العار”، كلمة طالما ارتبطت بأمر معيب، يخجل صاحبه من الإفصاح عنه، وفي حال كشف أمره، تظل الكلمة وصمة تطارده أينما حل، ليصبح منبوذًا في المجتمع الذي يعيش فيه حيث ترمقه نظرات التحقير والمهانة ويأبي الجميع الاقتراب منه

وبكل ما تحمل تلك الكلمة من معانى مشينة، لكنها تستخدم في الصعيد لقبًا يطلق على الفتيات، ولكن الغريب في الأمر أنها يستخدم مع الفتيات من باب التزكية أو التكريم أو الاهتمام، الأمر الذى يبدو غريبًا بعض الشيء.

ارتباط لقب “العار” بـ”فتيات الصعيد

يعد لقب “العار” أحد أكثر الموروثات الثقافية التي تلازم الفتيات في الصعيد منذ نعومة اظافرهم، ورغم أن الصعيد طالما جاهد للتخلص من موروثاته الرجعية، إلا أن كل ما يرتبط بالفتاة لايزال مرتكزا فى ثنايا تلك الشريحة.

فالفتاة فى الصعيد، عار أخيها وأبيها وعائلتها، وعندما تستمع فتاة الصعيد إلى عبارة “إنت عاري” لا تتوقع  إهانة، ولكنها تستمع إلى عبارات المدح والتجميل بعدها.

ولقب “العار” هو الوسيلة التي يتم من خلالها رسم القيود حول الفتيات في الصعيد، والتدخل في شئونهن، وفرض مبادئ السيطرة والتحكم حولهن، لتظل الفتاة خاضعة لمن حولها من ذكور، كونها “عار” يحافظون عليه من التلوث أو ارتكاب الموبقات.

اللي ما يجيبوش المحنة يجيبه العار”

خلف العبارة السابقة تتوارى العديد من الحكايات والقصص التي استخدمت فيها أسوء كلمة باللغة العربية لتقترن بالفتيات، فهي القاعدة التي يتم الارتكان عليها لتبرير التصاق لقب العار بالفتاة الصعيدية، وقاعدة ” اللي ما يجيبوش المحنة يجيبه العار” تستخدم في العديد من المواقف على رأسها التدخل لإحكام السيطرة على الفتاة باعتبارها خاطئة محتملة، أو مصدرًا يمكن للعار التسلل من خلاله لرجال تلك الشريحة، ليصبح العار تصنيفًا وليس وصفًا في حياة فتاة الصعيد.

وتروى “هند محمد”، إحدى فتيات الصعيد، والتي تعيش في قرية تقع بمحافظة قنا، أن الفتاة في الصعيد تنشأ وتتربى على أنها “عار” في كل تصرفاتها، فهي العار منذ أن خلقت فتاة وليس ولدًا، وهي عار عندما تصدر ضحكة بصوتٍ عالٍ، وعار إذا تأخرت في الخارج، وعار إذا طالبت باستكمال دراستها دون رقابة، وعار إذا تأخرت في الزواج وعار إذا رفضت تنفيذ أمرًا، هي عار أينما حلت أو توجهت.

تابعت “هند”، عندما تتحدث أمي مع أخي تخبره إنني “عاره” الذي يجب أن يحميه، ويرعاه، وتلك الكلمة تؤلمني كثيرًا، وأشعر معها بالإهانة، وكثيرًا ما تساءلت لماذا يعتبروني عارًا؟، ورغم علمي أن الهدف من الكلمة ليس الوصم، ولكنها تشعرنى بالإهانة والخجل، حتى عندما يذكرني أحدًا من أفراد عائلتي بالمدح يقولها بكل فخر “إنتى عاري” ليشعرني إلى أى مدى يعتبرني مهمة لديه، ولا يعي أن كلمته التى ينطقها بغرض إسعادي أوحتى تعنيفي حال اعترضت على شيء تسببت في أذى شديد ليّ يجعلني أخجل من اقترانى بهذا اللقب المشين.

تلتقط أطراف الحديث منها أمنية الهواري، والتي تنتمى لقبيلة الهوارة، وأيضًا تعيش في محافظة قنا، حيث أكملت توًا دراساتها العليا، فتقول: إن تصرفاتنا كفتيات من الصعيد توضع دائما تحت بند “العار”، هذه “عار” لا يصح أن تأخذ حريتها، إنها “عار” لا يمكن أن تسافر أو تتجول مع صديقاتها، أو تنشئ علاقات خارج إطار الأسرة، فالفتاة في الصعيد «جلابة العار» يعتبرونها مصدر متوقعًا للعار في أي لحظة، وأنها ستأتي بالخطيئة في أي وقت، لذلك يتحتم الجميع لها، ومهما وصلت من مستوى علمي فهي مدانة لم ترتكب جريمة وموصومة دون ذنب اقترفته سوى أنها فتاة.

استطردت “أمنية” حديثها بصوت تعتصره آهات القهر والمهانة، رغم استكمالي لدراساتى العليا، إلا إنني دائمًا ما اشعر بالنقص نتيجة لهذه الكلمة المؤذية، والتي تلتصق بي ولا أستطيع التخلص منها، وعندما اعترض عليها أجد الهجوم من كونى أصبحت “اتعالى” على تقاليد وأعراف عائلتي، وأن هذه الكلمة لا تعني الإهانة بقدر الحرص في التعامل معنا كفتيات، ولا أعرف اي حرص هذا الذي يجعلني موصومة بتلك الكلمة طوال حياتي.

العار أصبح عادة في الصعيد والفتاة “صباغة عمم

 بينما ترى جيهان شوقي، والتي تقيم فى نجع حمادي، أنها اعتادت على لقب “عار” عند الحديث عليها، أو على أي فتاة في العائلة، مشيرة إلى أن كلمة “عار” تقال لنا من باب الاعتزاز والتفخيم وليس من باب الإهانة، ولكن هذا الأمر يتسبب في غضب الكثير من الفتيات، خاصة من انهين دراستهن الجامعية، فلا تقبل الفتاة وقتها أن يقال لها “إنتي عاري” حتى وإن كانت من باب التقارب أو المدح، ذلك لما تحمله الكلمة من معانى مخجلة، فكثيرًا من رجال العائلة عند التقرب منا أو التباهى بنا يقولون “إنتي عاري”، وهناك فتيات تسعدهم الكلمة ولا يشعرون بخجل منها كوننا اعتدنا عليها.

وتتابع، تلك الكلمة يتربى عليها الجميع ولدًا وبنتًا، فالبنت تتعامل على أنها عار الجميع أي أنها تتبعهم لأنها تحت وصايتهم، والولد يتربى أن أخته أو قريبته هي عاره أي مسئوليته التي سيدفع ثمنها وحده إذا أخطأت.

خديجة كالح التي تخطت عامها الستين، توافقها الرأى، وتقول: لا يوجد أي قصد لإهانة الفتاة باستخدام كلمة عار عند الحديث عنها، مبررة ذلك بأنها بالفعل تمثل “عار” لأسرتها حال خرجت عن الحدود المرسومة لها.

وتتابع  مبررها لاستخدام هذه الكلمة، بأن الفتاة عار لابد من الحفاظ عليها فهي الوحيدة القادرة على “صبغ العمم”، في حال أقدمت على فعل خاطيء، والوحيدة القادرة على وضع رأس أهلها في “الطين”، لذا فهي عارنا الذي نحافظ عليه، ولا نهينه.

وعن الولد، قالت “خديجة” الولد مهما فعل لن “يصبغ العمم” بمعنى أنه لن يفعل شيئًا مشينًا ويجلب لأهله العار، لأنه في النهاية رجل يفعل ما يحلو له، ولو ارتكب شيئًا سيكون مردوده عليه وحده، ولكن فرضًا أن فتاة هربت من ديارها، أو أخطأت مع شاب سيكون العار على الجميع.

شباب يرون الفتاة كائنًا ضعيفًا يحتاج حماية

عرابي السيد، أحد الشباب الصعيدى، أكد أنه لا يرى أي أزمة في استخدام كلمة العار، أو نظرته لأخته أو أمه على أنهما عار، لأن الكلمة لا تستهدف الخطأ في حقهن، ولكنها تصف وضعهن لدى الرجال.

وأضاف أنه يدرك قيمة المرأة ولا يقلل منها أبدًا، ولكنها تحتاج دائمًا من يرعاها ويحميها، لأنها تمثل عار للجميع، ولو أخطأت سيدفع الجميع ثمن خطاءها، وكلمة العار المقصود منها أنها لحمى وعرضي ودمى، ولابد أن أحافظ عليه، فأين المشكلة في هذا؟، مؤكدًا أنه ينظر لكل فتاة أنها تستحق حمايته كونها الجانب الأضعف أو بالمعنى الأدق “عاره” الذي يحتاج لأن يصونه.

آخرون يرفضون هذا اللقب

وسط الظلام دائمًا هناك من يبحث عن طاقات النور، حتى وإن كانت بصيص صغير، والذي ظهر في استهجان أحمد الهوارى، أحد الشباب الصعايدة، للقب العار المرتبط في قريته وعائلته بالفتيات.

وقال “أحمد”، استاء حينما تشير والدتي لأختي باعتبارها عاري، وأرى إنها ليست عاري ولكنها مصدر فخري وإعزازي، فلماذا يفرض عليا أن استخدم هذا اللقب معها، حتى وإن كانت لن تستاء؟

وذكر الشاب أن العار والخطيئة طالما ارتبطوا في الصعيد بالفتاة، أما الولد فيتربى على أنه مباح له كل شيء دون خجل، رغم أن الكثير من الفتيات عندما تمنح لهن فرصة التعليم والعمل يحققن نتائج تفوق الشباب بكثير، وهناك الكثير من الأولاد لا يعدون أكثر من وجهة غير مشرفة لأسرهم وذويهم، ومع ذلك لا يتم نعتهم بتلك الصفة المسيئة

وأشار إلى أنه لا يستخدم هذا اللقب أبدًا لما فيه من امتهان للمرأة، بخلاف كونه لقب مؤذي، حتى بمجرد النطق به.