في الوقت الذي يعمل فيه العالم على تحرير المرأة من القيود والعقوبات الصارمة التي تضعها المجتمعات ذات الثقافات المنغلقة، والذي تسعى فيه المنظمات الحقوقية النسوية لفرض سياسة المساواة بين الجنسين وتمكين العنصر النسوي وتقلده لكافة المناصب القيادة والمهنية، تسير السلطات الإيرانية المتعاقبة منذ نجاح الثورة الإسلامية عام 1979 في تجاه مضاد بلغ أدنى مستوى له بتزويج الفتيات ذوات الـ13 عامًا، فيما عُرف بجواز القاصرات الإيرانيات.

تفتقر الطفلة المتزوجة إلى أدنى المعلومات عن العلاقة الجنسية وممارستها بشكل آمن

سِن الزواج

تعتبر منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، الزواج تحت سن الـ 18 عامًا، انتهاكًا لحقوق الإنسان، وتُطلق عليه “جريمة زواج القاصرات”.

الفتيات اللاتي تتزوجن دون السن القانوني يتعرضن للعديد من التحديات والتهديدات من مشاكل خاصة بالصحة الجسدية، وتعتبرن ضحايا  الزواج المُبكر، إذ تصبح تلك الفتيات غير قادرات على الدفاع عن أنفسهن ضد العنف الأسري، بحسب منظمة الصحة العالمية.

وتفتقر الطفلة المتزوجة إلى أدنى المعلومات عن العلاقة الجنسية، وممارستها بشكل آمن، فتصبح أكثر عُرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة “الإيدز”، بالإضافة إلى مشاكل صحية في فترة الحمل، ربما تقضي على حياتها.

لإيران رأي آخر

يرفض المجتمع والقانون الإيراني، الاعتداد بالقوانين العالمية، وببيانات منظمة الصحة العالمية، إذ وضع النظام الملالي قواعده وقوانينه الخاصة التي تسمح بزواج الفتاة في سن الـ 13عامًا، والذكر 15 عامًا، بموافقة أولياء الأمور وموافقة المحكمة، وفقًا للمادة 1041 بالقانون المدني الإيراني.

المحامي الحقوقي حسين نوري، يقول إنه على الرغم من أن القانون المدني الإيراني وضع سن معين للزواج، إلا أن به ثغرات تسمح بزواج الفتاة في الـ9، إذ يمكن للأب أن يذهب للقاضي ويخبره أن ابنته تصلح للزواج، وأن إتمام تلك الزيجة تصب في صالحها، فتُجيز المحكمة الزواج لهذه الفتاة.

أما أحد موظفي مصلحة توثيق العقود الإيرانية، فكشف أنه عندما رفض تسجيل عقد قران لفتاة بالغة من العمر 11 عامًا، لمخالفة لقانون، جاء والدها إلى المحكمة وحصل على موافقة قضائية، وقررت وقف ذلك الموظف عن العمل لمدة أسبوع بتهمة تعطيل سير العمل.

أكثر من 15 ألف أرملة في طهران، بسبب الزواج دون السن

إحصاءات رسميّة

المنظمة الخيرية “بهزيستي”، أعلنت أن نسبة الزيجات بين الأطفال في إيران تصل إلى أكثر من 42% في آخر عامين، أما نسبة الطلاق فبلغت لمن هن دون الـ18عامًا إلى أكثر من 14%.

وأصدرت منظمة الإحصاء الإيرانية، بيانات تؤكد على وجود 242 ألف حالة لزواج للفتيات تحت سن 15عامًا، 194 حالة كانت للفتيات دون سن الـ10 عامًا.

فيما أوضحت عضو مجلس طهران “شهربانو”، في يوم المرأة العالمي، أن هناك أكثر من 15 ألف أرملة في طهران، تروجن دون سن الـ15عامًا .

بينما أكدت عضو مجلس الشوري الإيراني، بروانه سلحشوري، أن أكثر من 6 بالمئة من الفتيات يتزوجن بين أعمار 10 و 14 عامًا.

وقال النائب القانوني للسلطة القضائية، المستشار علي كاظمي، إن أكثر من 600 ألف فتاة تتزوج في إيران كل عام، وأن هذا البيان لا يشمل الزيجات غير رسمية.

الوجه الخفي للنظام الملالي، يتجلى في تزويج الأطفال في سنّ مبكرة

زواج متعة

الجانب الآخر الذي يشمل قضايا انتهاك المرأة الإيرانية يتعلق بزواج المُتعة، إذ تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في إيران، مقطع فيديو مصور لزواج طفلة تبلغ من العمر 11 عامًا، على رجلًا يبلغ عمرة 28 عامًا، وظهر به صوت المأذون يسأل الطفلة عن موافقتها لعقد القران المؤقت، بحضور العائلتين.

ما تسبب في شن العديد من النشطاء حملات ضد أهل الفتاة ووصفهم بـ”الوحشية”، وبـ”الجريمة المدبرة في حق الفتاة”، واتهمهم البعض بـ”تسليع بناتهن وبيعها”، ما أجبر السلطات الإيرانية مدفوعة بهذه الضغوط بإبطال الزيجة، واستدعاء الطفلة وأهلها والشاب الزوج، الذي اعترف أنه اتفق مع والد الطفلة على زواج منها لـ4 سنوات فقط بغرض المتعة.

https://www.youtube.com/watch?v=9NDrECm4YDQ

إعدام طفلة

في عام 2012 اتهمت السلطات الإيرانية، الفتاه “زينب سكاوند” والتي لم تبلغ حينها 18 عامًا، بقتل زوجها، الذي تزوجته وهي دون سن الـ15عامًا، وحكم عليها بالإعدام ونفذ الحكم بعدما بلغت الـ24عامًا.

منظمة العفو الدولية، تؤكد أن “زينب” لم تنل محاكمة عادلة، وشككت في نزاهة التحقيقات وفي القضاء الإيراني، مشيرة إلى أن الفتاة عندما ألقي القبض عليها كانت لا تزال قاصر، ودعت السلطات القضائية للنظر في ملف القضية، وتجريم إعدام القُصَّر، إلا أن حكومة طهران رفضت تلك المطالب واعدمت الفتاة عام 2016.

توثيق الحالات

الناشطة الحقوقية ذات الأصل الإيراني “إيناس أني”، اعترفت خلال الاحتفالية التي أقيمت على هامش “يوم المرأة العالمي” بواشنطن، بزوجها في السن الـ9، لتعيش سنوات طفولتها في علاقة زوجية، تتلخص في القهر والتعذيب، وأن تفكيريها لم يستوعب وضعها الاجتماعي لحداثة سنها.

وأضافت لم يكن لدي أي خيار سوى الزج بي في السجن إذا خالفت زوجي، أو عبرت عن رفضي لوضعي الاجتماعي، حتي لقيت مساعدة من جدتي، للهروب إلى الولايات المتحدة الأمريكية لأصبح ناشطة حقوقية للدفاع عن حقوق المرأة في إيران.

الصحفية التركية “رابيا كازان” صاحبة كتاب “ملائكة من إيران” قالت في كتابها، إن الوجه الخفي للنظام الملالي، يتجلى في تزويج الأطفال في سنّ مبكرة، وهو ما كشفت عنه في أوراقها التي جمعت فيها مأساة 200 طفلة تزوجت دون سن الـ18 عامًا في بلاد فارس، فتحولت حياتهن على جحيم.

النساء في إيران هن أبرز ضحايا النظام الملالي الذي يعمل على إنهاء حياة القاصرات

موقف المجتمع المدني

الناشطة بمجال حقوق الطفل في إيران “فرح زيدآبادي”، تروي أن أغلب تلك الزيجات تتم عن طريق رجال الدين في القرى، وهم من يحثون الآباء دائمًا على تزويج بناتهن، بداعي حماية شرفهن.

وهو ما اتفقت فيه الناشطة الحقوقية الإيرانية “أدال نازريان” التي قالت إن النساء في إيران، هنّ أبرز ضحايا النظام الملالي الذي يعمل على إنهاء حياة القاصرات عبر القوانين التي تشجع على الزواج في سن مبكر.

محاولة إصلاح

في عام 2018 طرح عدد من البرلمانيين، مشروعًا لرفع سن زواج الفتيات من 13 إلى 16عامًا، إلا أن اللجنة القضائية في البرلمان رفضت المشروع حتى قبل طرحه في الجلسة العامة، لكونه مخالفًا لأحكام الشريعة الإسلامية.

ولهذا توقعت الباحثة الإيرانية “شهلا عزازي”، زيادة عدد زيجات القاصرات إلى  10 آلاف زيجة كل عام، وحذرت المجتمع الإيراني، من زيادة نسبب الطلاق في الأعوام المقبلة بالتبعية.