تشهد المرأة الإيرانية، أقسى أنواع العُنف والإقصاء من دورها المجتمعي، في ظل النظام الملالي، الذي يعمل على طمس دور المرأة المعارضة، ويشرع قوانينًا صارمة لتقليص دورها، ومحو تواجدها في الحياة السياسية، فتضطر لترك بلادها بحثًا عن الديمقراطية التي تُمكنها من ممارسة نشاطها بحرية.
في الوقت ذاته يدعم النظام الإيراني تواجد نساء أخريات من الداعمات له لتقلد مناصب رفيعة المستوى في المنظومة الهرمية التي تدير البلاد.
مواقف إيرانية
تقلدت المرأة في إيران عدة مناصب قيادية سياسية وقضائية في الحقبة البهلوية، قبل أن يأتي عصر الثورة الإسلامية، ويُحرم وصولهن لتلك المناصب، فأعدم وزيرة التعليم، وعزل القاضية الحاصلة علي جائزة نوبل، فهاجرت، قبل أن تظهر غيرهن علي الساحة السياسية في البلاد.
إلا أن الأوضاع السياسية بعد عام 1979 لم تسمح بوصول السيدات ذوات الكفاءة أو الخبرة للمناصب السيادية بل اختار من يتقلدن تلك المراتب، اعتمادًا على ولائهن وتوجهاتهن السياسية فقط، فإن كانت معارضة ألقى بها في غياهب السجن وإن كانت غير ذلك كرمها ومنحها السلطة والسطوة التي تمنحه الشرعية الدولية وتبيض سيرته الحقوقية السيئة.
تتجلى تلك الطبيعة السياسية في نموذجين يمكن دراستهما عن قرب هما المعارضة مريم رجوي وأحد أعمدة النظام الملالي معصومة إبتكار.
نشاءة السيدتين
ولدت مريم رجوي في طهران، عام 1953م، من أسرة متوسطة الحال، وتخرجت من جامعة شريف التكنولوجية فرع هندسة المعادن.
أما معصومة ابتكار، فولدت عام1960 في طهران، وحصلت على بكالريوس العلوم من جامعة الشهيد بهشتي، ثم حصلت على درجتي الماجستير والدكتوراة في الفلسفة عام 1995، من جامعة تربية مدرس، وهي الجامعة التي ظلت تعمل بها.
حياتهما السياسية
ترعرعت “رجوي”، بين عائلة تمتلك وجهة نظر سياسية، فشقيقها “محمود رجوي” كان سجينًا سياسيا في عهد الشاه “رضا البهلوي”، وقتلت أختها الكبرى”نرجس رجوي” في العهد ذاته، علي يد مأموري سافاك، عام 1975، واعتقلت أختها “معصومة” في عهد حكم النظام الملالى وأعدمت وهي حامل في جنينها عام 1982.
بدأت عملها السياسي في سن المراهقة، إذ انضمت إلى منظمة “مجاهدي خلق” المعارضة، وقادت الحركة الطلابية ضد النظام البهلوي، وساعدت المنظمة في إسقاطه وإعلان الجمهورية الإسلامية.
وعقب سقوط النظام الملكي، رشحت “رجوي” من قبل “مجاهدي خلق” للانتخابات التشريعية، وحصلت على 205 ألف صوت، وأصبحت مؤهلة لدخول البرلمان الإيراني، ولكن النظام الملالي، منع دخول أي مرشح من المنظمة، وتعرضت للهجوم أكثر من مرة عام 1981، حتي هاجرت إلى فرنسا، وأدارت المركز السياسي لحركة المقاومة، والذي تأسس منه المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وتدرجت فيه في كافة المناصب القيادية.
أما عن “إبتكار”، فبرز دورها السياسي، خلال أزمة احتجاز الرهائن الأمريكية أثناء قيام الثورة الإسلامية، في نوفمبر عام 1979، إذ قام مجموعة من الطلاب الثوريين أطلق عليهم اسم “أتباع خط الإمام” نسبة إلى إنتماءهم إلى المرشد الاعلى”أيه الله الخميني”، باقتحام مقر السفارة الأمريكية بطهران، واحتجزوا 52 رهينة، متمثلين في موظفي السفارة، ودبلوماسيين، لمدة 444 يوم.
جاء الاحتجاز بهدف الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، لتسليم الشاه رضا البهلوي لإيران، عقب سفره لتلقي علاج من مرض السرطان بإحدى مستشفيات واشنطن، واحتجاجًا على التدخل الأمريكي في الشئون الإيرانية.
على أثرها شنت أمريكية عدة محاولات لإنقاذ الرهائن دون جدوي، حتي وقعت اتفاقية عام 1981، والتي انتهت بتعزيز موقف أيه الله الخميني، والإفراج عن بعض الرهائن، فألفت “ابتكار” كتاب “TAKE OVE IN TEHRAN” الذي روت فيه تفاصيل عملية الاقتحام من منظور إيراني، وترجمته باللغة الإنجليزية.
تقلدت “إبتكار” منصب رئاسة منظمة صيانة البيئة لمدة 8 أعوام ، في عهد الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، وظلت رئيسة لتلك المنظمة، حتي بعدما تقلد الرئيس الحالي حسن روحاني رئاسة جمهورية إيران الإسلامية، وظلت نائبة في مجلس طهران المحلي 7 سنوات، قبل أن يتم ترقيتها وتعينها نائب لـ”روحاني” لشؤون المرآه والأسرة.
قضايا المرأة
تري مريم رجوي، أن النظام الإيراني، يعمل على قهر النساء، ويُعزز القوانين المناهضة لها، ويفرض عليها أعرافه الاجتماعية، التي تعمل علي فرض المزيد من الحواجز أمام تعليمها وعملها، لافتة إلى أن سوق العمل لم يتح لها الفرصة المناسبة، للنجاح فقيد حريتها وإبداعها، وميز الرجل عنها.
وتضيف “رجوي”، العاطلات المتعلمات في إيران 3 أضعاف الرجال المتعلمين العاطلين، ولابد من الإطاحة بالنظام الملالي، لتنال النساء المساواة في الحقوق، والحصول علي حريتها في الملبس وتعديل القوانين الظالمة التي تنتهك حرياتها، بدءً من قانون زواج الفتيات، دون السن، مشددة على أن قضايا المرأة هي الفيصل بين الإسلام المعتدل والمتشدد.
في الوقت ذاته تقول “إبتكار”، إن وضع المرأة يتحسن في إيران وأن المرشد الأعلي للثورة ” أية الله الخميئي” دعى المرأة للتظاهرات ضد الحكم البهلوي، وكان لهن تأثيرًا قويًا للإطاحة به، ورفض دعوى المتشددين بعدم مشاركة النساء في الحياة السياسية، وأن لا يصوتوا في الانتخابات، وأن يقتصر دورهن في كونهن ربات للبيوت إلا أنه رفض وعمل على حفظ كرامتهن وعدم استغلالهن كسلعة مادية.
وأضافت “ابتكار” المرشد اهتم بتوطيد مكانتها في الإطار الإسلامي، وركز علي أهمية مشاركتها في المجالات الاجتماعية السياسية، ودائمًا ما يحث المجتمع الإيراني، علي تعليم المرأة ووصولها إلى درجات عليا فيه، مشيرة إلى تعديل الكثير من القوانين الإيرانية فيما يناسب الشريعة الإسلامية، وما يوافق التغيرات الزمنية، لمواكبة التقدم العالمي، في الوقت الذي ما زالت فيه التيارات المحافظة تنتقد تلك التعديلات، أما فيما يخص زواج القاصرات فنحن نترك الأمر لعلماء الدين والفقهاء.
المواقف السياسية
تتهم مريم رجوي، النظام الإيراني بالدموية والفشل والفساد، وترى أنه يحكم البلاد بالقمع والإرهاب والإعدامات، كما يحرم شعبه من الحرية والديمقراطية والمساواة، لافتة إلى ضعف قدرة “الملالي” علي تحسين الأوضاع الاقتصادية، بالرغم من أن إيران صاحبة موارد طبيعية وفيرة، ورغم ذلك يزداد الفقر فيها يومًا بعد يوم، وتغلق مصانع ووحدات الإنتاج ما يؤدي إلى زيادة نسب البطالة في البلاد.
وتتوضح “رجوي”، أن الحروب التي يخوضها “روحاني” ومحاولة فرض نفوذه في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن تسميتها إلا بالإرهاب ولهذا فإنه يجب عليه النظر لاحتياجات شعبه، وإشباع حاجاتهم بدلًا من إنفاق اموالهم في الخارج للهيمنة على المنقطة، داعية الشعب الإيراني للقيام بالثورة لإسقاط النظام الملالي بأكمله ومرشده.
وعلى النقيض ترى معصومة إبتكار، أن الدولة الإيرانية في تقدم مستمر من أجل تطوير كافة الجوانب السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وأن القوانين تعمل علي تطوير البلاد وتقدمها للأفضل، وأن التعديلات تأتي لمواكبة التطور المجتمعي دون تجاوز للشريعة الإسلامية، تزامنًا مع النهضة الاقتصادية والسياسة والعسكرية التي صنعها النظام الملالي وأعمدته.
أزمة نظام
من النماذج السابق يمكن تحديد بوصلة النظام الإيراني المتجلية في اختيار أهل الثقة من النساء وتفضليهن على أهل الخبرة لأنهن من المعارضات، وأن الإقصاء السياسي أو تضيق الخناق الأمني على من يعارض حكمه لا يأتي في معزل عن الحالة العامة التي تشهدها البلاد من تراجع لحقوق الإنسان سواء بحق الرجال أو النساء المعارضين له والساعين لإسقاط واحلال نظام جديد ليس بجمهوريًا إسلاميًا ولا ملكيًا علمانيًا وإنما نظام عادل يسعى لجعل أبناء الوطن الفارسي سواسية في الحقوق والواجبات وحتى تقسيم الخيارات.