الصراع على المياه، في الأصل هو صراع على الوجود واستمرار الحضارات وبقاء الشعوب على قيد الحياة، ويُعد أحد الملفات الشائكة والحيوية، لذا بدأت عدد من المراكز البحثية تفرد لها دراسات مُتعمقة، فنشر المركز الديموقراطي العربي، دراسة تحت عنوان “أخطر 5 سنوات في تاريخ الصراع بحوض النيل”.
الدراسة التي اعدها أعدها محسن رمضان الكومي باحث دكتوراة في الثقافة الإسلامية، تُجيب عن سؤال شائك من خلال البحث في السنوات من 2011 حتى 2015، وهو ” هل ستكون إثيوبيا حارسة إسرائيل على النيل؟”.
تُعد الفترة من 2011 حتى 2015، الأخطر في تاريخ صراع حوض النيل، إذا بدأ خلالها تشكيل الملامح فعليًا، وهو ما يحدث الآن على ساحة منطقة حوض النيل من ارتباك وحدة للتوترات بل والإصرار المتعمد للابتعاد عن المفاوضات وعدم توفير مناخ آمن لإنجاحها بما يحقق مصالح دول حوض النيل الثلاث “مصر والسودان وإثيوبيا”، حيث سعى أحد الأطراف على فرض إرادته دون الاستماع لباقي الدول، تلك الفترة الخطرة في مسار الأحداث التي بدأت خلالها إثيوبيا بتجميع أصوات حوض النيل حول اتفاقيات إعادة توزيع مياه النيل وانتهت بإعلان مبادئ الخرطوم عام 2015، وتمحور الخلاف عقب هذه الفترة على سنوات ملء السد وليست مشروعية وجوده، الخمس سنوات الحرجة هذه تكمن بداخلهم الإجابة على العديد من الأسئلة والتي منها أسباب تحول الموقف الأثيوبي والقوة الخفية التي مكنت إثيوبيا من التعامل على هذا النحو، محاولة منها في فرض إرادتها دون النظر لغيرها من الدول، وهي ذات القوة التي جعلت إثيوبيا تراوغ طوال الوقت، دراسة هذه السنوات على وجه التحديد تجعلنا نقف على حقيقة الدور الإسرائيلي في الداخل الأثيوبي، وما إن أمدت إسرائيل أثيوبيا بالدعم والاستشارة في هذا الملف.
عرفت الدراسة، الفترة من 2011 حتى 2015، بأنها أدق وأخطر فترة في تاريخ الصراع، لسرعة تبدل المواقف، والتي خُتمت بإعلان المباديء الذي ساهم في تقويض فُرص التغيير المصري للواقع، كما عمدت إلى إثبات التدخل الإسرائيلي في معادلة الصراع، وتوصلت إلى أن إقامة السد أساسًا يخالف تلقواعد والقوانين الدولية، مُظهرة المماطلات الأثيوبية المتعددة والتي تهدف للتضييق على مصر والسودان، والتحكم في مصادر المياه لديهما، وتعد اتفاقية “عنتيبي” نموذجًا من هذه المماحكات.
فرضيات الدراسة، تمثلت في اعتبار الفترة الزمنية من 2011 إلى 2015 كأخطر حقبة في تاريخ الصراع على حوض النيل، لأنها أعطت لأثيوبيا قوة ساعدتها في إتمام مشروعها المائي ومكنت لنفسها دون استخدام سلاح أو مجهود عسكري، وهو ما لم تكن تملكه سابقًا على مدار زمن الصراع في حين أن موقف مصر تآكل، وأصبح هشًا لدرجة القبول بالأمر الواقع كأضعف فترة من فترات زمن الصراع ، وأن اليد الإسرائيلية والعقل الصهيوني يدير لأثيوبيا ملف السد ويرسم خطواته، فضلًا عن أن إعلان المبادئ الموقع بين مصر وأثيوبيا والسودان بالخرطوم في عام 2015 قد أضاع الحقوق المصرية السودانية وأضعف الموقف التفاوضي لكلاهما وجاءت محاور الدراسة على النحو التالي:
تاريخ الحضور الاسرائيلي في ملف النيل
أنشودة إسرائيل التي تتغنى بها “من النيل للفُرات”، وهو الحلم الذي ظل يراود حكوماتها للوهلة الأولى من وجودها في المنطقة العربية، ولن يكون هناك منفذ ليعلو صوت هذه الأنشودة قبل التواجد في أفريقيا من خلال دول حوض النيل بموقعها المتميز سعيًا وراء الأحلام المنشودة والأطماع المرجوة من هذه المنطقة، وانطلقت هذه الأحلام إلى أرض الواقع مع انطلاق أول اجتماع لهم عام 1897 في مؤتمرهم “بازل” ، والذي كان من أهم نتائجه إقامة المنظمة الصهيونية العالمية بقيادة تيودور هيرتزل الذي نجح في الترويج لفكرة العودة إلى فلسطين، وبالفعل نجحت المنظمة في لم الشتات من كل البقاع درجة أن مؤتمرهم السادس في عام 1903 بلغ عدد المشاركين 600 عضو وتفرعت الجمعيات الصهيوينة وتكاثرت لتحقق عدد 1.572 جمعية .
الدور الإسرائيلي في ملف النيل؟
ملف النيل كان حاضرًا بشكل دائم على طاولة النقاش من أول مؤتمر للصهيونية العالمية والتي شملت عدة ملفات فيه كان منها التحكم في مصادر النيل من خلال النظر إلى أفريقيا، خاصة أن أوغندا كانت من الدول المطروحة لقيام دولة إسرائيل إلى جوار فلسطين والأرجنتين وأن ملف النيل يعتبر مدخلًا لضمان الاستدامة الصهيونية في فلسطين، ولكن ظل ملف أوغندا بديلًا استراتيجيًا في حالة فشل المخططات بفلسطين وهو ما أدى إلى انقسام حاد وخطير في صفوف اليهود عندما عرض بالمؤتمر السادس، واعتبرت أوغندا مركزا مؤقتا فقط لتلبية الاحتياجات الانية لليهود ومرحلة للهدف الاسمى “فلسطين” مع التأكيد على استغلال اوغندا كمدخل للتحكم في القارة السمراء والتي أضيفت إليها أثيوبيا بعد ذلك بعد إعداد أمريكي إسرائيلي لتعلب دورًا إقليميًا بارزًا، خاصة مع ملف النيل و دول حوضه.
رصدت إسرائل، تقدير الصوت الأفريقي في المحافل الدولية وقدرته بتمثيل يساوي 31% من مجموع الأصوات بالجمعية العمومية لذا قررت الاتجاه نحو أفريقيا خاصة بعد رفض عضوية إسرائيل في مؤتمر “باندونج 1955” والذي عقد في أندونسيا بحضور رؤوساء دول أفريقية وآسيوية، والذي استمر لمدة 6 أيام، وعلى إثره نشأت حركة عدم الانحياز التي نادى بها الزعيم الهندي نهرو داخل المؤتمر ورفضت فيه عضوية إسرائيل والذي أصبحت به الأخيرة في عزلة تامة، فقررت أن ترفع معدل قبولها دوليًا فاتجهت إلى أفريقيا متغلغلة ومتسللة.
فتح مضيق تيران وخليج العقبة للملاحة الإسرائيلية، بعد عدوان الثلاث على مصر في عام 1956 في إطار تسوية مشكلات الاحتلال بسيناء مما ساعد على سهولة التواصل مع القارة السمراء نظرًا لوقوع جزء من مصر تحت السيطرة اليهودية، فتمكنت إسرائيل من إقامة علاقات دبلوماسية مع دول حوض النيل، منها كينيا، والكونغو، وأوغنداء، وبوروندي، وأثيوبيا ، وتنزانيا، ورواندا، حيث سجلت خرائط في أعوام 1961و 1962و1963، في إدارة الشؤون الأفريقية بمصر اتفاقيات عسكرية أخطرها كان مع أثيوبيا وبالتالي يسهل عليها التعامل مع أفريقيا ككل ولكن بعد “نكسة 67” ولقاء الصحوة الأفريقية والتعاضد التام مع مصر فقدت إسرائيل ما اكتسبته من علاقات دبلوماسية مرة أخرى.
استعداد إسرائيلي قبل اتفاقية “عنتيبي 2010”
تشابكت المصالح بين أثيوبيا وإسرائيل، حيث عولت الأخيرة على أثيوبيا كثيرًا لمحاولة السيطرة على مياه النيل فلم تكن اتفاقية “عنتيبي 14 مايو 2010” أولى المحاولات للتأثير على حصة مصر والسودان المائية، ولم تكن وليدة اللحظة فدعوة بعض دول النهر المتشاطئين والبالغ عددهم 11 دولة لرسم خريطة توزيع جديدة لمياه النهر هي نتاج سلسلة من الترتيبات في المنطقة والشحن الإسرائيلي الدائم والذي يهدف إلى إعادة التقسيم للمياه من جديد، خاصة بعدما رأت الدول الأفريقية وخاصة إرتيريا وأثيوبيا تطورًا ملحوظًا في الدعم الإسرائيلي لاقتصادها والذي بدأ في 1974 وعرض وقتها على الكنيست الإسرائيلي، لتبدأ ثمار التعاون تزهر وتعود العلاقات الأفروإسرائيلية مرة أخرى بعد اتفاقية كامب ديفيد لتنتهي عزلة إسرائيل أفريقيًا بعد أن استمرت فترة طويلة .
بداية الخيط والذي معه تحدد إسرائيل نسبًا من مياه النيل كانت بمقال تحت عنوان “مياه السلام” للكاتب اليهودي “اليشع كلي”، والمنشور بجريدة معاريف في 27 سبتمبر 1978م، إذ عرض في مقاله أنه على إسرائيل إذا أردات أن تواجه أيامها القادمة في التوطين لليهود ينبغي شراء المياه من مصر عبر أنابيب تمر تحت قناة السويس من رفح والعريش بطول 250 كم ليصل متوسط النقل 30 مترمكعب بالثانية لتوائم الزيادة السكانية من المهاجرين المتوقعة، وعلى إثر هذا المشروع الصهيوني والمسطر بمقال”كلي” تطلب إسرائيل في اتفاقية “كامب ديفيد” حصة تمثل 1% من نصيب مصر من نهر النيل، ولكن رفض الطلب صراحة خشية الضغط الشعبي المصري وخاصة أن اتفاقية “كامب ديفيد” أتت في ظل توتر عربي عزلت على أثره مصر لفترة من أشقاءها العرب، وعندها كان البديل جاهزًا تمثل في تقديم الرئيس أنور السادات فكرته البديلة وهي إنشاء ترعة السلام كخطوة أولى وأنه عرض مشروع توصيل المياه لسيناء، ومنه إلى القدس تحت مسمى “مشروع زمزم الجديدد” لنقل مياه النيل إلى رواد المسجد الأقصى، حيث أعلن ذلك في حديثه لمجلة أكتوبر في 16/12/1979 م ولكن قوبل هذا برفض شديد .
لم تتكاسل إسرائيل لحظة واحدة بل استمرت في الدعم لدول أفريقيا لإحياء فكرتها مرة أخرى عن طريق السيطرة على الدول الأفريقية والدعم الفني والاقتصادي، واعتمدت على تكوين اللجان من خبراء أمريكيين نيابة عن إسرائيل بعمل الدراسات والمشاريع المختلفة داخل أفريقيا، فقدمت مشاريع وصلت بمجملها إلى 23 مشروعًا مائيًا في عام 1992 بمفرده، وعلى رأس تلك المشروعات نقل المياه إلى سيناء ومن ثم يسهل نقلها إلى إسرائيل، بعدها سعت لاختراق تجمع “الأندوجو”، والذي نشأ من دعوة مصرية و تكوين دولي به “مصر والسودان وزائير وأوغندا وبوروندي ورواندا”، بهدف توفير موارد مائية لدول حوض النيل مجابهة للزيادة السكانية المتوالية، والملاحظ غياب كينيا وأثيوبيا عن التجمع، حيث تُمثل أثيوبيا أهم مصدر لمياه النيل حيث ينبع منها أحد عشر نهرا تغذي جميعها نهر النيل، وربما يكون هذ الغياب هو القشة التي اعتمدت عليها إسرائيل في تغيير المزاج الأفريقي العام .
نتائج الدراسة وتوصياتها
خلصت الدراسة، إلى أن التدخل الإسرائيلي في هذا الملف قديم ونابع عن الرغبة في التحكم بنهر النيل من خلال الدعم المستمر للملف الأثيوبي في محاولة لإحداث الفرقة المنتظرة بدول حوض النيل، واستغلال أثيوبيا للمشاكل في الداخل المصري، واتخاذ مواقف قوية وخطوات تنفيذية على الأرض.
أوصت الدراسة، بضرورة الانسحاب فورًا من اتفاقية إعلان المباديء بحكم الظرف الطارىء، خاصة أن هناك دلائل في التفلت الأثيوبي من الاتفاقيات، ومخالفة إعلان المباديء وتغيير خطة العمل بالسد مما يسبب كارثة على دولتي المصب، والعمل على إيقاف الملء حتى لا تحدث كارثة مفجعة والتهديد بهدم السد قبل اكتمال الملء لخطورته ومخالفة أثيوبيا للاتفاقيات وتوصيات اللجان، فضلًا عن ضرورة المخاطبة الرسمية للشركات المستثمرة بالمشروع بخطورة السد على الجانب المصري والسودان، واستغلال الدراسات الفنية للجان الدولية في إيقاف الملء، خاصة أن معامل الأمان ضعيف جدًا، والمشاركة في مشروع توليد الطاقة عن طريق شركات أخرى بعيدًا عن توربينات السد والتلويح بالبيع بأسعار أقل من كهرباء السد، والمساهمة في إقامة مشروعات تنموية داخل دول حوض النيل والمسارعة لبذل ذلك علها تكون سببًا في إيقاف الملء، والرد الحاسم على التبجح الأثيوبي في الردود والتصريحات كتصريح وزير خارجية أثيوبيا “كان هناك لدينا نهر وأصبح بحيرة”،وضرورة رسم خطة احترازية في حالة الجفاف وتعطل توربينات السد العالي.