يعد تجسيد السير الذاتية على الشاشة، من أصعب ما يمكن أن يقدم، وفي ذات الوقت هو من أكثر ما يميز حرفية فنان ومهارته، لكونه سيقع بشكل حتمي المقارنة بين الشخصية الحقيقة التي يتم تجسيدها والفنان المؤدي للدور، وتزيد صعوبة هذا العمل حين تكون الشخصية المُمثلة، هو شخص رآه الجمهور وارتبطوا به وعاشوا معه، مثل ما حدث مع أم كلثوم وتأدية مسلسها بواسطة صابرين.

وتزداد الحالة ترقب بتأدية شخصية سياسة وذكر “ما لها وما عليها”، مع وجود محبين وحلفاء ومؤيدين لها، ومعارضين بشدة، فيكون العمل في حالة انتظار بشكل قوي محاط بالترقب والخوف والتربص، والرغبة في التعرف أيضًا على انتماءات النجم الذي سيؤدي هذا الدور وهل سيظهر الشخصية بسلبياتها فقط، أم إيجابيها، أم سيكون هناك شيء من التوازن، هذا من الجانب السياسي، وعلى الجانب الفني هل سيؤدي الممثل الدور بشكل تقليدي وسيقوم برسم الشخصية على الشاشة شكلًا وموضوعًا، أن أنه سيكتفي بروح الشخصية التي يجسدها، وهذا ما وقف به النجم الكبير أحمد زكي، حين قرر أن يخالط الرؤساء في سيرتهم الذاتية ويقدمها على الشاشة.

أحمد زكي ابن تجربة جمال عبد الناصر

يعتبر أحمد زكي نفسه من أبناء تجربة ثورة يوليو 1952، ومن أصحاب حلم الرئيس الراحل جمال عيد الناصر، طبقًا لأنه عاش تلك الفترة الزمنية كاملة، ذائقًا من إنجازاتها، ومتجرعًا مرارة هزائمها كاملة، وكان هذا طبقًا لميلاده عام 1947.

ورغم أن جيل أحمد زكي كاملًا حلم بتحقيق الثورة لأغراضها، وأن تعم الاشتراكية البلاد ويتم التخلص من الاحتلال الذي عاشت به مصر سنوات، وتجرعهم في النهاية مرارة الانتكاسة، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يبغضوا عبد الناصر وحلمه، هذا على الجانب العاطفي.

أما على الجانب الفني، فكان الأمر مختلف تمامًا، فحين قرر “الإمبراطور” أن يخوض تجربة تجسيد الزعيم في مرحلة ما من عمر مصر وهي الـ3 أشهر التي سبقت تأميم شركة قناة السويس، تعرض للانتقاد والضغط، بسبب شعبية الزعيم الذي سيجسده، والذي عاش معه المصريين لسنوات يستمعون إلى خطاباته، ويتأثرون بها، مما وضعه في حالة من الخوف، ليقرر أن يستحضر للجمهور ما لم يشعروه به في زعيمهم، من إحساس بالخوف والرغبة في الانتصار والشجاعة من خلال نظارته على الشاشة وتقمصه لروح عبد الناصر وليس لملامحه وحركاته، لينجح في أن يقدم صورة ناجحة عن الزعيم عبد الناصر، تكسبه وتمنح صاحب التجربة الأصلي رصيد عند الجمهور.

ويكون أحمد زكي من خلال هذا العمل “ناصر 56″، أهم وأمهر من قدم شخصية الزعيم عبد الناصر على الشاشة، وأكسب تجربته فرصة للتفكر في إيجابيتها، رغم ما عانى منها من هزائم، وإحباطات وبغض فيها تكسير الحلم.

السادات .. الرئيس الذي اختار

كان لتجسيد شخصية الرئيس الراحل أنور السادات طابع مختلف، فهو من كانت لديه رغبة في البداية بأن يتم تجسيد رحلته على الشاشة وهو على قيد الحياة، وقد اختار لذلك ذات مرة الفنان شكري سرحان، ولم تتم التجربة على أرض الواقع وظلت محل رغبة الرئيس، وصناع الفن الطامعين في إظهار صورة زعيمهم على الشاشة.

وفي أحد الروايات على لسان الفنان أحمد زكي، قال إن الرئيس السادات هو من اختاره ليجسد شخصيته على الشاشة، بعدما شاهده في مسلسل “الأيام”، الذي قدم به مسيرة الدكتور الراحل طه حسين.

حيث آتى المخرج يحيى العلمي برسالة من الرئيس إلى أحمد زكي، طالبًا بها رؤيته، لأنه قال” يعمل شخصيتي ابننا بتاع الأيام”، وكان من المقرر أن يتم اللقاء بين الرئيس وبين الامبراطور، ليتوفى الأول قبل هذا اللقاء بعدة أيام.

لم يمت حلم تجسيد السادات من خيال أحمد زكي، رغم رحيله، ليزداد الأمر صعوبة، فبعد أن كان سيأخذ الحكاية من لسان صاحبها، بعد موته والأحداث السياسية، أصبح أمام حرية أكبر في أن يظهر الحقيقة كاملة للجمهور.

فرفض “الامبراطور” الكثير من السيناريوهات عن حياة الرئيس، لأن بعضها كان صاحب نظرية انبطاحيه للزعيم، والآخر معارض بشكل فج، وكان “زكي”، صاحب وجهة نظر في ذلك، بأنه لن يظهر صورة رمز من رموز بلاده بشكل فج، ولكنه سيرصد الأحداث بإيجابياتها وسلبيتها، قائلًا في أحد الحوارات” السادات له ما له وعليه ما عليه، ومن ينكر فضله في الحرب شخص جاحد”.

ليقدم أحمد زكي شخصية السادات، بنجاح كبير وبعذاب لذاته ولمن عمل معه في هذه التجربة، ولكنها ظهرت بالفعل كما عاشها أحمد زكي “كرئيس” وكمواطن.

وفي تجسيد أحمد زكي لهذا الدور، قال الناقد مجدي الطيب، أن تأدية أحمد زكي لدور الزعيم الراحل أنور السادات كان جيد على المستوى الفني وخدم الرئيس الراحل، فهو يعد الفنان الوحيد الذي قدم هذه الشخصية بحرفية، ولم ينجح أحد بعده في تأديتها، وأيضًا قدمه مسيرة الرئيس الراحل في مرحلة لم يكن هناك العديد من الانتقادات لها بها، فلم يخض في سلبياته بشكل كبير.

وأضاف الطيب أن أحمد زكي ابن تجربة “عبد الناصر”، كاملة ورأى من هزائمها الكثير، ولكنه استطاع أن يفصل ذلك ويقدم تجربة يشهد الجميع بكفاءتها.

انتقادات زكي لرئيسه

رغم إظهار أحمد زكي لشخصية السادات بإيجابية على الشاشة، ورصد قليل من الواقع السلبي الذي حدث في البلاد إبان حكمه، إلا أنه كان من أكثر المنتقدين لهذا العصر على الشاشة، وبشكل لاذع، فوجدنا أحمد زكي هو بطل فيلم “البرئ” الذي هاجم نظام حكم السادات بشدة والظلم الذي تعرضت له البلاد في عهده، وما حدث في السجون من تعذيب حينها.

كما أنه كان ضابط المباحث الوصولي الطامع في المناصب في “زوجة رجل مهم”، والذي انتقد ظلم عهد السادات أيضًا وطريقة معالجة الدولة لمظاهرات 17 و18 يناير عام 1977.

أحمد زكي والحلم الأخير الذي يكلل بالنجاح

كان حلم أحمد زكي الأخير في مسيرة الرؤساء هو أن يجسد شخصية الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، ولكن هذا الحلم أعلن عنه في حياة الأول، وكان ذلك بعد أن جسد شخصية سابقه “السادات”، وشجعه على ذلك هو حصوله على جائزة من الرئيس حسني مبارك، عن دوره في “أيام السادات”، ومنحه وسام العلوم والفنون عن هذا الدور.

وكانت هناك رغبة منه أن يجسد شخصية “مبارك”، ولكن لم تسعفه الأيام لتقديم الشخصية الرئاسية الثالثة في مسيرته ليتوفى قبلها.

ورغم أن أحمد زكي كانت لديه الرغبة في أن يقدم شخصية الرئيس، إلا أن هذا لم يمنعه من أن يقوم بانتقاد سياسته بصورة قوية وصريحة العديد والعديد من المرات، وظهر هذا جليًا في فيلم “معالي الوزير” عام 2002، الذي هاجم فيه انتقاء الوزراء، وفساد الحكومة في الألفينات، كما قدم فيلم “ضد الحكومة” عام 1992، والذي نادى فيه بمعاقبة الوزراء الفاسدين والذين يتلاعبون بأرواح المواطنين.

وكان من الأفلام المهمة هو “البداية”، الذي ناقش فيه برفقة المخرج صلاح أبو سيف، الديمقراطية في البلاد، وكيف يتعامل الحاكم مع رغبة المواطنين في تداول السلطة، وكان فيها انتقاد لاذع للحياة السياسية في مصر.

وعن تقديم أحمد زكي للأعمال التي انتقدت الحكومات، قال الناقد الفني طارق الشناوي:” أحمد زكي استطاع أن يحقق توازن الميزان خلال مشواره الفني، فمع انتقاده لسياسات الحكومات والرؤساء التي عاصرها خلال حياته الشخصية والمهنية، نجد أنه أيضًا استطاع إرضاء الرؤساء الذين هاجمهم فنيًا، بتقديم لسيرهم الذاتية بشكل حرفي فنيًا و تقنيًا، فلم يظهر العيوب الكاملة والانتقادات اللاذعة خلال الأعمال الخاصة بهم سواء في ناصر 56 أو أيام السادات، ولكنه قدمها كاملة في أعمال آخري”.

وأضاف “الشناوي” أنه يمكننا أن نطلق على أحمد زكي رجل السينما والانتقاد، الذي لعب على كل الحبال فكسب الشعب بأفلامه الشعبية التي انتقدت السياسات، وكسب الرؤساء أثناء حياتهم ليختاره السادات ليجسده، ويكرم مبارك ولم يمانع في تقديم حياته على الشاشة.