تختلق إيران، خلافات متكررة مع الولايات المتحدة وحلفائها، بهدف إفشال خطط واشنطن الرامية إلى بناء تحالف دولي لحماية الملاحة في الخليج ومضيق هرمز من هجمات طهران المتكررة، وذلك بعد نجاح الثورة الإيرانية ضد نظام الشاه، وقيام نظام الملالي الذي اعتمد المزيد من الخطط الاستراتيجية للعلاقات الدولية والإقليمية.

وعلمًا بأن العقوبات الأمريكية على إيران ليست جديدة، فهذه العقوبات هي السمة التي ميزت العلاقات الأمريكية – الإيرانية منذ الثورة الإيرانية، وتركز على العقوبات الحالية، والآثار المتوقعة لها في السلوك السياسي الإيراني في المنطقة.

روسيا وبناء استراتيجية إيرانية جديدة

تسعى إيران إلى تمديد صفقة مدتها 20 عامًا مع روسيا، في نفس الوقت الذي تفاوضت فيه الجمهورية الإيرانية على اتفاقية ربع قرن مع الصين، مما يشير إلى دفعة جديدة لإنشاء تحالف دولي، ضد الضغط الاقتصادي والسياسي الأمريكي. .

وبحسب تقرير لمجلة نيوزويك الأمريكية، زار ، وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، خلال الفترة الماضية موسكو، لإجراء محادثات سعى خلالها لتجديد اتفاق التعاون بين البلدين الذي استمر عقدين.

ولم يتم الإعلان عن محتويات الاتفاقية، لكنها تتبع صفقة تاريخية تتضمن مبيعات النفط والأسلحة، بالإضافة إلى التعاون النووي الموقع في 12 مارس 2001 من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي.

الصين

ويأتي الاتفاق الروسي ، الذي قال ظريف “إن الجانبين اتفقا على إبرامه”، بعد حوالي أسبوع من تسرب وسائل الإعلام المختلفة لوثيقة من 18 صفحة يزعم أنها مسودة اتفاق شامل مع الصين.

وتضمنت هذه الصفقة ، التي قال مسؤولون إيرانيون إنّها لم تنته بعد، حوالي 400 مليار دولار من الاستثمارات الصينية في قطاع الطاقة والبنية التحتية الإيرانية.

العراق

في الوقت ذاته، كان قد بحث الرئيس الإيراني حسن روحاني، مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في أول زيارة رسمية له في طهران، رفع حجم التجارة بين طهران وبغداد، في وقت تعاني به طهران تداعيات العقوبات الأميركية وأزمة فيروس كورونا.

وقال الرئيس الإيراني في مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء العراقي في العاصمة طهران: “بحثنا رفع حجم التجارة بين طهران وبغداد إلى 20 مليار دولار”.

سر توطيد العلاقات مع دول الجوار

ويبدو أن مصالح طهران، وموسكو، وبكين، وبغداد تتلاقى بطريقة يقول الخبراء إنها يمكن أن تثبت تحديًا لمحاولات الولايات المتحدة الحفاظ على هيمنتها على النظام الدولي.

ويقول جاي بورتون، الأستاذ المساعد في كلية فيزاليوس الرسمية في بروكسل، لمجلة نيوزويك: “تجد البلدان الثلاثة نفسها متقاربة لأسباب استراتيجية وعملية على حد سواء”، موضحًا أنه من الناحية الاستراتجية تتعاون هذه الدول في كُره الولايات المتحدة، كما أن مصالحهم مشتركة من الناحية العملية.

وتشير المجلة الأمريكية، إلى أن إدارة الرئيس الإيراني حسن روحاني، تبنت في البداية علاقات أوثق مع الشرق والغرب، حيث ساعد في صياغة اتفاق نووي غير مسبوق وقعته: الصين، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة في عام 2015، أعاقت رغبة أوروبا في التجارة مع الشرق الأوسط.

ويشير حميد رضا عزيزي، الزميل الزائر في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إلى أن الاستراتيجية الأمريكية أجبرت طهران على الدخول في اتفاقيات حاسمة مع موسكو وبكين.

ووصف الصفقات الأخيرة بأنها “شيء لم يسبق له مثيل على الإطلاق في تاريخ إيران، كنظام سياسي قائم من بين أمور أخرى على فكرة رفض التحالفات مع القوى العظمى”.

ويضيف: يحدث هذا في نفس الوقت الذي تتزايد فيه الخلافات والصراعات السياسية بين روسيا، والصين من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى ؛ لذا يبدو أن إيران ترى أيضًا وضعًا مناسبًا على المستوى الدولي للمضي قدمًا في هذا الأمر.

ويرى “عزيزي” في تصريحات صحفية، قامت روسيا والصين في السنوات الأخيرة شراكة استراتيجية مع ايران تعتبر ضيقة بشكل متزايد تشمل الطاقة، والاقتصاد، والدفاع.

وهذه العلاقة لديها القدرة على إعادة تشكيل ميزان القوى الدولي وأثارت مخاوف عميقة لواشنطن، التي فرضت عقوبات على البلدين بدرجات متفاوتة في محاولة لاحتواء منافسيها الاستراتيجيين.

ومثل إيران، ردت روسيا والصين بتحدي، ومضت موسكو وبكين قدما في مشاريع طموحة في الخارج، بما في ذلك وجود جريء في الشرق الأوسط.

وفقاً لصحيفة آراب يوز البريطاية، في أواخر العام الماضي، انضمت إيران إلى روسيا والصين في سلسلة غير مسبوقة من التدريبات البحرية في المحيط الهندي على الرغم من التوترات الشديدة في الخليج العربي.

العلاقات الدبلوماسية

وذكرت الصحيفة في تقريرها، أن روسيا والصين القوى العلمانية التي تشاركها طموحات إيران الثورية في الشرق الأوسط، كانت حريصة على عدم إرهاق العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع خصوم إيران الاقليميين.

كما يؤكد المسؤولون الإيرانيون على أن التعاملات الدولية لبلدهم تتعلق أكثر بتطوير مصالحها الخاصة أكثر من إلحاق الأذى بأي خصوم.

ويشير المتحدث باسم بعثة الأمم المتحدة لدى الأمم المتحدة، علي رضا ميريوسيفي، في تصريحات صحيفة وفق آراب نيوز إن “إيران تتبع سياسة خارجية تتماشى مع مصالحها الوطنية”.

ولفت إلى أنه بعد 6 أشهر من مقتل القيادي العسكري خاتم سليماني، تم اختبار آلة الحرب الإيرانية وما زالت قائمة ومستعدة للقتال.

ويضيف “أن الصين وروسيا اثبتتا أنهما شريكتين قيمتين، بما في ذلك في المجال الاقتصادي، وستكون أي اتفاقية تعاون مع أي من البلدين شفافة، ومفيدة للطرفين وكذلك للمنطقة الأكبر”.

العلاقات الأمريكية- الإيرانية

في حين أن صفقات طهران تأتي في وقت صعب لإيران، فإنها تتزامن أيضًا مع فترة صعبة بالنسبة لواشنطن.

كما اتبعت الولايات المتحدة، التي تكافح ضد الفيروس التاجي والركود الناجم عنها أثناء إدارة الاضطرابات، سياسة خارجية متشددة وأحادية الجانب أوجدت ظروفًا لدول، مثل: إيران، وروسيا، والصين لإيجاد أرضية مشتركة.

أحضان بعضهما لبعض

فيما، أشار مايكل كوجلمان، نائب مدير برنامج آسيا وكبير زملاء جنوب آسيا في مركز ويلسون، “نجحت سياسة الولايات المتحدة في عهد الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب، بشكل رئيسيّ في الشرق الأوسط، ولكن أيضًا فيما بعد دفع خصوم الولايات المتحدة إلى أحضان بعضهم البعض”.

ويرى “كوجلمان”، أنه من المفترض أن ننظر إلى هذه الصفقات الناشئة على أنها رد ودفع مقابل الولايات المتحدة، ولكن أيضًا عندما يشعر المنافسون الأمريكيون بفرصة – مع غياب أمريكا المتزايد وعدم شعبيتها في جميع أنحاء العالم – لتعزيز قوتهم في لحظة يكون فيها النظام العالمي في حالة تغير مستمر.

انتقادات روحاني والبرلمان الإيراني

ومن خلال الشأن الداخلي كان للصفقات اللإرانية مع دول الجوار هدفًا آخر، وهو إعادة هيمنة الرئيس الإيراني حسن روحاني على السلطة الإيرانية، بعد خسارة الإصلاحيين لمقاعدهم في البرلمان الإيراني، وأصبح يهمين على البرلمان المتشددين.

ووسط تصاعد الاستياء من السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة الإيرانية، ذكرت وسائل إعلام محلية أن نوابًا متشددون بالبرلمان الإيراني الاعتزام في استدعاء الرئيس حسن روحاني، لاستجوابه في خطوة قد تؤدي في نهاية الأمر إلى عزله.

ووفقاً لقناة العربية الإخبارية، فقد أصبحت المعاناة اليومية للإيرانيين لتغطية نفقاتهم أكثر صعوبة منذ أن أعادت الولايات المتحدة فرض عقوباتها على إيران عام 2018، وتضرر الاقتصاد بشكل أكبر مع ارتفاع معدلات التضخم والبطالة والانخفاض الحاد الذي يشهده الريال الإيراني إلى جانب أزمة تفشي فيروس كورونا.

مما جعل روحاني ينظرإلي إعادة سيطرته في البلاد، وإبرام المزيد من الصفقات الهامة مع روسيا والصين، لتقوية الشأن الإيراني في الخارج مجددًا.