“ابن تيمية، حسن البنا، محمد عبد الوهاب”، 3 أسماء، نقشت حروفها داخل عالم التطرف، لعقود طويلة، ربما دون قصد، وربما بنية مبيتة، لينتهى بهم الأمر باعتبارهم قبلة المتطرفين وطريق المتشدّدين، وغاية المتلهفين للدماء.

هم لأتباعهم المعصومون من الخطيئة، والمنزهون عن كل معصية، ولمنتقديهم نبتة التشدّد وآلات الدم، يدور الجميع فى محرابهم، أما رافضًا وأما تابعًا، وفي سطورنا القادمة، نبحث في تفاصيل، هؤلاء الأئمة، وكيف كانت حياتهم؟، ولماذا رفعوا رايات العنف، وفتحوا للإرهاب مناكب عدة؟.

ابن تيمية الإرهابي بـ”الصدفة”

فى العصر الحديث ارتبط اسم “ابن تيمية” بالإرهاب، فهو المتهم بـ”تقديم صكوك المغفرة لزاهقي الأرواح”، و”نصوص العفو لقاتلي الأنفس”، وحرائر الجنة لـ”أباطرة الدم”.

لم يكن أهالي مدينة حران، يظنون أن الطفل تقي الدين أبو العباس أحمد، الذي ولد ونشأ بينهم عام 1263، سيكون قٌبلة التطرف والعنف لمئات السنين.

كانت نشأة ابن تيمية، معتمدة على أصول المذهب الحنبلي، المعروف عنه التشدّد في أحكامه، إذ كان جده” مجد الدين” من أئمة هذا المذهب، بينما كان والده يعمل بالتدريس في المسجد الأموي، وكان يملك كرسيًا بجامع دمشق، ثم درا الحديث التي ورث مقعده فيها “ابن تيمية”، وأصبح شيخًا فيما بعد.

عمل ابن تيمية في تعليم القرآن الكريم، وتدريس الفقة والتفسير، وهو بعمر الـ 17، وبعمر الـ 22 توفى والد، ليُعين “ابن تيمية” فقيهًا لـ”الحنابلة” وانشئ منبرًا خاصًا به بالمسجد الأمويّ، وكان يعطى به دروسًا دينية عقب صلاة العصر، الأمر الذي توارثه السلفيون عنه واتخذوه سُنّة لهم.

شاءت الأقدار أن يظهر “ابن تيمية”، في الوقت الذي أعلن فيه انتهاء دولة الخلافة، وانتشار علوم الفلسفة، الأمر الذي أنكره “ابن تيمية”، ورفع رايات “الجهاد ضد التتار” الذين جابوا الأرض يمينًا ويسارًا.

طاف “ابن تيمية” بين ملوك وأمراء الدول العربية لمقاتلي التتار والجهاد ضدهم، ومن هنا كان اهتمامه بـ”فتاوى الجهاد ورفع السيف”، حتى أنّه افتى بـ”إفطار الصائم المقاتل” أمام المغول، وهي الفتاوى التى اُستخدمت فيما بعد في غير مواضعها.

سُجن 7 مرات، 4 منها كانت فى مصر، و3 في دمشق، لأفكاره التي كان يدعو لها، وخلافه مع الصوفيون، وتحريمه زيارة قبر النبي محمد، وتحريمه زيارة قبور الأولياء والصالحين.

لم يتزوج ابن تيمية طوال حياته وقضى أيامه رافعًا راية التفقه في الدين، والجهاد ضد التتار

ارتباط اسم ابن تيمية، بالإرهاب والتشدّد، جاء بالصُدفة، من خلال شخص يُدعى نبيل البُرعي، إذ وجد على “سور الأزبكية” كتيب صغير يحمل فتاوى “ابن تيمية” والتي كانت تتركز حول “الجهاد”، لظروف “الحرب ضد التتار”، فاستخدم البُرعي تلك الفتاوى وكون على أساسها أول جماعة جهادية، في العام 1985، ثم توارث تلك الأفكار السلفيون المتشدّدون، أمثال: أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري.

أطلق ابن تيمية عبارة: “يستتاب فإن تاب وإلا قٌتل”، في العديد من أطروحاته، إذ بلغ ذكرها 400 مرة، وهي العبارة التي تحولت فيما بعد لـ”صك” إباحة هدر الدماء، للمخالفين لعقيدة التشدّد.

كان لـ”ابن تيمية” العديد من عبارات التطرف والعنف، والتي ظهرت في كراهيته لـ”الفلاسفة” الذين انتشروا في عهده، فقال عنهم: “هؤلاء أفسدوا على النّاس عقولهم وأديانهم، وهم يكثرون ويظهرون فيما يناسبهم من الدول الجاهلية كدولة القرامطة ودولة التتار”، كما قال أيضًا: “كفار اليهود والنصارى أشرف علمًا وعملاً من الفلاسفة”، فيما وصف “الفلاسفة المسلمون” بـ”مصدر رزق للزندقة”، وقال:” يوجد فلاسفة منتسبون للإسلام، ولكنّ ليس للإسلام فلاسفة”.

“غير المؤمن يجب محاربته وإنّ أحسن إليك كما يجب إهانة مقدساته”.. ابن تيمية

وكان للمتصوفة نصيبًا من هجوم ابن تيمية، إذ اعتبرهم يلجأون للخرافات، ولا يستندون على المرجع الأساسيّ والوحيد وهو القرآن الكريم، وقال عنهم إنهم غير مؤمنين بالله، ولا برسله ولا باليوم الآخر.

اعتبر ابن تيمية، الأشاعرة أقرب المذاهب لأهل السُنّة والجماعة، واعتبر المعتزلة والرافضة من “أهل البدعٍ”، أما الصابئة فقد اعتبرهم مبتدعين للشرك، فصاروا مشركين.

ونقل عنه الباحث رائد السمهوري، العديد من العبارات المتشدّدة في التعامل مع الآخر، منها قوله: إن الكافر، هو من لم يؤمن سواء وصلته رسالة الإسلام أو لم تصله، وسواء كان مكذبًا لها، أو شاكًا، أو مترددًا، أو معرضًا، وجميع هؤلاء تطبق عليهم أحكام الكافر في الدنيا والآخرة”.

كما قال: “يجب محاربة الكافر في حياته، وأمواله، وما إلى ذلك”، وقال: “غير المؤمن يجب محاربته، وإنّ أحسن إليك، كما يجب إهانة مقدساته”، وذكر أيضًا: “كل من يعتقد أنه حر فيما يؤمن به، هو كافر، إذ لا يجوز للأديان أن تكون فكرًا، فهي وحي من الله”.

أصيب “ابن تيمية” بـ”المرض”، وعقب وفاته ودفنه في دمشق، بيعت عمامته بـ 500 ألف درهم، وقبل وفاته لٌقب بـ”شيخ الإسلام”.

 

محمد بن عبد الوهاب.. “عراب السلفيين”

في صفحات التشدّد، كان لـ”محمد بن عبد الوهاب بن سليمان”، مؤسس الفكر الوهابيّ العديد من: الفصول، والحكايات، والقصص، التي بدأت بأول تحالف بين “السيّاسة والدين”، وانتهت بـ”إباحة الدماء” و”انتشار العنف”.

نشأ “بن عبد الوهاب” المولود في 1115 هجريًا بمنطقة نجّد، وسط أسرة متدينة، كان والده قاضيًا متبعًا لـ”المذهب الحنبلي”، وكما نشأ “ابن تيمية” بين والفلاسفة، وجد “بن عبد الوهاب” نفسه أمام أهل نجد المحبين لـ”الصوفية”، وهو ما رفضه واصفًا أهل مدينته بـ”الجهل”، و”الخروج عن الإسلام”.

سافر “بن عبد الوهاب”، مع والده في حريملاء ثم عمل على دراسة “العلم والحديث”، فتوجه إلى المدينة والبصرة والحساء، وحاول السفر للشام، ولكنّ تمت سرقته فعاد إلى حريملاء، وهنا بدأ دعوته بـ”نبذ الصوفية”، والتبرك بـ”الأضرحة”، فأجبره والده على التوقف عن الدعوة، وعقب وفاة والده، عاد لدعوته من جديد.

وبدأت دعواه في “الأمر بالمعروف”، و”النهي عن المنكر”، وهي القاعدة التي من خلالها كان يتدخل في حياة النّاس، ويرفض أي ممارسات تتعارض مع أفكاره، الأمر الذي توارثه السلفيون اتباع المذهب الوهابيّ، فيما بعد، وبدأت هوجة هدم قباب الأضرحة، وقطع الأشجار التي يتبرك بها العامة، وانتشرت الخلافات بين الأهالي.

عقب استشعار الخطر من وجود محمد بن عبد الوهاب بحريملاء، طُرد منها، ليتوجه إلى العيينة، واستقبله أميرها بـ”الترحاب”، وسُمح له بـ”نشر دعواه”، الأمر الذي رفضه حاكم الأحساء، وهدّد أمير العيينة بقطع المعونة عنه.

توجه محمد بن عبد الوهاب، إلى الدرعية، حيث كان التحالف الأول بين “الدين والسياسة”، من خلال الأمير محمد بن سعود، والذي كان يتطلع لإقامة الدولة السعودية، وبالفعل تعاهد الطرفان على مساعدة بعضهما، أن ينشر “بن عبد الوهاب” مذهبه بـ”حرية” ويمنح  “بن سعود” الغطاء الدينيّ، بينما يوفر “الأخير” لـ”بن عبد الوهاب” ظهيرًا سياسيًّا، يضمن عدم طرده من جديد، فيما اشترط “بن سعود” على “بن عبد الوهاب”، عدم التدخل في الضرائب التي يفرضها على أهل الدرعية، ووافق الأخير.

اعتبر بن عبد الوهاب  أهل السُنّة هم التابعين له وما دون ذلك كفار وضآلين

وبدأت رحلة “بن عبد الوهاب” في نشر فكرته، تحت شعار: “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، ووفر الغطاء الدينيّ اللازم لـ”ابن سعود”، من خلال تحريم “الخروج عن الحاكم”.

أعلن بن عبد الوهاب الحرب ضد المتبركين بـ”قبور الأضرحة”، في الوقت الذي كان يطمح فيه “بن سعود” بتكوين دولته، ونشبّت الحرب في شبه الجزيرة العربية، ومن أبرزها: غزوة كربلاء، والتي قٌنل فيها اتباع “عبد الوهاب” أهل المدينة، واستولوا على امتعتهم، وانتشرت الحرب في الطائف، والبصرة، وغيرهما.

شعر السلطان العثمانيّ، وقتها بـ”الخطر”، فأمر بـ”مواجهة الغزاة”، وشنّ محمد علي باشا، حربًا ضد “بن سعود” واتباع “بن عبد الوهاب”، لتنتهى الدولة السعودية الأولى، بهزيمة “بن سعود”.

اعتبر “بن عبد الوهاب” أهل السُنّة هم التابعين له، وما دون ذلك “كفار وضالين”، مثل: الأشاعرة، وكان يبيح أموالهم، ودمائهم، وأعراضهم.

وقال “بن عبد الوهاب”: “تفرقة المسلمين نابعة من جنوح بعضهم إلى الطرق الصوفية”، كما يرى المذهب الحنفيّ انحراف عن تطبيق الشرع، فيما حرم الموسيقى، والرقصة، والشعر، والزينة، والغناء، بخلاف تنفيذه للحدود، مثل: حدا السرقة، والزنا، والقصاص من القاتل، كما رفض تسمية حركته بـ”الوهابية”، وإنّما هي دعوة سلفيّة، تتبع خُطى السلف الصالح.

توفى محمد بن عبد الوهاب، عام 1206، بعد أن أنجب 7 أبناء، تاركًا إرثًا من: التكفير، والتشدّد، والعنف سائدًا حتى يومنا هذا.

حسن البنا.. “الصنم الناطق للإخوان”

خلف كل متطرف يقف هدف، ولدى مستغلي الدين أحلام خاصة يسعون لتحقيقها.

وكان حلم الوصول لـ”السُلطة”، يراود زعيم جماعة الإخوان ومؤسسها حسن البنا، الذي لم يكتفى بـ”التقرب من صُناع القرار”، كما فعل “بن عبد الوهاب”، ولكنه سعى ليكون صانع قرار يمتلك السلطة، والقوة والحكم.

“نستخدم القوة عندما لا يجدي غيرها”.. حسن البنا

ولد حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا الساعاتى، بالجيزة، لوالد متدين وعالم في الحديث، فيما تأثر الابن بـ”الفكر الصوفيّ”، وتقرب من شيخ الطريقة الحصافية الشاذلية، والذي لعب دورًا كبيرًا في تكوين شخصيته.

ظهر حب السُلطة والعمل التنظيميّ، وفقًا لحركات تنظيمية، ما جعله يشارك في إنشاء العديد من الجمعيات، منها: جمعية الأخلاق، وجمعية منع المحرمات، وجمعية الحصافية الخيرية، ومكارم الأخلاق الإسلامية، وكان هو وزملاؤه يتجولون على المقاهى وبالجامعات، ويقدمون لهم النصح والإرشاد عبر جمعية محاربة المنكرات، وكانوا يفرضون أفكارهم ويعتبرون غير المؤمن بها خاطيء.

واستمر هكذا حتى تبلورت لديه فكرة تكوين جماعته الخاصة تحت لواء: “نصرة الإسلام”، أثناء دراسته بكلية دار العلوم، حيث عمل مدرسًا بالإسماعيلية، إذ استمر عمله بالتدريس 19 عامًا، قبل أن يتركه للتفرغ بالعمل في مجلته، ثم تكوين جماعة الإخوان.

أسس جمعية الإخوان المسلمين بالإسماعيلية، ثم انتقل للعمل بالقاهرة، حيث أسس لفكرة الجماعة التي اعتمد فيها على تكوين تابعين بداية من الفرد ثم الأسرة، ثم المجتمع، ثم الحكومة، لإحكام السيطرة وفرض الحكم الإخواني.

اعتمد “البنا” على العواطف في استقطاب اتباعه، وأطلق على نفسه لقب “المرشد”، كناية عن إرشاده للمسلمين لطريق الهداية، مدعيًّا أنّه جاء وجماعته لإعادة الإسلام، واختار “البنا” سيفين شعارًا لجماعته، لإثارة الحماسة، وتأكيد فكرة استخدام القوة لـ”نصرة الدين”، فكان السيف الأول يشير  إلى مواجهة من يقفون أمام أفكاره بالداخل، والسيف الثاني يشير للخارج في تكوين دولة الخلافة.

لم يؤمن “البنا” يومًا بـ”الأحزاب”، أو “الديمقراطية”، ولكنّه آمن بالقوة المنظمة، فى فرض جماعته والوصول للسلطة، ومن أقواله: “سنستخدم القوة عندما لا يجدى غيرها، وسننذر أهلها قبلها، وسنكون شرفاء ونتحمل النتائج”، كما قال: “سأكون 12 ألف وأخوض بهم لجج البحار، وافتح عنان السماء، وأقاتل كل عنيد جبار”.

سعى “البنا” للتشكيك في أي دعوة سوى “الإخوان”، وكان كارهًا لـ”السلفيّة”، رغم محاولة استقطابه لها، وقال: “موقفنا من الدعوات المختلفة التي طغت في هذا العصر، وفرقت القلوب، وبلبلت الأفكار أن نزنها بميزان دعوتنا”.

وسعى مؤسس جماعة الإخوان، لتشكيل كيان حي مترابط، اقتصاديًا، واجتماعيًا، حتى يصعب تفكيكه، حتى أنه عُرف عنه عندما أقبل على الزواج، تعمد معرفة شجرة العائلة الخاصة، بزوجته حتى القرابات البعيدة لضمان ولائهم.

وظل “البنا” يقدس من نفسه باعتباره مرشد جماعته، حتى صار صنم “عجوة” لا يسمح بـ”الاقتراب منه”، وأسس لحكم المرشد داخل الجماعة، والذي استمر حتى اللحظة.