“أمي دي أقوى ست في الدنيا، أقوى من الدنيا نفسها، أول ما تشوفها تحس إنها أمك، هي كبرت وعدت الـ40 بس قلبها لسا قلب بنت 18”.. هكذا وصفت الفنانة حبيبه، والتي أدت دور فاطمة في فيلم “العصفور”، والدتها “بهية”، والتي قامت بدورها محسنة توفيق.. ومن بين أحرف هذه العبارة يمكن أن نستشف، كيف تمنى المخرج يوسف شاهين أن تكون المرأة، حين جسدها في أعماله الفنية، فما بين نظرات عيون خاطفة وزائغة على الطرقات، وآخري مثابرة قررت أن تصل لنهاية الطريق التي رسمته لذاتها، ودموع آخري حبيسة الأعين ومنهكة، قضت عليها الظروف والأقدار ظهرت المرأة في عيون يوسف شاهين.
محورية دور المرأة في أفلام يوسف شاهين
كان للمرأة دور محوري دائمًا في كل الأعمال التي طرحها على الجمهور خلال مشواره الفني والتي لم تزد عن 40 عمل، قدم خلالها أنماط متعددة للمرأة ولكنها ليست مختلفة في أغلب تفاصيلها، فانحصرت بطلاته بين 3 أنماط تقريبًا، ما بين عاشقة محبة تحارب من أجل الوصول إلى محبوبها، وآخري قهرتها الحياة وتاهت ما بين أركانها باحثة عن سند واحتواء، وآخري ضاعت كافة حقوقها الإنسانية على عتبات الظلم والحلم معًا، حتى أنه تم اغتصابها فكريًا وجسديًا.
تأرجح يوسف شاهين بين شخصية والدته وما أراده
من الطبيعي أن يتأثر كل فرد بالبيئة التي نشأ بها، وكان تأثر يوسف شاهين بالعنصر الأنثوي في أسرته سواء كانت والدته أو شقيقته الكبيرة، والذين قد أعلن خلال أعمال الفنية التي جسدت قصة حياته أنهم تعرضوا لكثير من القهر والضغط خلال حياتهم، فظهرت الشخصيات النسائية في أفلام العالمي يوسف شاهين دائمًا لها وجهان، أحدهما الراغبة في الحصول على حقوقها وآخري منكسرة أخضعتها الحياة لقوانينها.
وظهر أيضًا على الشاشة الصراع النفسي الذي عاشه المخرج بين ما كان يريد أن يرى عليه المرأة في حياته وما رآه بالفعل وكان أكبر دليل على ذلك دور سهير البابلي في فيلم “حدوته مصرية”، و”إسكندرية ليه” وغيرهم.
المرأة المغتصبة
لم تكن أفلام يوسف شاهين وخاصة الذي بدأ في طرحه بعد سبعينات القرن الماضي، والتي أخطلت الكثير منها بالسياسة، خالية من المرأة المقهورة، ولكن اختلفت وتنوعت درجات القهر في أفلامه، فهناك فرق بين امرأة ضعيفة، وآخري ضاعت كافة حقوقها الإنسانية، والتي كان أولها فيلم “عودة الإبن الضال”، الذي تعرضت من خلاله “فاطمة” والتي أدت دورها سهير المرشدي للاغتصاب من ابن خالتها، ولكن لم يكن الغرض من هذا الفعل هو مجرد فعل ناتج عن رغبة جنسية، ولكن جسد يوسف شاهين الذي قام بكتابة الفيلم وإخراجه، بـ”فاطمة” وهي في انتظار “علي” صاحب الثورة، دور الحلم الذي كانت تحلم به مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بعد ثورة يوليو 1952، والذي تم اغتصابه على أيدي الطاغية الراغب في السيطرة على المال والقوة والنفوذ والقضاء على حقوق العمال التي طمح لها الجميع، ليكون الاغتصاب هنا الغرض منه التنويه على أحلام جيل “ناصر” بالكامل التي تم اغتصابها وضياعها.
وشارك في هذا العمل محمود المليجي وشكري سرحان وهدى سلطان وماجدة الرومي ورجاء حسين ومن إنتاج عام 1976.
أما الاغتصاب الثاني الذي جسده “شاهين” على الشاشة كان من نصيب حنان ترك “حنان”، الفتاة التي وقع في حبها ابن الأغنياء “آدم ضم الكون بحنان ظهر الأخضر في الألوان والإنسان أصبح إنسان”، هكذا عبر صوت ماجدة الرومي عن قصة الحب التي نشأت بين بطلي العمل آدم وحنان، اللذان تحدا العالم لكي يتزوجا، ولكن كانت المفاجأة حين قام البطل باغتصاب بطلته وزوجته التي امتنعت عنه بسبب مشكلات بينهما، في تنويه عن اغتصاب الرأسمالية للطبقات الأخرى واستيلاءها على حقوقهم.
وشارك في “الآخر” هاني سلامة وحنان ترك ومحمود حميدة ونبيلة عبيد وتم طرح الفيلم بدور العرض عام 1999.
الاغتصاب الأخير، جاء بكاميرا يوسف شاهين متمثلًا في مصر وحقوقها الضائعة، وجسد هذا الدور “نور” الفنانة منة شلبي الذي جاء هتك عرضها على أيدي أمين الشرطة “حاتم”، والذي جسده بمهارة خالد صالح وتستر عليه زملائه، ليروي بهذا الانتهاك، حكاية وطن قبل قيام ثورة 25 يناير وما كانت تتعرض له مصر.
وشارك في الفيلم يوسف الشريف وهالة فاخر وهالة صدقي وهو من تأليف ناصر عبد الرحمن.
قهر النساء
مع تعرض والدة يوسف شاهين للقهر، بداية من تزويجها مبكرًا لوالده الأكبر منها سنًا، ودخولها الحياة بشكل قهري وهي فتاة ذات الـ16 عام، وظهر هذا جليًا من خلال سلسلة الأفلام التي قدمها عن حياته وهي “اسكندرية له” و”اسكندرية كمان وكمان” وحدوته مصرية”.
وظهر أيضًا “يحيى” والذي جسد شخصية “شاهين”، وقام بأداء دوره نور الشريف، أنه كان دائم الاعتراض على شخصياتهن محاولًا، ومؤكدًا على رفضه لهذه الشخصية النسائية السلبية، ومطالبها بأن تكون أقوى من ذلك.
المرأة في عيون شاهين
كما ذكرنا من قبل كان لنشأة يوسف شاهين تأثير عليه، فتمنى أن يرى المرأة في صورتها القوية المثابرة القادرة على تحدي الصعاب، فقدم لنا “بهية” في فيلم “العصفور”، هي السيدة التي تفهم بالسياسة وتناضل، والتي تسعى لجلب رزقها هي وابنتها وهي التي تحب، امرأة مكتملة قادرة على صنع قرارها مهما كلفها ذلك.
أما الغجرية “ليلى علوي” في فيلم “المصير”، فكانت صورة أخري لمجتمع مختلف، أظهر من خلاله المرأة أيضًا العاشقة المحبة للحياة والرقص والغناء، تستطيع أن تكون سند وعون لحبيبها ولمن حولها.
واستمل صورة المرأة العاشقة المكتملة من خلال فيلم “عودة الابن الضال” بدور ماجدة الرومي التي عبرت عن الجيل الواعد الذي يحب ويكافح ويضحى وصاحب رأي، وأيضًا دور “وصيفة” في فيلم “الأرض” الذي ساندت والدها وحبيبها من أجل الحصول على حقوقهم المادية وكانت خير معاون لهم.
ولا يمكننا أن نغفل أيضًا هنومة في “باب الحديد”، الفتاة الشقية التي تعمل لكسب قوتها، وكذلك جميلة بو حريد، المناضلة الجزائرية، التي جاهدت ضد الاحتلال الفرنسي لبلادها.
عبر يوسف شاهين من خلال هذه الأنماط عن جمال المرأة الحقيقي، في قوتها ودعمها لمن حولها ولكنه لم يغفل أن يظهرها أيضًا انثى مكتملة الأنوثة في الوقت اللازم لذلك.