“أهلي رفضوا تسليمي نصيبي من الميراث، إخوته نسبوا ميراثه لأنفسهم باعتبارهم المسؤولين عنه لكنهم لا ينفقوا عليه”.. جمل ترددت على لسان أشخاص محيطين بذوي الاحتياجات الخاصة من المكفوفين والصم البكم، لوصف حالتهم المادية عقب حرمانهم من الميراث، بحجة أنهم لن يستطيعوا إدارة أملاكهم.

ورغم سلامة قواهم العقلية، وقدرتهم على ممارسة الأنشطة بشكل طبيعي، وأن إعاقتهم لن تمنعهم من التصرف فيما يملكون من أموال، لكن يداري المحيطين بهم طمعهم خلف ستار الحرص على مصلحتهم.

 حرمان من الميراث

فؤاد أبو بكر، أحد سكان محافظة الجيزة، عقب ولادته بأيام قليلة اكتشفت والدته أنه كفيف، ثم ومع مرور الوقت حاول الأهل استشارة أطباء لمساعدته على استرداد بصره، لكنهم عرفوا أنه سيظل هكذا للأبد.

لطالما حرم من ممارسة كل الأنشطة العادية لخوف والدته عليه، ورغم نضوجه ووصوله لسن الزواج الذي تزوج فيه إخوته، إلا أن عائلته قررت ألا تزوجه، لأنهم لم يجدوا من تقبل به.

ظل يعاصر زواج إخوته واحدًا تلو الأخر، إلى أن توفت والدته، وبعدها بعدة أعوام توفيت والدته، فاضطر أحد إخوته أن يعوله، لمساعدته في كل أموره، وبالفعل أخذه إلى منزله وخصص له غرفة خارجية.

وعند توزيع ميراث والده، لم يذكروه، بل وضعوا أرضه الزراعية وأمواله تحت تصرف أخيه الذي يعيش معه، ليكون المتحكم فيها، بحجة أنه لن يستطيع إدارة أملاكه بنفسه، رغم عدم اقتناعه ورفضه لذلك، وظل هكذا حتى وفاة أخيه.

بعد وفاة أخيه الذي كان لا يعطيه حقه من عائد أرضه كل شهر، بل كان يكتفي بإطعامه وإحضار السجائر له، ولا يهتم بملابسه إلا على فترات طويلة، وكذا لا يوفر له أي من رفاهيات الحياة، قسم ميراث أخيه على أولاده، دون رد حقه له.

اشتكى “فؤاد” لباقي إخوته، وعلى عكس ما توقع، وجد أنهم غاضبون لذهاب كل ميراثه لأحدهم فقط، بينما كان يجب أن يوزع عليهم جميعًا، بل وفوجئ بأن أخيه باع فدان من أرضه الزراعية، دون علمه، وصرف أموالها.

حقوق ذي الإعاقة

وفقًا للاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الموقعة في نيويورك بتاريخ 30 مارس 2007 والتي انضمت إليها مصر بموجب قرار رئيـس جمهورية مصر العربية رقم 400 لسنة 2007، والمصدق عليها من مجلس الشعب بتاريخ 11 مارس 2008.

ووفقًا للمادة 3 في الاتفاقية فإنه يجب احترام كرامة الأشخاص المتأصلة واستقلالهم الذاتي بما في ذلك حرية تقرير خياراتهم بأنفسهم واستقلاليتهم، بالإضافة إلى عدم التمييز، وكفالة مشاركة وإشراك الأشخاص ذوي الإعاقة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع.

 لا تستطيع التحدث

مر إسلام عبده، صاحب الـ 30 عام بالكثير من الأزمات النفسية خلال حياته، بسبب معاناته نظرا لكونه من الصم والبكم، واجه الكثير من الصعوبات في تعليمه، لصعوبة إيجاد مدارس تقبل حالته في الريف.

ظل إسلام يعيش تحت جناح وظل والده، إلى أن توفي، منذ عامان تقريبًا، ليفاجئ بردود أفعال أشقائه، حينما وزعوا الميراث دون إعطاءه حقه، على أ، يكون مسؤول من أحدهم، لأنه يسهل خداعه، ولن يستطيع أن يعيد حقه.

” ذكرت إحصائية أصدرتها الأمم المتحدة أن عدد الصم والبكم في مصر يبلغ نحو 7.5 ملايين نسمة”

ورغم أنه تزوج، وأنجبت زوجته، إلا أنهم يعتبروه غير مسؤول، ولا يستطيع حماية ماله، ومن وقتها وهو لا يستطيع أن يحصل على أي أموال من شقيقه الأصغر منه، ويضطر الذهاب للعمل بشكل يومي تقريبًا، وسط مخاوفه بنقل عدوى فيروس كورونا المستجد.

الصم والبكم

تضمن القانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، العديد من الحقوق المكتسبة لذوي الاحتياجات الخاصة، وينص على عدم التمييز بسبب الإعاقة أو نوعها أو جنس الشخص ذي الإعاقة، وتأمين المساواة الفعلية في التمتع بكافة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في كافة الميادين وإزالة جميع العقبات والمعوقات التي تحول دون تمتعهم هذه الحقوق”.

نصت المادة (53) من الدستور ” المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأى سبب آخر، ولتمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض”.

عقوبة منع الميراث

المحامي، صلاح بخيت، قال تعليقًا على قضية حرمان ذوي الإعاقة من الميراث، خاصة مع عدم وجود أي مبرر لذلك، لكونهم على دراية بما يفعلوه يندرج تحت باب خاص بالعقوبات، وفقًا للقانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

وأضاف ” العقوبة تصل إلى الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، حيث يعتبر الشخص والطفل ذو الإعاقة معرضاً للخطر في أية حالة تهدد احترام كرامته الشخصية واستقلاله الذاتي والتمييز ضده”.