سلطت أزمة سد النهضة الإثيوبي، الضوء على مشكلة نقص المياه في مصر، والخطر الذي يحدق بمصر ويهدد حقوقها التاريخية في مياه النيل، لتحاول الدولة المصرية وضع خطط تنموية وترشيديه تقلل من خطورة الأزمة، والتي من المتوقع أن تزداد في السنوات المقبلة مع ملء وتشغيل السد الإثيوبي، وفي ظل الزيادة السكانية الكبيرة التي تعاني منها.
ويصل حجم الموارد المائية حاليا 76.4 مليار متر مكعب، منها 55.5 مليار متر مكعب حصة مصر الثابتة من نهر النيل، وهي تشكل المصدر الأساسي من إجمالي الموارد المائية المتاحة، والباقي من الأمطار، وإعادة تدوير مياه الصرف الزراعي.
“خطة الـ50 مليار”
في منتصف العام الماضي، أعلن وزير الري المصري محمد عبد العاطي، أن مصر بدأت في تنفيذ خطة قومية للمياه بتكلفة استثمارية تتجاوز 50 مليار دولار، وبمشاركة 9 وزارات للتغلب على المشكلات المتعلقة بنقص المياه، مشيرا إلى أن الخطة القومية للمياه (2017 – 2037) تتضمن مشروعات استراتيجية كاملة يجرى تنفيذها على أرض الواقع بخطى متسارعة.
الوزير المصري، ذكر أن الخطة “4 ت”، تشمل “تحسين نوعية المياه وجودتها، وترشيد الاستهلاك، وتنمية الموارد المائية وتهيئة البيئة المناسبة”، مبينا أن جهود تحسين نوعية المياه بدأت من خلال إنشاء محطات معالجة المياه في عموم مصر، سواء مياه المصارف الزراعية أو الصناعية أو الصرف الصحي، للارتقاء بجودة المياه، وبما ينعكس إيجابا على الصحة العامة للمواطنين وجودة المنتج الزراعي.
وأشار إلى أن خطة ترشيد المياه تقوم على أكثر من محور، من بينها إدخال نظم الري الحديثة والتكنولوجية، والعمل من خلال المراكز البحثية المتخصصة على استنباط محاصيل زراعية أقل استهلاكا للمياه مع تقليل فترة نمو المحاصيل بما يعني تخفيض عدد فترات الري، والارتقاء بمراحل توصيل المياه ومعالجة الفاقد في شبكات وقنوات توصيل مياه الشرب ورفع كفاءتها، والعمل على تركيب قطع موفرة للمياه بما يقلل الفاقد وكميات المياه المستهلكة.
“ترشيد الاستهلاك”
وانتبه مجلس الوزراء، مؤخرا؛ إلى ضرورة مواجهة مشكلة الإسراف في المياه، حيث طالب رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في نهاية الشهر الماضي، بتغليظ العقوبات على الإسراف في استخدام المياه، وأيضا الوصلات الخلسة، بما يتماشى مع أهداف الدولة في الاستفادة من كل قطرة مياه.
وأضاف “مدبولي” في بيان، أن حجم التحديات التي تواجه الدولة في قطاع المياه تفرض ضرورة العمل على تحقيق وفر حقيقي في كميات المياه المستهلكة، مؤكدا أهمية استمرار تنسيق الجهود المبذولة من جانب الجهات المختلفة في الدولة، سعيا لتعظيم الاستفادة من الموارد المائية المتاحة، وترشيدا لاستهلاك المياه، وتحقيقا لاستغلالها بالشكل الأمثل، بما يلبي الاحتياجات والمتطلبات المتعلقة بالتوسع العمراني، والزيادة السكانية المستمرة.
“مشروعات التحلية”
الحكومة المصرية تخطط للتوسع في محطات تحلية المياه، والبالغة حاليا 63 محطة في محافظات شمال سيناء ومرسى مطروح والبحر الأحمر وجنوب سيناء وتنتج 700 ألف متر مكعب يومياً، ويجرى تنفيذ 19 محطة تحلية مياه بطاقة 400 ألف متر مكعب يومياً.
وتسعى القاهرة إلى تنفيذ وتطوير 109 محطات تحلية مياه البحر بطاقة إجمالية 10.46 مليون متر مكعب في اليوم، وتكلفة مقدرة 239.3 مليار جنيه، من ضمنها تدشين 21 محطة تحلية مياه جديدة قبل نهاية عام 2022 ليصل إجمالي المياه المحلاة إلى 2.5 مليون متر مكعب يومياً، لتفادى أزمة نقص المياه وتقليل تكلفة نقل مياه نهر النيل إلى المحافظات الحدودية.
ووفقا للخطة القومية لمواجهة أزمة المياه، ستتوزع المحطات في محافظات: “شمال سيناء وجنوب سيناء وبورسعيد والإسماعيلية والسويس والبحر الأحمر بقطاع شرق، ودمياط والدقهلية وكفر الشيخ بقطاع شمال الدلتا، والبحيرة والإسكندرية ومطروح بقطاع شمال غرب”.
“المعالجة الثلاثية”
ولفت رئيس الوزراء، إلى عمل الدولة على التوسع في إنشاء محطات التحلية بالمحافظات الساحلية، والتوسع في إقامة محطات المعالجة الثلاثية لمياه الصرف الصحي، واستخدامها في الأغراض المخصصة لذلك، مشددا على ضرورة التوسع في استخدام القطع الموفرة للمياه، مطالبا بتركيبها في الوحدات السكنية الجديدة.
وكشفت وزارة الإسكان المصرية، مطلع يناير الماضي، عن البدء في تنفيذ 54 محطة للمعالجة الثنائية والثلاثية لمياه الصرف الصحي (37 محطة للمعالجة الثنائية – 17 محطة للمعالجة الثلاثية)، بمحافظات الصعيد، بطاقة 433 مليون م3/سنة، بتكلفة 8.87 مليار جنيه، لخدمة 8.35 مليون نسمة.
وذكر رئيس الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي، أنه تم الانتهاء من تنفيذ 40 محطة (27 محطة للمعالجة الثنائية – 13 محطة للمعالجة الثلاثية) ، لافتا إلى أنه من المقرر الانتهاء من تنفيذ 14 محطة أخرى (10 محطات للمعالجة الثنائية – 4 محطات للمعالجة الثلاثية) ، بنهاية يناير الماضي.
“أزمة الزراعة”
خطة الدولة المصرية، لم تنسى ضرورة اتخاذ خطوات جادة في مجال الزراعة والتي تستهلك الجزء الأكبر من المياه، بسبب اعتماد المزارعين على زراعة العديد من المحاصيل الشرهة للمياه، حيث بدأت الدولة فعليا إلى تقنين العديد من الزراعات أبرزها زراعة الأرز، حيث قررت تحديد أحواض بعينها للزراعة فيها دون غيرها، مع توقيع عقوبات على المخالفين.
وزارتا الزراعة والري، وضعتا خطة لتطبيق وتحديث منظومة الري، ولتوفير المياه للأراضي الزراعية القديمة والحديثة، من خلال تنفيذ مشروع الري الحقلي، والذي يتم تنفيذه في أراضي الدلتا والوادي القديمة، بإجمالي 5 ملايين فدان كانت تستهلك نحو 25 مليار متر مكعب سنويا من خلال الري بالغمر ليتم تقليص هذه الكمية إلى النصف ” 12.5 مليار” متر مكعب باستخدام أساليب الري الحديث.
وشملت الخطة تحويل كل الأراضي الجديدة المستصلحة إلى نظام الري المطور والالتزام بتلك المنظومة في مشروع استصلاح المليون فدان الجديدة سواء كان بالرش الثابت أو المتحرك أو التنقيط ووفقا لنوعيه المزروعات، سعيا إلى توفير أكثر من 12 مليار متر مكعب للاستثمار في استصلاح واستزراع أراض جديدة، إلى جانب زيادة المساحة المنزرعة بحوالي نصف مليون فدان، وهي المساحات التي تشغلها حاليا قنوات الري والمجاري المائية.
“تبطين الترع”
خطة مصر لمواجهة شح المياه شملت أيضا، تنفيذ مشروع تأهيل وتبطين الترع، حيث بدأت في يونيو الماضي، عمليات تأهيل وتبطين 40 ترعة رئيسية في محافظات الإسماعيلية، والجيزة، وأسوان، وبنى سويف، وأسيوط بحجم أطوال تصل إلى 190 كيلومترا.
وتسعى وزارة إلى الري إلى الانتهاء من مشروع تبطين وصيانة 7 آلاف كيلو متر، بكافة محافظات، والتي مقرر الانتهاء من تنفيذه خلال عامين حال توافر التمويل الكافي، بدلا من 10 سنوات بناء على توجيهات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لتوفير حوالي 5 مليارات متر مكعب من المياه، التي يتم هدرها وفقدها في الشبكة المائية على طول مجرى النيل، من حصة مياه من الموارد المائية سواء من نهر النيل أو من الأمطار أو المياه الجوفية أو المعالجة، بتكلفة تصل إلى 18 مليار جنيه.
“تغيير التركيب المحصولين”
ويرى خبير المياه ومستشار وزير الري السابق، الدكتور ضياء الدين القوصي، أن مصر تحتاج إلى خطة لترشيد المياه عموما بعيدا سواء بسبب أزمة سد النهضة أو غيرها، وأنه يجب توعية الناس بأهمية وقيمة المياه، مشيرا إلى أنه هناك خطوات بالفعل اتخذتها الحكومة لمواجهة أزمة شح المياه منذ عام 1997، وحتى عام 2017، ثم حتى عام 2037، وأنه يجب توعية الناس بأهمية وقيمة المياه.
وشدد مستشار وزير الري السابق على أن القاهرة تحتاج إلى إجراء تغيير جذري للتركيب المحصولي، وزراعة المحاصيل الأكثر جدوى اقتصاديا، وتحديد المساحات المنزرعة بالمحاصيل الشرهة للمياه في مقدمتها “الأرز وقصب السكر”، وفرض غرامات على المخالفين، متابعا: “ليس من غير المعقول أن تزرع مصر في الشتاء 3 ملايين فدان قمح، و3 ملايين فدان برسيم، ولديها ميزة نسبية في الخضروات والفاكهة والنباتات العطرية والطبية”.
وتساءل: “لماذا يتم زراعة 3 ملايين فدان من البرسيم في العام لإطعام الماشية، واستهلاك كل هذه الكمية من المياه”، مردفا: “نقدر نشتري الماشية بنصف الثمن من السودان، وبربع الثمن من إثيوبيا، يجب ضرورة وقف مشروعات التسمين، والسماح فقط للمزارعين بتربية حيوان أو اثنين فقط، واستيراد الباقي”.
“استمطار السحب”
وذكر أنه يجب إلزام المزارعين بالري فجرا وليلا فقط، بدلا من وقت الظهيرة والذي يؤدي إلى تبخر الماه، علاوة على تسوية الأراضي، لافتا إلى أنه يجب على الحكومة في ظل أزمة نقص المياه التوسع في عمليات تحلية المياه، وحصاد مياه الأمطار، واستمطار السحب واستقطاب الندى، واستعذاب المياه الجوفية.
وأشاد مستشار وزير الري السابق، باعتماد الدولة خطة جديدة للمياه بالنسبة للمناطق الساحلية، لافتا إلى أن المناطق الساحلية عموما والتي تبعد عن وادي النيل بـ70 إلى 80 كيلو متر، أصبحت تعتمد على مياه التحلية، منوها أن كل متر من المياه في مصر حاليا يعاد استخدامه 3 أو 4 مرات قبل أن ينتهي به المطاف في البحر المتوسط.