“أبحث عن زوجة متعايشة بنت بنوت.. أنا مصاب بالإيدز وأود الاستقرار”، منشور استقبلته إحدى المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تجمع المصابين والمتعايشين مع مرض نقص المناعة المكتسب “الإيدز”، لتنهال عليه مئات التعليقات المستنكرة طلب صاحب المنشور عروسًا “بكر”، ومن بين التعليقات: “إزاي بنت بنوت وعندها إيدز دونت ميكس”، وتعليق آخر: “دي أحلام اليقظة يا إما إنت بتدور على واحدة عاملة عملية ترقيع”.
بالرغم من صدور العديد من الأبحاث والدراسات التي بدأت منذ عشرات السنين حول مرض نقص المناعة المكتسب، وكيفية انتقاله بالعديد من الطرق وليس الاتصال الجنسي فقط، ودعوات تقبل المرضى وعدم وصمهم، إلا أن المرأة في المنطقة العربية ما زالت تعاني الوصم عند الإصابة بهذا المرض، وتوضع في قائمة السيدات اللاتي أقمن علاقة غير شرعية تسببت في انتقاله إليها.
الرعاية الصحية
تقول منظمة الصحة العالمية، إن تدني مستوى الخدمة والرعاية الصحية، من أسباب انتشار المرض في منطقة دول شرق المتوسط وشمال إفريقيا ومنها مصر، فعلى الرغم من انخفاض معدلات الإصابة بالفيروس في مختلف مناطق العالم، ارتفعت الإصابة به في المنطقة بنسبة 32%.
شعرت الشابة البالغة من العمر 27 عامًا، بآلام حادة في المعدة، وذهبت لأقرب مستشفى من منطقتها السكنية، حتى دخلت قسم الاستقبال فأخبرت الطبيب الشاب الذي أقدم على الكشف عليها “أنا عندي إيدز”، ليبتعد قليلًا عنها، ثم يقرر عدم الكشف لأنه مرتبط بمريض آخر، وسيرسل لها طبيبًا جديدًا يتابع حالتها، لتظل لأكثر من ساعتين تعاني من الألم المستمر، حتى تم نقلها لغرفة معزولة في المستشفى.
مروة محمد، قالت إنها أصيبت بمرض نقص المناعة المكتسب منذ عامين، علمت بالأمر عند إجراء تحاليل دم طلبها أحد الأطباء منها، فعلمت بإصابتها صدفة، ليصبح الأمر بمثابة الصاعقة بالنسبة لها، فكيف ستتصرف في هذا الأمر؟، وهل ستخبر والدتها وشقيقتها بما تعانيه؟ أم هل تتركهما تصابان بالعدوى؟ أسئلة دارت في ذهنها دون إجابة، لينتهي بها الأمر لزيارة الطبيب الذي حاول التهدئة من روعها، وأخبرها أن هناك العديد من الحالات يمكن من خلالها انتقال المرض، كما أنه هناك أيضًا محاذير عند اتخاذها لن يصاب المحيطون بها بالفيروس.
إخفاء السر
بعد فترة كبيرة من الصراع الداخلي، أخبرت الفتاة أسرتها المكونة من الأم والشقيقة بعد وفاة الأب، واتفقتا على “كتمان السر”، وقالت: “كنا بنتفق إننا هنخبي عار وفضيحة بالرغم إنهم عارفين إني عمري ما عملت حاجة غلط، بس كانوا فاهمين ومتأكدين إن محدش هيفهمني ولا يصدقني فقررنا نخبي الأمر، وهما ياخدوا احتياطاتهم كويس علشان العدوى”.
في 2019 ارتفعت نسبة السيدات المتعايشات مع فيروس نقص المناعة المكتسب في مصر إلى 13.3%، وفقا لوزارة الصحة والسكان، من بينهن حوامل تعرَّضن لمواقف قاسية عندما رفضت مستشفيات إجراء عمليات الولادة لهن بعد علمهن بطبيعة مرضهن، وحالات أخرى رفض الأطباء الكشف عليهن خوفًا من انتقال العدوى.
ظلت “مروة” في انتظار طبيب يحدد سبب آلامها المستمرة، حتى أتى لها طبيب آخر شاب، مرتديًا قناعًا واقيًا وقفازًا، حاول الكشف عليها في عجالة، وكتب لها مسكنًا، وطلب منها مغادرة المستشفى لأنها تعاني من آلام بالقولون، وبالفعل غادرت المستشفى: “وأنا نازلة على السلم كنت حاسة إن بقيت حديث الساعة كل المستشفى بتتكلم عنى وبيبصوا لي كأني واحدة جربانة مثلا، قد إيه الإحساس ده مهين وبيوجع وانت مريض بحاجة أنت ملكش ذنب فيها”.
الوصم والتمييز
مدير برنامج الإيدز بهيئة اليونسيف بمصر ماجد رجائي، قال إن الوصم والتمييز كانا سببًا في امتناع 50% من المرضى عن الذهاب إلى المستشفيات والمراكز الطبية للحصول على العلاج، مشيرًا إلى أنه تم تدريب ما يقرب من 450 شخصًا بوزارة الصحة حول كيفية التعامل مع الحالات المصابة، وأيضًا الدعم النفسي للمرضى من خلال المتخصصين، حتى يختفي مصطلح الوصم الملازم لمرضى “الإيدز”.
الدكتور أحمد خميس، مدير برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز في مصر، قال إن عدد المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة في البلاد سجل 16 ألفًا العام الماضي، مضيفًا أن أغلب السيدات من حاملات الفيروس انتقل لهن خلال علاقتهن الزوجية مع أزواجهن من حاملي الفيروس، مشيرًا إلى أنهم يتواصلون مع شيوخ وقساوسة بهدف محاربة التمييز ضد حاملي المرض.
وأضاف مدير برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز، أن الفيروس قد ينتقل للجسم عبر 4 طرق رئيسية، منها الانتقال من الأم المصابة بالفيروس إلى الجنين أو الطفل خلال الحمل، وأثناء الولادة، أو عن طريق الرضاعة الطبيعية، أو عبر الاتصال الجنسي غير المحمي مع شخص مصاب بالفيروس، أو عبر المشاركة في استعمال الحقن الطبيعية مع شخص مصاب، وفى أغلب الأحيان تكون في حالات الإدمان، وليس الحقن الطبية، أو عبر نقل دم ملوث بالفيروس المسبب لنقص المناعة، وتكون عادة في بعض الأماكن خارج بنوك الدم.
الوصول لمصابات الفيروس أمر ليس سهلًا، لأنهن لا يعلن عن أنفسهن، وهو ما حدث مع منار أحمد، البالغة من العمر 48 عامًا، والتي علمت بإصابتها منذ 10 سنوات، لا ترغب في ذكر أسباب الإصابة لأحد: “سؤال جالك إيدز إزاي بشوفه وقح أوووي، ومش برد عليه، أنا قررت أعيش لوحدي وأتعايش مع مرضي، وجالي عرسان كتير مصابين بس أنا مرضتش لأني عارفة إن احنا في مجتمع ذكوري ولو سمح لنفسه إنه يعمل حاجة غلط مش هيسمح بيها للست وهيحاسبني على حاجة يمكن معملتهاش فليه وجع الدماغ، أنا كده مرتاحة أكتر”.
الاستقلال بصحبة المرض
قررت “منار”، ترك منزل الأسرة والاستقلال ماديًا وعائليًا بعد علمها بإصابتها بالفيروس، لكنها لم تخبر أحدًا من أسرتها بالإصابة: “مش هقول لحد علشان محسش إني منبوذة، يعني أهلي لو سلموا عليا ولا حضنوني مش هيحصلهم حاجة فليه أرعبهم برعب وأخوفهم ملهمش لازمة، أنا دوايري دلوقتي اللي بعلن فيها إصابتي هي دواير المصابين بس علشان بنكون حاسين ببعض”.
تابعت “منار”، أن ما يتم من جهود حكومية أو دولية لمرضى الإيدز لا يصل لهم، لأن هناك حالة من الخوف وعدم الإعلان عن الإصابة، بسبب اتهامات فقد العذرية أو اتهامات الشرف التي تواجهها السيدة، فتقرر عدم البوح بمرضها: “معظم الستات المصابين اللي أعرفهم اتعرضوا لمواقف كتيرة مؤلمة واتهامات إنهم مش شرفاء حتى لو في منهم اللي غلطت وقررت متعملش حاجة غلط تاني بس الوصم ملاحقها، مع إن المرض بتاع ربنا اللي بيرحم لكن الناس مبترحمش”.
جسدت هند صبري في فيلم “أسماء”، شخصية سيدة تعاني من مرض نقص المناعة المكتسب وترغب في إجراء عملية إزالة الزائدة الدودية، فتقرر عدم الاستسلام للمرض وتخوض حرب عنيفة ضده سواء بالسعي لعلاج نفسها أو بث الأمل في قلوب كل المصابين بهذا المرض اللعين، وترفض الإجابة عن سؤال كيف أصيبت بالمرض؟، وتقابل شخصًا يود الارتباط بها عقب وفاة زوجها، ويسألها أيضًا عن سبب الإصابة فتقرر عدم الارتباط به ليتضح في نهاية الفيلم أنها أصيبت بالفيروس من زوجها، وتتمكن في النهاية من إجراء عملية إزالة الزائدة الدودية، لنصطدم في نهاية الفيلم بمنشور يوضح أن قصته حقيقية وحدثت في الواقع، لكن بطلته الأصلية توفيت بالزائدة الدودية لعدم موافقة أي طبيب أو مستشفى على إجرائها بسبب إصابتها بالفيروس.