بينما كان الطفل السوداني نائل ذو الـ14 عامًا، ذاهبًا إلى “درس خصوصي”، بأحد أحياء إمبابة بمحافظة الجيزة، منتصف شهر يونيه الماضي، هاجمه شابًا معتديًا عليه بالضرب والسب بعبارات “عنصرية” بسبب اللون، بينما كان آخر يصور الواقعة من داخل “توك توك” كانا يستقلانه الشابين، واللذان بثا الفيديو مصحوبًا بعبارات ساخرة على تطبيق “تيك توك”، بعد أن استوليا على حقيبته وبداخلها حذاءً رياضيًا وبعض الملابس وهاتفه المحمول وبضعة جنيهات كانت بحوزته.

تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الفيديو مُستنكرين ما حدث، مطالبين بمعاقبة الشابين، وتحرك أهل “نائل” بتقديم بلاغ ضد الجُناة، وسارعت الشرطة بالقبض عليهما وإحالتهما للنيابة.

“نائل”، لم يكن الضحية الأولى للتنمر، بسبب اللون أو الشكل، أو استغلالًا لضعف المجني عليه، أو الحالة الصحية أو العقلية، كما حدث في واقعة تنمر رجلًا في العقد الرابع من عمره، بطفل من ذوي الإعاقة الذهنية، مطلع العام الحالي، وطوال الوقت نرى فيديوهات، ونقرأ بالمواقع الإخبارية وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، عن وقائع تنمر بأصحاب بشرة سوداء، ومرضى، وأصحاب وزن زائد، وغيرهم.

الطفل نائل
الطفل نائل

خلل تشريعي

في بعض الوقائع كما في واقعة التنمر بـ”نائل”، تحركت الشرطة أو النيابة العامة وأمرت بضبط الجناة، لكن ما العقوبة التي تنتظرهم جراء التنمر؟

في الحقيقة، ليس هناك في القانون المصري حتى الآن عقوبة لفعل التنمر! فلم يأتي في أيٍ من نصوص قانون العقوبات المصري والذي يرجع لعام 1937، ولا في كل التعديلات التي طرأت عليه خلال ما يقرب من ثمانين عامًا، أي ذكر للفظة تنمر وبالطبع فلا عقوبة على هذا الفعل.

فالمادة التي ارتكزت عليها النيابة ووجهت الاتهام على أساسها، للجناة في قضية “نائل”، أو واقعة الاعتداء على الطفل صاحب الإعاقة  الذهنية، أو غيرها من الوقائع، هي المادة 176 من قانون العقوبات رقم 58، في باب جرائم النشر، والتي تنص على أنه: “يعاقب بالحبس كل من حرض بإحدى المتقدم ذكرها الكتابة والرسوم والصور الشمسية وغيرها من طرق التمثيل، على التمييز ضد طائفة من طوائف الناس بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو العقيدة إذا كان من شأن هذا التحريض تكدير السلم العام”.

إذن فالمتهمين هنا، سيعاقبون على جريمة نشر مادة مصورة أو مكتوبة، تحرض على التمييز، بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو العقيدة، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام!، وليس على فعل التنمر في ذاته.

فلو لم يقم الجاني بنفسه بتصوير المجني عليه ونشر التصوير بطرق التمثيل المختلفة، فلا جريمة هنالك، حتى لو ثبتت واقعة التنمر بشهود أو سجلت بإحدى كاميرات المنازل أو المحال أو الأماكن العامة، ويعاقب المتهم حِيْنئذٍ على جنحة السب أو الضرب”، حسبما يقول أحمد معوض، محامي الطفل “نائل”.

التنمر
التنمر

الأمور في طريقها للتغيير

يبدو أن الأمور في طريقها للتغيير، فللمرة الأولى يتعرض قانون العقوبات بشكل واضح لقضية التنمر من خلال مشروع قانون مُقدم من الحكومة لمناقشته وإقراره بالبرلمان، وأُحيل المشروع للجنة التشريعية، من خلال إضافة مادة جديدة لقانون العقوبات بخلاف مادة النشر.

مشروع التعديل الجديد يُعرِف أنه: “يعد تنمرًا كل استعراض قوة أو سيطرة للجاني أو استغلال ضعفٍ للمجني عليه، أو لحالة، يعتقد الجاني أنها تسيء للمجني عليه كالجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي، بقصد تخويفه أو وضعه موضع السخرية أو الحط من شأنه  أو إقصائه من محيطه الاجتماعي”.

مشروع القانون المقدم يُعاقِب المُتنمِر بمدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد على 30 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد على  100 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة من شخصين أو أكثر أو كان الفاعل من أصول المجني عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه أو ممن كان مسلمًا إليهم بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائي، أو كان خادمًا لدى الجاني، أما إذا اجتمع الطرفان يضاعف الحد الأدنى للعقوبة.

كما ينص مشروع القانون، على أنه في حالة تكرار نفس الفعلة، تتضاعف العقوبة في حديها الأدنى، والأقصى.

التنمر
التنمر

معالجة القصور التشريعي

المشروع الجديد، يعالج في عدة نقاط قصور التشريع المصري، فيما يخص هذا النوع من الجرائم، أولى هذه النقاط: النص صراحة على لفظة  التنمر، ووضع تعريف شامل للتنمر، فإلى جانب الإساءة بسبب الجنس أو العرق أو الدين، تضمن تعريف التنمر: “استعراض القوة من قبل الجاني واستغلال ضعف المجني عليه، أو استخدام الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية والعقلية أو الوضع الاجتماعي بغرض الإهانة والسخرية”، فالمادة 176 من قانون العقوبات، فضلًا عن أنها لم تذكر صراحة لفظة التنمر، فلم تكن تعتبر السخرية عن طريق الأوصاف البدنية والحالة الصحية والوضع الاجتماعي نوعًا من أنواع التمييز الذي يستوجب العقوبة المقررة بالمادة.

النقطة الثانية التي يعالجها مشروع القانون: هي العقوبة المقررة لمرتكب فعل التنمر فقد حدد مشروع القانون الجديد، الحد الأدنى للعقوبة بحيث لا تقل عن 6  أشهر، وبمدة لا تقل عن سنة إذا وقعت الجريمة من شخصين أو أكثر أو كان الجاني من أصول المجني عليه أو المكلفين برعايته، ومضاعفة الحد الأدنى إذا اجتمع الظرفان، فالمادة 176 تركت الحد الأدنى دون تحديد، ما يعني أن القاضي كان يمكنه نظريًا الحكم بالحد الأدنى في عقوبة الحبس، وهو 24 ساعة.

 ملاحظات على مشروع القانون

يرى أحمد عادل، محامٍ، أن القانون خطوة كبيرة، في طريق الحد من ظاهرة التنمر، ومعاقبة مرتكبي هذه الجريمة، ولكن مشروع القانون يجب أن يُطرح لحوار مجتمعي، ومناقشته قبل الإقرار مع الحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني، للخروج بصورة تتوافق مع المعايير الدولية والحقوق الإنسانية، وقبل كل ذلك تحد من ظاهرة التنمر

يشير عادل، إلى أن المادة المقترحة تحتاج إلى تعديل، بحيث يكون الحبس وجوبيًا، ولا تترك للقاضي حرية الاكتفاء بالغرامة بديلًا لعقوبة الحبس، كما ينص المشروع الجديد.

التنمر
التنمر

عقوبة اجتماعية

مشروع القانون خطوة هامة، كان أحد أسبابها بلا شك، تأثير التعاطف الكبير الذي ظهر من قطاعات اجتماعية مختلفة على شبكات التواصل الاجتماعي، مع المجني عليهم، في وقائع التنمر الأخيرة، لكن القانون إضافة للنقاط التي ذكرها “عادل” يحتاج إلى  تنوع في العقوبة وجعلها ليست فقط معاقبة للجاني بل وتأهيلًا له.

ففي العديد من الدول تكون هناك  عقوبة اجتماعية في مثل هذه الجرائم، إلى جانب عقوبة تقييد الحرية، فمثلًا إذا وقع من شخص ما اعتداء أو ممارسة عنصرية ضد أحد اللاجئين فمن الممكن أن تكون العقوبة هي الخدمة لمدة داخل مراكز إيواء اللاجئين في محاولة لدمجه معهم ومحاولة كسر الانطباعات العنصرية ضدهم، وهو ما يشير إليه أيضًا أحمد معوض، محامي “نائل”.

وهكذا يمكن رؤية قصور تشريعي، في كافة النصوص المتعلقة بالممارسات الاجتماعية التمييزية، فيخلو القانون من أي إلزام تأهيلي للجناة، أو أي مجابهة لأسباب هذه الممارسات.