“الاحتفالات بالعيد تغيرت وبهت لونها في الحاضر،لا أشعر بالأعياد ألا عندما يخبرني أحدهم، يأتي حفيدي ليخبرني بأن أحضر العيدية فأعلم بأن هلال العيد اقترب، هكذا تمر الأيام وينتهي العيد كما جاء في هدوء”… هكذا تري ” عايدة” العيد هذه الأيام.

تأخذ “الحاجة عايدة”، كما تحب أن يلقبوها، عدة أنفاس ثم تبدأ في تحضير فنجان قهوتها الصباحي، التي تنناولها في السابعة صباحًا أمام نافذة غرفتها،حيث تشارك مسكنها في منطقة المنيل، مع نجلها الوحيد وأحفادها الثلاث،ثم تبدأ في سرد حكايات “عيد زمان”، بحسب قولها، لحفيدها الأكبر، ذا العشر سنوات،”جيلهم ماشفش حاجة من حلاوة الأعياد”.

“بيت الجيران”

وتسكتمل “عايدة” حكاياتها عن “أعياد زمان” وكأنها تبصرها، حيث تروي أن تحضيرات العيد كانت تبدأ قبلها بأيام، لاسيما عيد الفطر، حيث تجتمع سيدات العمارة الواحدة كل يوم في شقة أحد الجيران، لعمل البسكويت والكحك ولوازم العيد، “كل يوم كأنوا عيد، الأولاد كانوا بيبقوا فرحانين أكتر مننا، صوت ضحكنا وأغاني العيد خارجة من كل شباك في الحي”.

أما مع قدوم عيد الأضحي قتنتقل الجلسة أو “اللمة”، بحسب قولها، إلى سطح العمارة، مع “وبوار الجاز” والصواني الألومنيوم،لصنع الرقاق والقرص، فكل واحدة تعرف مهتمتها، وأيديهن تعرف طريقها لم يقمن بفعله، حيث نجلس نتبادل الضحكات والأحاديث المختلفة، و”في ليلة العيد كل واحدة بتنطف شقتها ونتجمع في بيت واحدة فينا بعد الساعة 12  بليل بالتسالي والترمس لغاية صلاة العيد”، بحسب “عايدة”.

الاحتفال بالعيد

من المنيل للجيزة، لا تزال “لمة الجيران”، هي سر حكايات الجدات عن “أعياد زمان”، حث تشارك “تيتا فاطمة”،65 عامًا،ذكرياتها بشأن تحضيرات الأعياد مع أحفادها البنات، والتي لا تمل من سردها عليهن عشرات المرات،”بعد صلاة العيد لازم نفطر عند بيت واحدة في الجيران،وكل واحدة عليها تجيب حاجة،وآخر النهار نعمل السندوتشات ونروح الفسطاط أو القناطر الخيرية، ونرجع تعبنين من الضحك والانبساط”.

وتضيف “فاطمة”، بأن أكثر ما يميز أعياد زمان هي “اللمة”، سواء الجيران أو العائلة،”بيوتنا كلها كانت مفتوحة لبعض، مفيش فرق بين واحدة والتانية أو مسلم ومسيحي، إخواتنا المسيحين كانوا بيعدوا معانا ويعملوا كحك وبسكويت ويشتروا لعيالهم لبس جديد وفي عيدهم كانوا بيعملولنا الطعمية والفول النابت ونفطر سوا”.

“أهلا بالعيد”

“أغنية “أهلا بالعيد” بصوت صفاء أبو السعود، ومعايدة الأهل لبعضهم البعض، من الطقوس الذي بدأت تندثر”، بحسب “تيتا وفاء”، التي تؤكد أن الاحتفالات بالأعياد في السنوات الماضية أفضل وأجمل بكثير من الآن، “كل حاجة كان فيها بركة، دي حتي الهوا في العيد كان له طعم تاني”.

وتشير “تيتا وفاء” إلى أن من بين الأشياء الهامة التي اختفت من احتفالات الأعياد الآن، هو “الفرحة”، موضحة أن في صغرها كان تسكن مع أهلها بأحد قري المنصورة، قبل الزواج، فبمجرد مرورك من القرية تشعر بالعيد، “هو فستان واحد بس بألوان مختلفة ومبهجة، ولازم الكرانيش، ومن بعد الضهر لغاية آذان المغرب القرية كلها بتلف تعيد علي بعض، طبق البسكويت والكحك لازم البلد كلها تدوق منه، بس دلوقتي أنا بستغرب الهدوء الي في الشوارع، واقعد أسأل أحفادي “هو العيد جه !”.

وفي بيت آخر بمحافظة الأقصر، كان منزل الجدة “أم صابر” رغم صغر حجمه يمتلئ بأحفاد وأبناء العائلة كلها، فهي الجدة الكبري ورأس العائلة، حيث اعتاد الأبناء علي أن يتجمعوا بمنزل والدتهم في أيام الأعياد، يأكلون ويفترشون الأرض عند النوم، لكن مع الوقت بدأت الزيارات تقل حتي في الأعياد،”آخر عيد كنت لوحدي، حفيدي الكبير قعد معايا خمسة دقايق ومشي،العيد بالنسبة للجيل الجديد إجازة من الشغل مش أكتر، ميعرفوش إنه لو بطلوا يحتفلوا بيه مش هيفرحهم”.

وتتابع “أم صابر” حديثها، متحسرة علي الأيام الخوالي، كما تلقبها، فمنزلها لم يكن يخلوا من الزيارات ولمة العائلة، فحلة الطعام كانت تكفي أكثر من عشرين شخص، وكان كلما أخذ منها تزيد، فيبدو أن تلك هي البركة التي دائمًا ما نسمع عنها من والدينا، ولكن أحفادنا لا يعرفون عنها شئ.

العيد

“تحضيرات العيد”

“مازالت أخرج الشراشف والستائر المخصصة للأعياد،وأمر بناتي بتغير الأثاث وديكور الشقة، وومازلت احتفظ بشريط أغاني العيد، الذي صنعه زوجي مخصوص في أول عيد بعد زواجنا، وهو ما يثير سخرية بناتي ويصفونني بـ”دقة القديمة”، لكنهم لايعلمون أن هذه الأشياء البسيطة هي ما تشعرني بأعيادهم التي لا طعم لها”،بحسب ميرفت، الجدة السبعينة.

وتذكر “ميرفت” نصائح والدتها لهما، في منزلهم في محافظة المنوفية، حيث كانت تؤكد علينا دائمًا أنا وإخواتي البنات، بأن  باب المنزل في الأعياد لا يصح أن يغلق، فحتي إذا جاء أحد غريب يجب مضايفته في الأعياد، حيث طبق البسكويت والكحك ممنوع أن يفضي وإذا حدث يتم معاقبتنا جميعًا.

تضيف : أن منذ وقت قريب كانت تسير علي خطي والدتها، حيث تجمع أشقائها وأحفادها في منزلها، قبل العيد بأيام، لتحضير البسكويت والكحك، “صنية واحدة تجمع أفراد العائلة في بيتنا، وبعد الانتهاء أقوم بمهمة التقسيم، بما أنني أكبر الأخوات سنًا، “كل واحد يأخد منابه”،متابعة أن رغم تعبها في السنوات الأخيرة إلا أنها كانت حريصة علي ذلك، فيكفيها فرحة الأطفال والأحفاد وهم ينقلون الصواني من الفرن للمنزل،بحسب قولها، ولكن مع مرور الوقت أصبح الأحفاد هم من يتهربون من جلسة التحضيرات، والتي كانت أخرها منذ أكثر من سبع سنوات، والحجة “مشاغل يا تيتة”.

 

“كورونا والعيد”

ويبدو أن اشغال الحياة ومشقاتها ليست هي فحسب التي قتلت فرحة الأعياد في عيون الجدات والأحفاد، حيث جاءت أزمة فيروس كورونا وما تبعها من إجراءات حظر  وإغلاق كامل، لتزيد من فجوة التبعاد بين أفراد العائلة الواحدة، وتصبح وسائل التواصل الاجاتماعي هي الملاذ الأمن للكثيرين، ذلك قبل بدء تخفيف الإجراءات وتطبيق الحكومات خطة “التعايش مع كورونا”.

“قبل بدأت أشهر جاءت ابنتي لتخبرني بانتشار فيروس معدي وينتقل عبر التلامس والهواء ويجب الحذر وتقليل الزيارات، والعوض عنها بمكالمات الفيديو، والتي علمتني كيفية تشغيلها لتواصل مع أحفادي، حيث يقيمون في محافظة آخري،حتي مع قدوم عيد الفطر المبارك شاهد أحفادي وهما بثياب العيد عبر شاشة الهاتف، لكن رغم ذلك كنت سعيدة برؤيتهم”،هكذا عبرت “الحاجة عواطف”، ذات الـ 72 عامًا، ومقيمة بمحافظة الإسكندرية .

ولكن لا يجب اللوم علي الفيروس، فكثيرًا ما كان أحفادي يخلفون عن زيارتي في الأعياد، لبعد المسافة أحيانًا ولانشغالهم بأمور أخري أحيانًا أكثر، وتقول “عواطف” بأن في آخر عشر سنوات تقريبًا بدأت لا تشعر بزيارات أحفادها رغم تواجدهما في نفس المنزل، فكل منهم منشغل بهاتفه وأصدقائه، فأجازة الأعيادبالنسبة لهم فرصة للنوم وسهر لوقت الفجر،لا أكثر، فاحتفالات الأعياد علي أيامهم بهت لونها.

دراسات : الأجداد الأكثر تأثيرً

علي جانب آخر، أفاد العديد من الدراسات الحديثة، بأن الأجداد، وخاصة الجدة، لها تاثير مباشر في توجيهات الأحفاد وطباعهم، وما يزكيه حب الأجداد غير المشروط لأحفادهم،وبحسب المختصن وعلماء النفس والاجتماع ،فأن نسبة الشعور بالأمان لدي الأحفاد تصل ذروتها مع الأجداد، فهم يطيعونهم ويستمتعون بالجلوس معهم .

وتقول أمل الجندي، استشاري الطب النفسي،بأن علاقة الأجداد بأحفادهم من أقوي العلاقات الاجتماعية علي الإطلاق، بحسب دراسة للجمعية الأمريكية،فالتواصل الأجيال يكون في صالح الطرفين صحياً ونفسياً، بل يقوي جهاز المناعة،فهم يمثلون رمز الحكمة والعقل السديد بالنسبة لأحفادهم، حيث يصدقون كل ما يوجهه إليهم الأجداد.

وتضيف “الجندي”، بأن عندما يكبر الأحفاد، لاسيما ذا كانت العلاقة بينهما قريبة، يكون الأجداد هم كاتمي أسرارهم، فغالباً ما يقوم الجد بدور الصديق للأحفاد خارج المنزل، بل في كثير من الأحيان يكون “باتبا نويل”، الذي لا يرفض لهم طلبًا، وهو ما من أسباب ثقة الأحفاد بأجدادهم.

أما بشأن رويات الجدادت ووجهة نظرهم عن الأعياد في الوقت الحاضر، فتشير استشاري الطب النفسي، بأن الأمر يرجع لفوارق السن والتطورات الاجتماعية، فالأشياء البسيطة التي كانت تضيف بهجة بالنسبة للأجداد في الأعياد كلمة العائلة وتجمع الجيران أصبحت لا تثير نفس الشعور بالنسبة للأحفاد،ذلك بجانب صعوبة الظروف الاقتصادية والاجتماعية وزيادة نسبة التكلفة في المعيشة.