“بيزنس مربح جدًا للآباء.. لكنّه يؤدي إلى عُزلة الأطفال وإصابتهم بالأرق، ومن ثم القضاء على حياتهم”.. خلصت الدراسة التي أجرتها كاميليا نور الدين، الباحثة في العلوم الاجتماعية، عما بات يُعرف بـ”بيزنس اليوتيوب”، بعد انتشار ظاهرة استغلال الآباء لأولادهم في تصوير مقاطع فيديو، وإذاعتها على موقع التواصل الاجتماعي، مقابل تحقيق مبالغ طائلة حسب نسب المشاهدات.

الطفل “عمرو”- اسم مستعار- كان ضحية والديه اللذان كرسا حياتهما، ليُصبح ابنهما نجمًا على موقع الفيديوهات الشهير “يوتيوب”.

تحقق للوالدين رغبتهما، لكن الطفل ذات الـ8 سنوات، أصيب بـ”السمنة”، وزنه بلّغ 130 كليو جرامًا، صحته باتت فى خطر.

“عمرو” ليس كأقرناه، يصحو يلهو مع أمه كل صباح وتدلله حتى يستفيق.

الطفل يبدأ يومه بإعداد وتقديم برنامجه الشهير على موقع الفيديوهات، والذي يحظى بنسب مشاهدات عالية، لاسيما من قبل الأطفال.

ذاع صيت “عمرو” لكنه مع ذلك، فقد جزءً من شخصيته كطفل “نفسي أجري وألعب كرة زي كل العيال”.

بالكاد حين يتحدث الطفل تسمع صوته، تجده دائمًا جالسًا أمام شاشة جهاز الكمبيوتر المحمول “لاب توب”، دائمًا أمامه أطباق من الأطعمة المختلفة، التي يقدمها في برنامجه، ويأكل منها.

أصيب مقدم البرامج الصغير بملل “عاوز أقدم حاجة للأطفال زي اللعب”.. قال الطفل لوالديه، وحين استجابا وقدم الصغير برنامجًا عن الألعاب الطفولية الشهيرة، كان هو الأول والأخير “عمرو مات بسبب السمنة، وارتفاع ضغط الدم، وقلة الحركة”.

26 مليون دولار مكسب “كاجي” في عام

راين كاجي، الطفل الأمريكي، البالغ من العمر 8 سنوات، ربح فى عام واحد نحو 26 مليون دولار، بعد 3 سنوات من تأسيس قناته على موقع اليوتيوب، ووصل متابعيها لـ30 مليون مشترك، ومشاهديها لـ40 مليارًا.

حسب مجلة فوربس الأمريكية فإن الطفل “كاجي” الذي أسس القناة بدافعٍ من والديه، يروج في فيديوهاته للعب الأطفال “الفيديو جيم”، ويشرح طريقة عملها، ويُقيم مدى جماليتها من عدمه.

طفلة أخرى تُدعى “إنستازيا”، عمرها 6 سنوات، مُصابة بـ”شلل دماغي”، ورُغم ذلك حصدت المركز الـ3 في قائمة مشاهير اليوتيوب، إذ جذبت 200 مليون متابع لها، وتجاوزت نسبّ مشاهداتها الـ70 مليارًا.

صاحبة السنوات الـ6 تشرح من خلال فيديوهاتها كيفية التعايش مع المحيطين مع المرض اللعين الذي أصابها، فدفع والديها إلى تأسيس القناة لابنتهما على موقع التواصل الاجتماعي.

قنوات الأطفال على النايل سات

“طيور الجنة، وفلافلي، وفكر مع حمزة”.. 3 قنوات تلفزيونية مصرية تُذاع عبر قمر النايل سات، وحصدت نجاحًا باهرًا.

فكرة القنوات الـ3 بدأت بتصوير الآباء لفيديوهات لأطفالهم الموهوبين في الغناء والرقص والضحك وحكي القصص المثيرة.

ناقوس خطر

بالعودة إلى الباحثة الاجتماعية “نور الدين”، دقت ناقوس الخطر حول ظاهرة “بزنس اليوتيوب”، وقللت منه “مقابل جني الأموال، تخسر الأسر أطفالهم”.

الباحثة المُقيمة بإحدى الدول العربية، بينت أن جلوس الأطفال أمام موقع الفيديوهات يؤدى إلى عزلهم تمامًا عن المجتمع “بيكونوا انطوائيين قوي.. ودا يؤثر على شخصيتهم”.

“نور الدين”، أوضحت أيضًا أن الذكور أكثر تأثرًا بالسلب من الإناث جراء الجلوس أمام “يوتيوب”.

ونصحت الأهالى بـ”عدم إقحام الأطفال في عالم اليوتيوب”، لأن الصغار عندما يكبرون في السنّ “يكرهوا الأهالي لمعرفتهم إنّهم كانوا مادةً لجني الأموال”.

ومضت في نصحيتها قائلة: “لازم نشجع الأطفال على اللعب وزيادة الحركة بدلاً من الكسل.. والجلوس أمام شاشة الكمبيوتر”.

 سخرة الأطفال

قانون حماية الطفل الصادر في العام 2014 نص على “يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 2000 جنيه، ولا تتجاوز 5 آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أهمل في رعاية طفل سواء داخل المنزل أو خارجه”.

ويعتبر باحثون في مجال حقوق الطفل- أن استغلال الأطفال من قبل الأهل لتصوير مقاطع فيديو وإذاعتها على “يوتيوب”، نوعًا جديدًا من السُخرة، إذ لا يشترط أبدًا أن تكون “الأخيرة” قاصرةً على تكسير الحجارة، أو حمل الأثقال.