بعد الإجراءات الحكومية لـ”التعايش مع كورونا”، أُجبر “محمود.ع”، الصحفي بإحدى الجرائد اليوميّة، على العودة إلى العمل.
تضاعفت مُعاناة “محمود”- الشاب الثلاثينيّ، أحد المكفوفين، لاسيما مع اعتماده على اللمس في يومه ليستشعر كل ما هو قريب منه.
اعتاد الصحفيّ بأحد المطبوعات اليوميّة الخاصة، الذهاب إلى عمله متكئًا على عصا، متخذًا إياها وسيلة لتجنب التخبط في عوائق الطريق، مرتديًا نظارة سوداء تغطي عينيه.
فرضت إجراءات التباعد الاجتماعي على “محمود”، ألاّ يأخذ بيده أحدًا من النّاس “تعال أعديك الطريق”.
يودع الشاب كل صباح زوجته وطفلتهما ذات الـ10 سنوات، تردد الزوجة: “ربنا يحفظك ويرجعك لنّا بالسلامة”.
عودًا إجباريًا
لم يستثنى “محمود” من قرار الذهاب إلى العمل، رغم ظروفه ومعاناته في ركوب “ميكروباصين” – على الأقل، لحين وصوله للجريدة.
“ألبس قفازات، ولا ألمس الأشياء، اتعثر في طريقي لاعتمادي على السمع فقط”.. يحكي الشاب الصحفي، عن المُعاناة التي تواجه يوميًّا.
إحصاءات رسميّة
“3.5 مليون كفيف، بينهم 11.8 يعملون بشكلٍ موسميّ، و21% يعملون بصورة متقطعة”.. حسبما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
قضاء وقدر
محمد السيد شعراوي، محاسب، هو الأصغر بين مديري شركته، تعرض لحادث قبل 16 عامًا على إثره فقد بصره، ومنذ ذلك الحين وهو يعتمد على حاستي “المس والسمع” في إنهاء مهامه.
“شعراوي” مكثّ طيلة الفترة الماضية، بمنزله خشية إصابته بـ”كوفيد-19″.
عانى الشاب الأربيعني، الأب لـ3 أطفال ماديًا، الأمر الذي اضطره للعودة على العمل “المضطر يعمل أي شيء”.
قابل “شعراوي” مُعاناة مادية أخرى، إذ يشتري مطهرات، وكمامات، بمبالغ زادت من مأساته، لكنّه يقول “أنا مجبر على شرائها، لأنّي بألمس كل حاجة”.
في أثناء ذهابه للعمل، ولـ”جمعية المكفوفين” التي أنشأها لتعليمهم استخدام برامج الكمبيوتر الناطقة، خاصة في مجال الحسابات، يتعثر كثيرًا أثناء وجوده في الشارع، بسبب عدم قرته على طلب المساعدة، بسبب كورونا.
أين حقوق ذوي الإعاقة؟
أقر مجلس النواب قانون “حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة”، بغرض حماية حقوق ذوي القدرات الخاصة ودمجهم مع المجتمع وتأمين الحياة الكريمة لهم.
يلزم القانون الجهات الحكومية وغير الحكومية، بتقديم حُزمة من الخدمات المتكاملة، لذوي الاحتياجات في قطاعات، مثل:الصحة، والتعليم، فضلًا عن الالتزام باستخدام التكنولوجيا المساعدة في برامج: التعليم، والتدريب، والإعداد والتأهيل المهنيّ.
أرض الواقع
ومن جانبه، قال خالد حنفي جمعة، عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب، رغم إقرار القانون السابق، إلا إنّه هناك بعض الملاحظات من قبل الأشخاص على التطبيق على أرض الواقع في الحصول على هذه الحقوق، مما يشكل عبئًا على المواطنين في الحصول على الخدمة.
وأرجع “جمعة”، عدم تطبيق القانون إلى شيوع الحقوق المكتسبة بين أكثر من وزارة، مشددًا على ضرورة أن يكون هناك تنسيق بين كافة الوزارات المعنية لتطبيق القانون على أرض الواقع.
ابن وحيد
أحمد نجيب، مرشد سياحي، كفيف، ونائب المشرف على مدرسة الوعي الأثري للمكفوفين بالمُتحتف المصريّ، يقول: “دخلت مجال الإرشاد السياحي، عقب تنظيم المركز الثقافي المصري لمعرض عطور في مصر القديمة، والتدريب على وحات نحاسية بارزة لشرحها للأطفال المكفوفين”، مضيفًا: “شغلي كله معتمد على اللمس وأنا خايف”.
تسبب انتشار كورونا في إثارة وسواس انتقال العدوى داخل “نجيب”، مبررًا “عندي طفل صغير وخايف عليه”، ثم يزيد “دا ولدي الوحيد”.
النقود ليست في جيبي
معزوزة أحمد، تبلغ من العمر 80 عامًا، إحدى العاملات في مكتب رعاية وتوجيه المكفوفين ببرنشت في العياط جنوب الجيزة، تعتمد على عصاها في الاستدلال على عوائق الطريق، توقف العمل في المكتب لفترة، في ظل انتشار كورونا.
معزوزة تقول: “أخذنا مساعدات في بداية الأزمة، وبعدين انقطعت بعد شهر رمضان الماضي”، بنبرة حزن تضيف: “بعدين رجعت الشغل تاني رغم سنّي الكبيرة”.
تعادود حديثها: “موجودة بالمكتب وعمري 10 سنين، لكنهم عانوا خلال فترة انتشار كورونا من غياب جزء من دخلهم، لذا عادوا مضطرين للعمل، لجني قوت يومهم”.