أطل علينا تطبيق “التيك توك” وسرعان ما سيطر على حياة الكثيرين، وبات وسيلة لتحقيق آمالهم وأحلامهم التي لم يجدوا فرصة بديلة ليُطلقوا مواهبهم من خلالها، واعتبر الكثيرون أنه مساحة لإبراز موهبتهم التي تواجه الكثير من العوائق المالية والاجتماعية والبيروقراطية أحيانًا تحول دون تنفيذها، وأصبح التطبيق ملاذًا آمنًا يستوعب الكثير من الشباب على وجه التحديد ويحتويهم، بل تحول إلى مشروع العمر وفرصة التربح والوصول إلى العالمية، وأصبحت كلمة “مشهور” لا تحتاج سوى الاهتمام والتفاعل عبر هذا التطبيق، بينما تعالت الصيحات في الكثير من دول العالم محذرة من تأثيره على الأطفال ومن هم دون الـ 16 عام.
بدايات “التيك توك” .. حينما ينتصر الرقص على العلم:
“أليكس زو” الشريك المؤسس لشركة ميوزيكلي، أعلن في أحد البرامج أن فكرة “ميوزيكلى” جاءته عندما رأى أطفال يحاولون تصوير أنفسهم أثناء سماعهم ورقصهم على الموسيقى، ولم تكن الإمكانيات تساعدهم على ذلك، ومن هنا أتته فكرة عمل منصة اجتماعية تدمج الصوت مع الفيديو في وقت قصير لتعطى هؤلاء الأطفال فرصة للمرح.
وبالعودة للوراء نجد أن فكرة “أليكس زو”، لم تكن وليدة لحظة عمق وقرب من احتياجات الأطفال أو التأثر بهم، بل أن هذه المهمة كانت فكرة تعليمية عام 2014 ووفقًا لما أعلنه الموقع الرقمي “بيزنس إنسايدر” ، فإن أليكس زو وشريك له عملوا على تصميم تطبيق تعليمي بالفيديو على أن تكون مدته قصيرة لا تتجاوز الـ 5 ثواني نظرًا للإقبال الكبير على المنصات التعليمية مع ما يصحب ذلك من حالة ملل نتيجة طول الفيديو تجعل المستخدمين يعزفون عن استكمال التعلم.
وقاما بجمع ما يقرب من 250 ألف دولار من أصحاب رؤوس الأموال المغامرة، وأمضوا نحو 6 شهور في إنشاء التطبيق الذين أسموه “سيكادا “، ولم يكن هناك أي احتمالية للقدرة على تلخيص المواد التعليمية في مدة من “3 لـ 5 ثواني”، والنتيجة لم تكن مسلية ولم تجذب المراهقين وفقًا للقائم على إعداد التطبيق.
الفريق تأكد من فشل فكرة الموقع التعليمي وعدم التفاعل معها، ولم يكن وقتها متبقي من الأموال التي قاموا بجمعها سوى 8% فقط، وبدلًا من إعادتها للمستثمرين قرروا أن يطوروا الفكرة وكانت فيديوهات الرقص والموسيقى ملاذهم الآمن، وبالفعل تم فتح “ميوزيكلي” والتي أخفت تماما أي آثار للتطبيق التعليمي القديم.
ولكن أليكس زو لم يكن كاذبًا حينما أكد أن الفكرة قد جاءته حينما كان يستقل قطارًا في موانتن فيو ووجد الأطفال وتأثر بهم، ولكن هذه الفكرة كانت التجديد الذي طرأ بالفعل على الموقع التعليمي، وهو ما حقق الكثير من الأرباح إلى أن استحوذت على الشركة والتطبيق شركة أخرى وهى “بيتيدانس” والتي أدمجته مع تطبيق “تيك توك”.
حجم انتشار “التيك توك”
تمتلك تطبيق “تيك توك” شركى “بيتيدانس،” والتي تبلغ قيمتها السوقية نحو 75 مليار دولار، ورئيس الشركة يتمتع بترتيب في الثراء العالمي مسجًا رقم “12” وتقدر ثروته بنحو 12 مليار دولار.
سجل التطبيق، تواجد قوى فارضًا وجوده على المنصات العالمية الأخرى ليبلغ عدد من قاموا بتحميله نحو 1.5 مليار شخص خلال عام 2019، وسجل عدد النشطاء “أصحاب الحسابات” مع نهاية عام 2019 نحو 500 مليون مستخدم، وتخطى التطبيق في ترتيبه الفيسبوك واليوتيوب.
ووفقًا لآخر الاحصائيات، فإن هناك ما يقرب من 41% من مستخدمين هذا التطبيق تنحصر أعمارهم بين 16 لـ 24 عام ، وأن المستخدمين له يمضون ما يقرب من 55 دقيقة يوميا في تصفحه، وأصبح التطبيق مهددًا للمنصات المنافسة له بحيث صدرت بعض التقديرات غير الرسمية لزيادة عدد متابعيه خلال العام الجاري ووصولها لنحو 800 مليون حساب بزيادة تقدر بنحو 300 مليون مستخدم خلال الأشهر السبع الماضية، وهو ما يعد مؤشر على انتشاره الواسع بين المتابعين في مختلف أنحاء العالم.
أولياء أمور هكذا أثر “التيك توك” على أطفالنا
نصحت إدارة “تيك توك” متابعيه بعد استخدامه للأطفال من هم دون الـ 13 عام، ولكنها لم تضع أي عوائق أمام تحميل التطبيق أو عمل حساب عليه أو حتى اشترطت ادخال السن كأداة لتنفيذ ما نصحت به، والأهم في هذا التطبيق أيضًا أنك لست مضطرًا لعمل حساب عليه كي تري ما يتم تقديمه من فيديوهات فقط بمجرد تنزيله يمك تصفح الفيديوهات ومتابعتها.
عصمت عبد التواب، والدة طفل يبلغ من العمر 14 عام، قالت: “فوجئت بوجوده على تيك توك ومش عارفة أعمل أيه، سلوك ابنى اتغير وأوقات كتير بحس انى معرفهوش”، مؤكدة أن ابنها أصبحت رغبته قاصرة على الثراء وأنه كثيرا ما يحدثها حول قدرته على تحقيق أرباح من خلال وجوده على هذا التطبيق، مشيرة إلى أنها رأت بعض ما يتم تقديمه وبه الكثير من الايحاءات الجنسية التي لا تتناسب مع ثقافة المجتمع الذي نعيش به.
وأضافت “عصمت”، أن للتيك توك تأثير كارثي بالفعل، لأن طفلها أصبح لا يبعد عنه بل إنه لا يجلس مع رفاقه كثيرًا أو يمارس اللعب والأنشطة بينهم قائلة: “ابني بيقولى مفيش داعي للمدرسة وأنا ممكن أعمل فلوس كتير من التطبيق تعيشنى ملك”، مؤكدة أن الكثير من الأطفال في سنه يفعلون الشيء نفسه في ضواحي محافظة الجيزة، وأن التطبيق يتسرب إلى البيوت أقرب للفيروس وأصبح يستحوذ على حياة الأطفال والشباب.
“سمر .ع” أم لطفلين هما عطالله محمد ومحمود محمد، الطفل الأول عمره 9 سنوات، والثاني 5.5 عام، قالت إنها فوجئت من احدى أقرباءها أن ابنها قام بعمل فيديو خاص به على تطبيق “تيك توك”، ومن هنا علمت سر بقاءه لوقت طويل هو وأخيه على الانترنت دون اندماج أسري ومشاركة في الأحاديث والحياة الواقعية.
وأضافت سمر قائلة: “أنا شوفت الحاجات اللي على التطبيق وكلها تافهة وعبيطة وخايفة على ولادي بس مش عارفة أعمل ايه”، الأم التي تواجه أزمة حالة الملل التي يمر بها أطفالها أكدت أنها في حيرة من أمرها فمنذ بداية العام وأطفالها قابعين في المنزل لا يخرجون والانترنت أصبح المتنفس الخاص بهم في ظل جائحة كورونا، وهو الأمر الذي يجعلها لا تجد بديلا مناسبًا لهم وتكتفى بمتابعتهم عن بعد مع وقوعها فريسة تخوفاتها مما قد يحدث لأبنائها من تأثر بأفعال الغير السلبية على هذا التطبيق.
التأثير النفسي لـ”تيك توك” والمخرج
للتطبيق الكثير من الأثار السلبية على سلوك المستخدمين وفقًا لما أكده عدد من المتخصصين النفسيين، وكان على رأسها المساهمة في الفتور والتفكك الأسري الناتج عن الخروج من قيم وتعاليم الأسرة إلى قيم العالم الافتراضى الذي عادة ما يرفض الانصياع إلى مناخ الأسرة بشكل عام، كما أنه ساهم في زيادة حدة التمرد على الأسس والثوابت الأسرية، ويربط الشباب والأطفال في سن مبكر بقيم مجتمعات أخرى وقافة مختلفة تماما ودخيلة على المجتمع.
وأكد المتخصصين النفسيين، أن “التيك توك” يزيد من العُزلة تحت تأثيره والابتعاد عن العالم الواقعي بافتعال مواقف مضحكة على التطبيق وكذلك التقليد دون وعي، كما يساهم التطبيق في زيادة معدل الفتور الزوجي ليصبح أطراف الأسرة مقيدين بحبال هواتفهم الذكية دون إعطاء العالم الواقعي قدر من الاهتمام، بالإضافة إلى الدخول في دوامة الفشل وكره الذات وهو ما قد يتطور إلى الانتحار كما حدث في البرازيل فحينما يشعر المراهق بعدم القدرة على تحقيق حلمه باجتذاب أكبر قدر من المتابعين يشعر بالفشل ويدخل في دوامة الأمراض النفسية المختلفة.
وتكمن أزمة “التيك توك” في صغر سن مستخدميه فهو خطر إلى حد كبير وفقًا لما أكده المختصين بالأطفال، خاصة أن هناك من لا يزيد أعمارهم عن العشر سنوات على هذا التطبيق ويقومون بالتقليد دون وعي لما يقدمونه وهو ما قد يؤثر سلبًا على تكوينهم والخطورة هنا عن قدرة الفيديو على تشكيل الوعي، فالأمر ليس مرتبط بصورة أو تعليق كما هو الأمر في باقي المنصات ولكنه مصور بالفيديو وهو ما يترك تأثير أعمق في هذا السن غير الواعى.
عدد من الحلول النفسية التي قد تمكن من تجاوز أزمة الانسحاق للتطبيق على رأسها شغل وقت الفراغ بما هو مفيد واقعيًا والتركيز على مهارات الفرد دون اصطناع وتطوير الذات بشكل دائم وملء المساحات التي تسببت في الاحتياج الى هذا الفضاء الإلكتروني والهروب من الواقعي فضلا عن ضرورة تدخل الأسرة كمعالج لتلك الأزمات والمساحات الفارغة لإعادة الشخص المفقود في المجتمع الإلكتروني وتحسين عالمه الواقعي.
صراع “فيسبوك” مع “تيك توك”
تطبيق الـ “تيك توك” أصبح يهدد المنصات الأخرى وهو الأمر الذي بات أقرب للحرب الرقمية للتخلص من انتشار هذا التطبيق الذي ساهم في تراجع تواجد المستخدمين على التطبيقات الأخرى وبدأ في سحب البساط من تحت أقدامهم.
وكعادته بدأ “الفيسبوك” في استغلال مواطن ضعف الـ “تيك توك”، فما أن قامت الهند بحظره لديهم إلا وقام الفيسبوك بطرح خدمة جديدة منافسة له وهي ” Instagram Reels” والتي يتم من خلالها عرض فيديو مدته 15 ثانية ودمجها مع مقاطع موسيقية وصوتية.
مارك زوكربرج، مؤسس “فيسبوك”، أكد أن الخدمة الجديدة تمكن لمتابعيها دمج الصوت مع الصورة وتصميم الفيديو، مؤكدا أن اطلاق الخدمة لأول مرة كان في مطلع نوفمبر 2019 في البرازيل وتلاها الهند ، لافتا الى أن الوصول للخدمة سيكون عن طريق صفحة “الانستجرام”، مؤكدًا أن هناك الكثير من أوجه التطوير ستتم في الفترة المقبلة لتلبية احتياجات المستخدمين قائلا: ” نحن متحمسون لتقديم هذه النسخة الجديدة إلى المزيد من مجتمعنا العالمي”. وهذه ليست المحاولة الأولى من الفيسبوك للتغلب على انتشار “تيك توك” فقد سبق وأطلق تطبيق “لاسو” الذي يمتاز ببعض المواصفات التي تتيح للمستخدمين من خلاله عمل فيديو أقرب للـ “تيك توك” ولكنه لم يستمر طويلًا.
القلق يجوب العالم من تأثير “تيك توك” على المستخدمين
يتعرض تطبيق “تيك توك”، في الآونة الأخيرة لهجوم كبير على ما يقدمه من محتوى من جهة وخصوصية بيانات المستخدم ووسائل الحماية والأمان من جهة أخرى.
ففي الهند، تقرر حذف التطبيق ضمن ما يقرب من 59 موقع صيني آخر وفقًا لما أعلنته “بلومبرج” وجاء السبب الذي ساقته الهند للمواطنين أنها تسعى لتوفير أكبر قدر من الأمان لمواطنيها وأن هذه التطبيقات تشكل خطرًا واقتضت الضرورة حظرها، فيما لا زالت إدارة الـ “تيك توك” تبحث عن حلول للأزمة داخل الهند متواصلة مع المسئولين مؤكدة على احترامها قواعد العمل في البلدان المختلفة التي تعمل بها.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أعلن وزير خارجيتها، مايك بومبيو، بأن دولته تدرس حظر مواقع التواصل الاجتماعي الصينية بما فيها “تيك توك”، قائلا: “على الناس تحميل التطبيق إذا كانوا يرغبون في وضع معلوماتهم الخاصة في يد الحزب الشيوعي الصيني”، وجاء رد المتحدث الرسمي للـ تيك توك” بأن “المدير التنفيذي للشركة أمريكي ولم تقدم أي بيانات للحكومة الصينية ولن يحدث ذلك مستقبلًا في حال طلبه”
يأتي هذا في الوقت الذي أطلقت فيه الحكومة الجزائرية من خلال وزارتي التربية الوطنية والبريد وتكنولوجيا الاعلام والاتصال من استخدام الـ “تيك توك”، مطالبة المشرفين في قطاع التربية بتهذير أولياء الأمور وتوعيتهم بخطورته على أبناءهم في هذا العمر ووصفته بـ “الخطر المحدق”.
وفي مصر تعرض الكثير من الفتيات للحبس نتيجة ما يقومون به على موقع “تيك توك”، وكان آخر الأحكام ما قضت به المحكمة الاقتصادية بحبس 5 فتيات لمدة عامين وغرامة 300 ألف جنيه، واسناد 9 تهم لهم منها ارتكاب جريمة الاتجار بالبشر ونشر فيديوهات تحرض على الفسق وتلقى تحويلات بنكية من إدارة التطبيق نظير ما حققوه من نسب مشاهدة.