وافق مجلس النواب، بشكل نهائي، على مشروع تعديل بعض أحكام قانون قطاع الأعمال رقم 203 لسنة 1991، وتركزت المواد المُعدلة حول تشكيل مجالس إدارات شركات قطاع الأعمال ونسب التمثيل داخلها، ومن لهم الحق في وضع اللوائح الداخلية لتلك الشركات، وطُرق عزل مجالس الإدارات والمنوط بعزلها، إضافة لمواد متعلقة بتصفية الشركات الخاسرة.

وشهد القانون، منذ إحالته إلى مجلس النواب، حالة واسعة من الجدل داخل اللجان المختلفة بالمجلس، والجلسات العامة، كما أثار غضب قيادات النقابات العامة والمستقلة، والتي رأت أن التعديلات تقضي على الدور النقابي نهائيًا، بتقليص عدد العمال المنتخبين داخل مجالس إدارات الشركات، وحرمانهم من وضع اللوائح الخاصة بهم، كما رأوا أن التعديلات تفتح الباب أمام تصفية الشركات وخصخصتها.

شبهة عدم الدستورية

أبدى مجلس الدولة، مطلع الشهر الحالي، عدد من الملاحظات على التعديلات، أرسلها إلى البرلمان، بعدما أحال الأخير مشروع التعديل إلى قسم الفتوى بمجلس  الدولة لمراجعة المواد المعدلة.

وذكر قسم الفتوى في ملاحظاته، أن المادة 19 تضمنت العديد من الأحكام التي تمس مصالح العمال، ولما كانت المادة 17 من قانون المنظمات النقابية العمالية وحماية حق التنظيم النقابي رقم 213 لسنة 2017، تُوجب أخذ رأي اتحاد نقابات العمال في مشروعات القوانين التي تمس حقوق ومصالح العمال وتنظيم شؤون العمل أو تعديلها، وهو ما خلت منه أوراق مشروع التعديل، فإن قسم الفتوى يضع هذا تحت بصر مجلس النواب الموقر لتداركه.

وأضاف قسم الفتوى، أن البند “ج” من الفقرة الثالثة من المادة 12 في التعديل، جعل اختيار ممثل العاملين في مجلس إدارة الشركة التابعة بيد اللجنة النقابية، بحسب الأصل فإن لم يوجد لجنة نقابية بالشركة، جرى انتخابه طبقًا لأحكام القانون رقم 18 لستة 2018، وهو ما يعترية شبهة عدم الدستورية، لمخالفته المادة 76 من الدستور، لما ينطوي عليه من إجبار العامل على الانضمام للجنة النقابية، إذا أن صياغة هذا البند  لا تمكن العامل من اختيار ممثله في مجلس الإدارة  إلا إذا كان عضوًا باللجنة النقابية بالشركة، وهو ما يعصف بمبدأ الحرية النقابية وحرية إبداء الرأي.

وأكد قسم الفتوى بمجلس الدولة، أن المادة 42 من المشروع والتي تنص على أن اللوائح المتعلقة بنظام العاملين بالشركة يضعها مجلس الإدارة بعد أخذ رأي النقابة العامة، مخالفة لنص المادة 198 من الدستور، لمَ ينطوي على هذه اللوائح من أهمية في تنظيم شؤون العاملين وعلى الأخص نظام الأجور والعلاوات والبدلات والإجازات طبقًا للتنظيم الخاص لكل شركة، ما يستوجب مشاركة اللجان النقابية في وضع تلك اللوائح.

غضب نقابي

أحالت اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، منتصف الشهر الحالي، القانون إلى جلسة عامة للمناقشة والإقرار، دون مراعاة الملاحظات التي أبداها العمال ولا قسم الفتوى بمجلس الدولة، فأرسل عدد من القيادات النقابية، بالنقابات العامة، مذكرة إلى رئيس مجلس النواب علي عبد التواب، أكدوا فيها رفضهم للتعديل، واصفينه بالمخالف للدستور والاتفاقيات الدولية الموقعة عليها مصر.

كان من بين القيادات التي وقعت على المذكرة، جبالي المراغي، رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، والأمين العام للاتحاد، وعضو لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، محمد وهب الله، ورؤساء النقابات العامة، للغزل والنسيج، والبناء والأخشاب، والكيماويات، والصناعات الهندسية، والبنوك والتأمينات.

وطالبت القيادات العمالية في المذكرة، بفتح حوار مجتمعي حول القانون، يشارك فيه المعنيين بالأمر، مؤكدين أنهم أرسلوا رؤيتهم وملاحظاتهم بغية مناقشتها، إلى اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب في شهر أبريل الماضي، دون جدوى أو أي احترام لرأي ممثلي العمال، معلنيين رفضهم للتعديل والذي يمثل خطوة بالغة الخطورة سوف تنتقص من حقوق العاملين وتؤثر على مستقبل الشركات.

وأضافت المذكرة، أن التعديل الجديد يحرم العاملين من الاشتراك في وضع اللوائح الخاصه بهم، حيث نص مشروع تعديل القانون على استبدال عيارة ” توضع اللوائح بالاشتراك مع النقابة العامة المعنية” بعبارة “توضع اللوائح مع أخذ رأي النقابة العامة المعنية” ما يعطي الإدارة الحق في الإنفراد بوضع اللائحة، بالمخالفة للدستور والاتفاقات الدولية، وهو ما من شأنه إحداث أزمة كبيرة بين صفوف العاملين، إضافة لتقليص أعضاء النقابة المنتخبين، بالشكل الذي لا يسمح بتمثيل العمال في مجالس الإدارات إلا بعضو أو اثنين على الأكثر في كل شركة.

يفتح باب التصفية

النقابي بشركة طنطا للكتان، جمال عثمان، يقول إن التعديل قضى على كل أمل وأية مقاومة عمالية لبيع أو تصفية الشركات وخاصة المادة المتعلقة بالتصفية، التي أعطت الحق للجمعية العمومية وهي جمعيات تدار من خلال وزير قطاع الأعمال في اتخاذ قرارات التصفية، إضافة لتخفيض عدد الممثلين عن العمال وكذلك منع وجود رئيس اللجنة النقابية بصوت معدود.

ويضيف عثمان، أن وزير قطاع الأعمال  تحدى الجميع وقال سيصدر القانون خلال أسبوع، دون الالتفات حتى إلى  ملاحظات مجلس الدولة وقال إنها توصيات يمكن أن يأخذ بها أو لا يؤخذ.

ويرى النقابي العمالي، أن القانون فى مجمله فُصل تفصيلًا ولكن ليس تفصيل جيد مما يتيح الطعن عليه أمام المحكمة الدستورية العليا، مشيرًا أن الاتجاه واضح داخل القانون لتصفية الشركات، وأن الدولة بهذا القانون تتخلى عن مسؤوليتها تجاه القطاع والعمال وتفتح الطريق على مصراعيه للخصخصة.

الحفاظ على المال العام

وتنص المادة 38 من القانون، على أن الشركات التى سوف تصل خسائرها إلى كامل رأس المال يُوجب القانون جمعياتها العمومية برفع رأس المال، وفى حالة عدم رفع رأس المال يتم تصفية الشركات، وهو ما يعني بحسب النائب البرلماني هيثم الحريري الذي امتنع عن التصويت، اعتراضًا على التعديل، أن شركات كثيرة ستكون عرضة للتصفية، مشيرًا أن  50 شركة حاليًا تصل خسائرها لكامل رأس المال بسبب أن رؤوس أموال تلك الشركات ضعيفة جدًا بالمقارنة بأصولها، وكذلك أن تلك الشركات لم يتم تطويرها أو ضخ أي استثمارات بها منذ ما يزيد عن الـ 40 عامًا، وأن بعضها يعمل بماكينات من ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضى، تلك الشركات التى تمثل جزءًا من تاريخ مصر وهي عصب الصناعة والإنتاج، مطالبًا بزيادة فترة توفيق الأوضاع لتلك الشركات إلى  5 سنوات بدلًا من 3 سنوات.

وأضاف الحريري، في خطاب أرسله لرئيس مجلس النواب يوضح فيه سبب امتناعه عن التصويت، أن المادة 39 والتي تنص على تحويل الشركات من قانون 203 إلى قانون 159 بمجرد وصول نسبه المساهمين لـ 25% تساعد على الخصخصة وإنهاء الشركات المملوكة للدولة، والتي ظهر دورها جليًا فى كل الحروب وأزمات مصر، والتي من بينها أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد، لأن تلك الشركات هي التي تمد الدولة بكل احتياجاتها من وسائل الوقاية، مطالبًا بعودة النسبة مرة أخرى إلى 50% للحفاظ على ممتلكات الدولة والمال العام.