“هو الدين بيقول إيه؟”، جُملة اشتهرت في الشارع المصري، خلال السنوات الماضية، جسد بها السيناريست يوسف معاطي، حال المجتمع في تلقي الفتاوى وإصدارها من بعض الأشخاص مُدعي التدين، في فيلم “حسن ومرقص”، حيث كانت ملجأ الفنان عادل إمام في إصدار الفتاوى والأحكام الفقهية لأهالي القرية، بينما كان يؤدي دور رجلًا مسيحيًا، وتنكر داخل إحدى القرى في دور الشيخ المُسلم، فاعتاد أهل القرية اللجوء إليه في فتاويهم، ليرد عليهم بالجُملة الشهيرة.

“حسن ومرقص”، أظهر وجود حاجزًا نفسيًا، يُحيل بين المواطنين ودار الإفتاء، إذ يثق أكثر الأشخاص في شيخ القرية أو أحد الأشخاص مُدعي التدين، معتبرين إياه نموذجًا، فيحتذي به الشباب ويثق فيه الكبار والصغار، ويأخذون عن الفتاوى والأحكام الشرعية، لافتين أنظارهم عن دار الإفتاء التي هي أهل الاختصاص في ذلك.

دار الإفتاء

دار الإفتاء، تُحارب الفتاوى الشاذة وأصحابها، بطرق عدة، أهمها الإجابة على الأسئلة والفتاوى باللغات المختلفة عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر موقعها الإليكتروني، كما تتلقى الأسئلة داخل مقرها، ولها بعثات خاصة في كل مركز ومحافظة، وتُصدر البيانات الدينية بشكل دوري، ففي عام 2018، كانت دار الإفتاء تتلقى ما بين 4000 – 4800 حالة يوميًا، وترد عليها كاملة.

العام الماضي، شهد إقبالًا كبيرًا من طالبي الفتوى على دار الإفتاء المصرية، حيث بلغ عدد الفتاوى التي أصدرتها الدار خلال العام مليون ومائة ألف فتوى من إدارات الدار المختلفة ما بين شفوية ومكتوبة وهاتفية وإلكترونية، والبث المباشر على صفحة الدار الرسمية على “فيس بوك”.

بلغ عدد الفتاوى التي أصدرتها دار الإفتاء المصرية خلال العام الماضي مليون ومائة ألف فتوى

50 شخصًا

عبد الله رشدي، اسم ظهر على الساحة مؤخرًا، وله العديد من الفتاوى، ولكن هل يحق له الفتوى؟، الإجابة بإن دار الإفتاء نفسها  حددت 50 اسمًا فقط من علماء الإفتاء والأزهر، لهم حق الفتوى في مصر، منهم الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، وعباس شومان وكيل الأزهر الشريف، والدكتور علي جمعة، والدكتور نصر فريد واصل، مفتي الجمهورية الأسبق، ومجدي محمد عاشور، وعلى عمر الفاروق فخر، ومحمد وسام عباس خضر، مدير إدارة الفتوى المكتوبة بدار الإفتاء.

الأسماء الـ50 هم فقط من لهم حق الفتوى في مصر، ومع ذلك فـ”عبد الله رشدي” و”حاتم الحويني” هما الأكثر فتوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون حسيب، وكثير من برامج الدين عبر الشاشات يتم الفتوى بها، وعلى رأسهم الدكتور مبروك عطية والذي ليس له حق الفتوى أيضًا، وهناك الآلاف من الشيوخ في الشوارع الذين لهم حق الفتوى.

 

المُصرح لهم بالإفتاء

أهالي القرى ليس لديهم إنترنت بشكل دائم، ولا يثقون في اللغة الإلكترونية التي اعتمدتها دار الإفتاء، بل يثق في الأقرب له.. علي بهنسي استشاري الطب النفسي

صورة المنقذ أو البطل 

الدكتور علي بهنسي استشاري الطب النفسي، يؤكد أن الأزمة تكمن في أن يكون هناك شخص ذكي يستفيد ماديًا واجتماعيًا من أهالي القرية، وبالتالي يظهر لهم في صورة البطل أو المنقذ والحاكم، وبالتالي يستخدمه الأهالي في فتاواهم، فهو يتحدث لهم بلغتهم البسيطة، وحين يحتاجون إلى لغة التشدد دينيًا فهو يتعامل بها، ويستخدم المظاهر والسرعة فى الاستجابة والتواصل من أجل أن يصبح ذو وجاهة اجتماعية، ومع ذلك فالمفتي في القرى ليس شيخًا سلفيًا فقط، بل من الممكن أن يكون كبير العائلة، ومن الممكن أن يكون البلطجي، أو أن يكون صاحب نفوذ؟

وأكد البهنسي، أن علاج الأزمة لن يتم إلا بتواصل الأزهر والإفتاء مع المواطنين بشكل أبسط، فأهالي القرى ليس لديهم إنترنت بشكل دائم، ولا يثقون في اللغة الإلكترونية التي اعتمدتها دار الإفتاء، بل يثق في الأقرب له، ولذلك على الإفتاء أن تضع مفتيًا خاصًا لكل قرية حتى لا تصبح الفتاوى الإرهابية متواجدة بشكل كبير.

فوضى الإفتاء ذات خطورة كبيرة على الفرد والمجتمع.. الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية

شوقي علام

عُرف لا شرع

وأشار مفتي الديار المصرية شوقي علام، عبر كتاب “الفتوى والإفتاء.. البناء والمنهجية”، إلى أن كلمة المشايخ ليس المقصود بها المعنى الشرعي بل العرفي، حيث صار كل من تزيًا بزي المشايخ يطلق عليه هذا اللقب.

وقال: “تأتى خطورة الفوضى في الفتاوى الفضائية من أهمية الإفتاء في الأصل، الإفتاء مسئولية عظيمة، وأمانة ثقيلة، كما أنه منصب جليل ووظيفة شريفة، وأثره في إصلاح الأفراد والمجتمعات ظاهر، والحاجة إليه من أمس الحاجات، بل تبلغ من الضرورات، فليس كل الناس بل ولا أكثرهم يحسن النظر في الأدلة ويعلم حكم الله فيما يعرض له من مسائل ومشكلات”.

دار الإفتاء

وأضاف أنه “مع رغبة الناس في الاستقامة والتمسك بالدين، وتوفير وسائل الإعلام والاتصال وكثرة معطيات الحياة العصرية وتجددها، وتسابق أهل الأهواء وأتباع الديانات والمذاهب المنحرفة إلى نشر أفكارهم، وإقناع الناس بضلالاتهم، زادت حاجة الناس وعظمت رغبتهم في معرفة المشروع والممنوع، والحق والباطل، والحلال والحرام، لذلك كانت برامج الإفتاء في القنوات الفضائية هي أكثر البرامج قبولاً وأوسعها انتشارَا، ونظرًا لكثرة المفتين، وتعدد مشاربهم، كانت فوضى الإفتاء ذات خطورة كبيرة على الفرد والمجتمع”.

نظرة المجتمع

أزمة ميراث كانت بقنا، حيث حكم أحد شيوخ السلفية على أحدهم بأن لا يُعطي الميراث إلى شقيقاته البنات، مما أدى إلى حدوث ذلك، وقامت الأخت برفع قضية وحكمت المحكمة لصالحها، ولكن تم اعتبارها في القرية الصغيرة خارجة عن الدين وسبب ذلك أزمة لها.

ويقول عمر سلمان أحد أهالي الأقصر، إن المشكلات في بلدهم لا يتدخل بها الشيوخ بل يتدخل كبير القرية لحلها، وبالتالي لا يتدخل الدين في الفتوى.

هناك من يستغل الفتوى بشكل خبيث ويُسيس الفتاوى للتطرف.. الدكتور خالد عمران، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية

إشعال النار

الدكتور خالد عمران، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، له تصريح في تلك الأزمة، حيث قال “إن الفتوى هي إسهام في حل المشكلات وليس إسهامًا في المشكلات نفسها، وهناك فتاوى تحاول إشعال النار، وهناك من يستغلها بشكل خبيث ويُسيس الفتاوى للتطرف، وهناك معنيون بالفتوى وأدب للمهنة ومع الوقت يُعرف المُفتي، ودار الإفتاء تعمل بشكل مؤسسي له مُقررات، وليس من الجيد أن يخرج عنها شخص، وهناك الميثاق العالمي للإفتاء واستقر عليه الـ  50 عضوًا وهو ميثاق شرف المفتي، المشكلة الحقيقية التي تأتى بالمشكلات هي فتاوى غير المتخصصين وغير المؤهلين”.

وأضاف “أن هناك من يقوم بالفتوى لأنه صاحب زي أزهري ولكنه بغير علم، والمشاهد أو المستفتي يريد أن يعرف علم الدين، وعلى المفتي أن يكون على علم وهو يحاسب على فتواه، فهو مؤتمن على رسالته، ولابد أن تكون الفتوى في مصلحة الناس، والتدين ليس في التشدد، ولكنه في التسامح ومصلحة المجتمع”.

المحامي سمير صبري رفع دعوى مستعجلة أمام محكمة القضاء الإداري، ضد الدكتور مبروك عطية، وذلك لمنعه من الظهور على الشاشات.

“صبري” قال في الدعوى التي حملت رقم 45936 لسنة 74: “بعد أن أصبح الدعاة هم المرجع الذي يتجه إليه المسلمون في حالة وجود أي تساؤل في أمور دينهم، فالدعاة هم من يوجهون الناس إلى صحيح الدين وإعطائهم الفتاوى التي تعينهم في أمور دينهم ودنياهم، وأصبح الدعاة هم فئة يجب أن تتمتع بقدر من العلم واللباقة وحسن الأداء لجذب المشاهد إليهم، إلا أنه في الآونة الأخيرة ظهر العديد من الدعاة الذين اتخذوا الدين حرفة لهم دون أن يكونوا مؤهلين لذلك، فنجد العديد من خريجي جامعة الأزهر لا يملكون الحجة الكافية من أجل تقديم الفتاوى للمسلمين”.