تُعد “الطفول”، أهم مرحلة يمر بها الإنسان في حياته، إذ تتشكل خلالها الشخصيته، وتحديداً في الفترة ما بين عامين إلى 7 أعوام، من عمر الفرد، فالطفل هنا كقطعة مغناطيس، يجذب ويكتسب المهارات من كافة العوامل المحيطة به، بحسب علماء النفس والاجتماع.

الكرتون والرسوم المتحركة، من أهم وسائل المساعدة التي ينجذب إليها الطفل وتتشكل معها شخصيته، وبنظرة سريعة لعالمها نجد هبوط حاد في سوق برامج وأفلام الطفل في مصر، في الوقت الذي تنتشر فيه برامج وأفلام كرتون أجنبية وخليجية تبث في الأطفال شيم وصفات تبتعد عن عادات ولغة المجتمع المصري، وهو ما يُحدث خللًا سيتم التطرق له في السطور التالية.

مشمش أفندي وتوابعه

منذ ما يقرب من 90 عامًا كانت البداية لأول فيلم كرتون مصري “مشمش أفندي” وهو اختراع الأخوين فرانكلين، اهتم مشمش بمناقشة وتقديم قضايا مصرية اجتماعية هامة في ذلك الوقت، حيث ملأته السلوكيات الإيجابية ليتعلمها الصغار مثل إرشادات بأهمية إشارات المرور، وبر الوالدين، وآداب الحديث، وآداب الطعام، وأهمية الصدق ونبذ الكذب، حتى ذاع صيته وشهرته، لكن بريقه سرعان ما انطفأ بعد هجرة الأخوين فرانكلين إلى فرنسا، وهم من أصل روسي في الأساس، لكنهم عاشوا ونجحوا في مصر سنوات طويلة حتى قررا الرحيل، حاول الشقيقان تقديم نسخة فرنسية بعد سفرهم من مسسلسل “مشمش افندي” تحت اسم “ميميش” إلا أنه لم يلقى النجاح الذي حققه في مصر وقتها.

تطور بعدها خط إنتاج برامج وأفلام الكرتون والرسوم المتحركة في مصر، ومن أشهرها ماما نجوى مع بقلظ، تقديم الفنانة نجوى إبراهيم، وبرنامج “عروستى مع ماما سامية” تقديم الإعلامية سامية شرابي، وبرنامج سينما الأطفال تقديم عزة مصطفى، وبرنامج عصافير الجنة للإعلامية سلوى حجازى، وغيرها من البرامج الهامة، بخلاف مسلسلات الأطفال كبوجي وطمطم و بكار، التي ذاع صيتها في شهر رمضان من كل عام.

بالرغم من كل تلك البرامج إلا أن صناعة برامج الأطفال في مصر شهدت ركود وسكون دفع ثمنه الأجيال الحالية من ثقافاتهم ومعارفهم، فلم يعد هناك برامج تلفيزيونية مقدمة للأطفال، وانتشرت افلام الكرتون وأصبحت هي الوسيلة الثابتة للتواصل مع الأطفال.

مشمش افندي

 تراجع سوق الكارتون

أحد أهم الأسباب وراء تراجع سوق الكرتون في مصر، كانت توقف وتراجع دور التليفزيون المصري عن دعم وتقديم برامج خاصة به، في ظل أن ما يتم إنتاجه من أفلام كرتون في القطاع الخاص غير كافي بالمرة، فوفقًا لما قاله مخرج أفلام الكرتون حسام منصور، تبين أن سوق الرسومات المتحركة مكلف للغاية، وسلاح ذو حدين في يد أي منتج، فغالبًا ما يقع صانعو تلك الأفلام بين أزمة اختيار النص الجيد، والفكرة الجذابة التي تأخذ عقل الطفل وتربطه معها، وبين التكاليف الإنتاجية المرتفعة لهذه الصناعة، موضحاً أن الأسهل على الشركات الخاصة الآن أصبح الإكتفاء بدبلجة الأفلام والرامج الخليجية فقط.

وهو ما أكده “إسلام الدقاق”، مُمثل ومؤدي صوت في مجال العرائس المتحركة “الأنيميشن”، موضحًا أن صناعة فيلم كرتون أصعب وأعقد من مجرد أغنية استعراضية بها قيمة تربوية تقدم للأطفال في دقيقتين  – فبالرغم من أن ما سبق هدف سامي –  إلا أن العاملين في هذا المجال من المفترض أن يحملوا عاتقهم عبء غرس المبادئ في الأطفال ويراعوا ذلك في اختيار الألفاظ، والحركات وتعبيرات الوجه، وما التفريق بين ما يمكن أن يراه كل طفل في كل مرحلة عمرية، وهو ما يفسر ندرة أفلام الكرتون وبرامج الأطفال خلال الفترة الحالية.

“كانت البداية مع الكوميكس وكاريكاتير الصحف الساخرة”، يقولها إسلام لتوضيح البداية الحقيقية لفيلم الكرتون عالميًا، حتى تطورت الفكرة ، وبدأ الفنانون بصياغة القصص والأهداف التي تهم الاطفال وتركيبها على شخصيات مرسومة، يتم دمجها بشكل ملموس في أفلام كارتونية.

ويوضح إسلام، أن هناك فرق بين العمل العربي والأجنبي، فالأخير يأتي جاهز تمامًا، ويستبدل شريط الصوت بشريط صوت عربي، أما العربي فمن البداية يتم تحريك الشخصيات ورسمها بعد تسجيل شريط الصوت، بمعنى أدق، في الأجنبي يكون المهم هو أداء الممثل الأجنبي ورسم الشخصيات، لكن في العربي المهم هو خيال الممثل ورؤية القائمين على العمل.

يشير إسلام، إلى أن الموهبة والشغف الحقيقي من داخل المؤديين، والممثلين والمؤلفين لأفلام الكرتون تعد هي العصا السحرية للصناعة الفنية، خاصة وأن أفلام الكرتون ليست مربحة لقلة وجود الإعلانات بها، وبالتالي فلا يعتمد عليها في مصر لجلب المال للشركة المنتجة، بقدر ما يتم الإعتماد على الموهبة وتقبل الجمهور للشخصيات ولفكرة العمل والكتابة، لذلك فيجب الأخذ في الإعتبار الهدف أو القيمة من كل فيلم، والمواهب الحقيقية الموجودة بداخله.

ماما نجوى مع بقلظ

خطورة ديزني

جميع ما سبق من أسباب لقلة المنتجات الخاصة بالأطفال على الساحة التليفزيونية في مصر، أدى لانجذاب الأطفال وولعهم لما يقدمه عالم ديزني من أفلام ومسلسلات مثل سلسلة سنو وايت وفتاة الثلج وأودي، حتى تحولت تلك الشخصيات لعرائس تُباع في المحلات، يشتريها الأهل للأطفال وتقضي معهم أوقاتهم في المنزل، وهو أمر في غاية الخطورة، فمعظم ما يتم تقديمه يتسم بالعنف، والخيال العلمي، والأفكار المتطرفة، يزرع في الأطفال قيم وتقاليد مجتمع غير المجتمع المصري والعربي الطبيعي الذي يعيش داخله الأطفال، وبالتالي ينشأ الأطفال في حالة إنفصال بين الواقع الذي يعيشوه في الحقيقة وبين الخيال الذي يتمنوا أن يعيشوه مع أفلامهم، فعادة ما ترتبط أفلام ديزني بالخيال أكثر من اللازم، فنرى الأبطال لديهم قوى خارقة، وقدرات غير طبيعية، وهو ما يشكل خطر على عقول الأطفال، لأنهم يشعروا بخيبات أمل بسبب عدم وجود قدرات خاصة أو خارقة لديهم، ولا يستطيعوا أن يميزوا في عمر مبكر بين ما هو خيالي وغير حقيقي، وبين ما هو حقيقي.

تؤكد كاميليا سعد أستاذ علم نفس الطفل بجامعة القاهرة، أن المبادئ يتم زرعها في الطفل في عمر مبكر، وللأسف أفلام الكرتون الحالية تزرع بعض القيم غير المحببة، مثل إتاحة الكذب على الوالدين والسرقة كما ظهرت في بعض الأفلام، وهروب بعض أبطال الأفلام من المنزل، وغيرها من السلوكيات والقيم التي تؤدي لتدمير المجتمع مستقبلاً.

أفلام ديزني

طمث اللغة

المنزل الذي يوجد بداخله طفل يستطيع أن يلاحظ بسهولة أن صغيره يردد بعض الأغنيات والجمل بلهجات خليجية، نتيجة مشاهدته لمسلسلات الكرتون المدبلجة لدول الخليج، وهو ما يؤثر على علاقة الأطفال بلغتهم، حيث تتشكل لغة الطفل الأصيلة في سن مبكرة.

ووفقًا لرسالة دكتوراة للباحثة نجوان سعيد، بقسم رياض الأطفال بجامعة القاهرة عن علاقة اللغة بالنمو المعرفي لديه، تبين أن الطفل الذي ترتبط طفولته بمواد إعلامية ذات طابع يختلف عن بيئته، ولغته ينشأ ويشب وهو مشوه ثقافيًا وتراثيًا، فمعظم الأطفال اللذين لديهم مشكلة في اللغة والتخاطب ينجم ذلك بسبب كثيرة متابعتهم لبرامج أطفال بلغة تختلف عن لغتهم، ويقضون وقت طويل في متابعتها، فعقب المشاهدة يصبح من الصعب أن يعود الطفل ليتحدث مع الأسرة بلغته الأصلية، فيحدث التلعثم مع تكرار الأمر يوماً بعد الآخر، خاصة للهجة الخليجية، لأن الطفل ينسجم معها لدرجة في البداية لتقاربها من اللهجة المصرية، إلا انها سرعان ما تتسبب في إحداث فجوة بينه وبين لغة بلده.