة، وإثيوبيا تُصمم على تخزين المياه أولًا لتوليد الكهرباء، خلال أوقات الفيضان العالي والمتوسط، وتضمن خروج 40 مليار متر مكعب من المياه، أي أنها ستحتفظ بمياه الفيضان، بالإضافة إلى 9 مليارات متر مكعب.

أما عن سنوات الجفاف، فيجب أن تضمن مصر خروج 35 مليار متر مكعب من وراء السد، بدلًا من 40 مليار.

آبي أحمد يحاول الظهور في صورة البطل الشعبي

لماذا أعلنت إثيوبيا إتمام المرحلة الأولى للملء رغم عدم انتهاء المفاوضات؟

تُعتبر المرحلة الأولى دعاية لرئيس الوزراء آبي أحمد، حتى يظهر في صورة بطل شعبي، ويظهر أنه المنتصر، ليساعده ذلك في الانتخابات التي تم تأجيلها بسبب تداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد.

والدليل على ذلك أنه حينما أعلن وزير الري الإثيوبي عن بدء ملء سد النهضة، خرجت وسائل الإعلام لتكذب تصريحاته، لحين انعقاد القمة المصغرة بإفريقيا، وإعلان رئيس الوزراء الأمر أمام رؤساء مصر والسودان والدول المشاركة.

بناء سد النهضة خراب عاجل على مصر والسودان

هل هناك تهويل إعلامي بشأن آثار السد على مصر؟

لا يوجد تهويل، لأن بناء سد النهضة خراب عاجل، كما أنه لو تم الملء في 3 سنوات، بمقدار 25 مليار متر مكعب سنويًا، تخصم من حصة مصر والسودان، يعني بوار مليون فدان، وتشريد 25 مليون مواطن مصري، وحتى لو تم الملء في 5 سنوات يعني بوار 3 ملايين فدان، من إجمالي 8 ملايين.

ماذا لو انتهت المفاوضات دون التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف؟

أتوقع عدم نجاح المفاوضات القادمة حول السد الإثيوبي، لأن المرجعية الإثيوبية انتقائية، حيث ترفض تطبيق بعض البنود في إعلان المبادئ، ومنها البند العاشر الخاص برفع الأمر إلى رؤساء الجمهوريات عند تعثر المفاوضات، لكنها تريد مرجعية إعلان المبادئ في البند الخامس الخاص بأنه يحق لمالك السد تغيير ما تم التوصل إليه منفردًا.

ومصر ستضطر لإشراك المجتمع الدولي، لمنع تدهور الأوضاع في شرق القارة الإفريقية، لإجبار إثيوبيا على تأجيل استكمال الملء لحين التوافق، وانتداب لجنة من الخبراء من البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة.

يبلغ نصيب الفرد من المياه في إثيوبيا 3 أضعاف نصيب الفرد من المياه في مصر

وما علاقة عرقلة التفاوض بتأثير الطمي على السد؟

لو لاحظنا خلال فيديو الملء، فإن لون المياه بنيًا، بسبب كمية الطمي التي انجرفت معه، وتقدر بـ 136.5 مليون طن سنويًا، ما يعني أنها كفيلة لردم السد الحالي خلال 50 عامًا، لذا تؤخر إثيوبيا المفاوضات لحين استكمال بناء السدود الثلاثة القادمة على النيل الأزرق وهي مندايا، وكارادوبي، ومابل، التي ستعمل كمصائد للطمي.

مع العلم بأن الاتفاق على السد الأول سينطبق على باقي السدود، وهم لا يريدون ذلك، والحل في التفاوض على كمية المياه وليس على السدود، بحيث يضمن السودان ومصر  حدًا أدنى من المياه يبلغ 40 مليار متر مكعب سنويًا تخرج من الحدود الإثيوبية في سنوات الفيضان العالي والمتوسط، وأن يضمنا حدًا أدنى 32 مليارًا في سنوات الجفاف، على أن يُطبق ذلك بشكل دائم.

هل تنتهج إثيوبيا سياسة الأمر الواقع في قضية سد النهضة؟

بالفعل تنتهج إثيوبيا سياسة الأمر الواقع، مُعتقدة أنها ستفرض حلولها على مصر والسودان، وتتعمد عدم شفافية الحوار، ما يوضح أنها تُمارس السياسة التركية في المفاوضات على إنشاء السدود، لذا على المجتمع الدولي أن يضغط عليها ويدين تعسفها ضد مصر والسودان.

مصر تُعيد استخدام مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي بينما تنعم إثيوبيا بالمياه العذبة النظيفة

إثيوبيا دولة تتمتع بوفرة في مصادر المياه؟

يبلغ نصيب الفرد من المياه في إثيوبيا 3 أضعاف نصيب الفرد من المياه في مصر، والأراضي الزراعية في إثيوبيا 10 أضعاف الأراضي الزراعية في مصر، وعدد رؤوس الماشية في إثيوبيا 13 ضعف عددها في مصر، كما تُصدر إثيوبيا الأغذية العضوية بينما تستورد مصر 65%؜ من غذائها وتراجع بها زراعات الأرز والقطن والذرة والقمح والفول والعدس وقصب وبنجر السكر بسبب نقص المياه.

لأن إثيوبيا بها خزان سد تاكيزى أحد روافد عطبرة النيل يضم 10 مليارات متر مكعب تستفيد منها إثيوبيا، كما أن عدد السدود المقامة على الأنهار والبحيرات في إثيوبيا 12 سدًا بالإضافة إلى سد النهضة، ويسقط على إثيوبيا 936 مليار متر مكعب من الأمطار سنويًا.

كما أنه طبقًا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة، فإنها تمتلك 100 مليون رأس نصفها من الأبقار ونصفها من الأغنام والماعز، وتستهلك الرأس الواحدة من المواشي 5000 متر مكعب من المياه حتى تصل إلى عمر ثلاث سنوات، وتصبح قابلة للذبح في الأبقار، وبالتالي بضرب 100 مليون رأس في 5000 متر مكعب مياه، تكون الأبقار والماشية تستهلك 500 مليار متر مكعب كل ثلاث سنوات أي نحو 170 مليار مترًا مكعبًا في السنة من الأمطار الغزيرة التي تنبت المراعي والمروج التي تتغذي عليها هذه الثروة الحيوانية الطائلة.

بخلاف ما يحصلون عليه من بحيرة تانا منبع النيل الأزرق والتي تحتوي من 40 إلى 50 مليار متر مكعب، ثم خزان سد تاكيزى على نهر عطبرة البالغ 10 مليارات متر مكعب وبذلك تحصل إثيوبيا من تاكيزى وتانا على نحو 230 مليار متر مكعب سنويًا من منابع نهر النيل بها أي نحو خمسة أضعاف حصة مصر.

كما تُعيد مصر، استخدام مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي بينما تنعم إثيوبيا بالمياه العذبة النظيفة التي تصدر منها اللحوم والحبوب والأغذية العضوية، ونحن الدولة الوحيدة في دول نهر النيل التي تعاني من العجز في المواشي، ونحن الأقل في الأراضي الزراعية.

هل تعتبر إثيوبيا النيل الأزرق نهرًا داخليًا ولا سلطة لأحد عليه سواها؟

استطاعت إثيوبيا استنزاف مصر في مفاوضات كبيرة لا علاقة لنا بها، واعتبروا أن اعتراض مصر والسودان تدخلًا في السيادة الإثيوبية، وأن النيل الأزرق لهم وحدهم، لكن وفقًا للقانون الدولي للمياه الصادر خلال 2007، على دول المنبع أن لا تضر بدول المصب وأن تراعيها عند بناء السدود.