• في الوقت الذي راحت فيه دول الغرب الأوروبي تُعاني من تفشي فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19″،رغم ما يتوفر لديها من إمكانيات وبنية تستطيع من خلالها مواجهة هذا الوباء، جاء الوضع أكثر صعوبة على دول أفريقيا التي تفتقر إلى حد كبير للبنية الأساسية التي تُمكنها من تحمل وطأة هذا الوباء.

المركز الديموقراطي العربي، نشرد دراسة حملت عنوان “القارة الأفريقية بين مطرقة كورونا وسندان الفقر والجوع” من إعداد جاد مصطفى البستاني الباحث في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية قسم العلوم السياسية جامعة الإسكندرية.

الدراسة، ناقشت أثار وتداعيات الوباء على القارة الأفريقية، كما ناقشت التطورات والإجراءات المتبعة، فضلًا عن تأثير الفيروس على الأنظمة الصحة التي أصبحت على المحك بفعل وجوده، والدور الدولي والإقليمي في القارة لمكافحة كورونا، والسيناريوهات المحتملة للفيروس في القارة.

 

 

أثار وتداعيات الوباء على القارة الأفريقية:

وفقًا للدراسة، فإن هناك العديد من الآثار والتداعيات على القارة الأفريقية جراء تفشي وباء كورونا على القارة الأفريقية لا سيما مع ارتفاع الحالات المصابة في كافة الدول الأفريقية، حيث أعلن الاتحاد الأفريقي أن عدد الحلات المصابة حتى الآن في القارة 69.947 وحالات الوفاة 2410 والحالات التي تعافت 24.224.

منظمة الصحة العالمية، أعلنت وصول إجمالي الإصابات المسجلة حتى الآن بفيروس كورونا المستجد69.126 حالة إصابة في القارة، ووفقًا لها أيضا تأكد بأنه قد تأثرت 53 دولة في أفريقيا، حيث تم الإبلاغ عن 2386 حالة وفاة، وأفادت أن 23،749 حالة استردت عافيتها، وأن الأكثر تأثرًا بالوباء ما بين الدول الأفريقية هي جنوب أفريقيا بأكثر من 11،350 حالة إصابة.

 

 

ووفقًا للدراسة، فإن آثار الفيروس يمكن تلخيصها في عدد من المحاور على النحو التالي:

الأسواق المالية والعملات المحلية :

وصلت معنويات المخاطر السلبية إلى المستويات التي شُوهِدَت آخر مرة خلال الأزمة المالية العالمية لعام 2008م، وألحقت الضرر بالأسواق وكانت العملات الإفريقية في خطّ المواجهة حيث تأثر الراند الجنوب إفريقي بشدة، باعتباره مُعبِّرًا عن الأسواق الناشئة، مع تراجع الطلب الصيني بشكل كبير، وانخفاض حادّ في أسعار السلع الأساسية، وفرار رأس المال الأجنبي، ضعفت العملات الإفريقية حتمًا، بينما ارتفعت عائدات السندات ،وانخفض الراند بنسبة 5% مقابل الدولار، كما خسرت الكواشا الزامبية أكثر من 3% مقابل الدولار في نفس الفترة بل وصل الأمر إلى مطالبة حاملي سندات الدَّيْن بعلاوة ممَّا يؤدي إلى ارتفاع تكلفة التمويل، فضلاً عن احتمالية ارتفاع تكلفة سداد وخدمات الدَّين يذكر أن العملة النيجيرية النيرا تعرَّضت لضغوط؛ لأن صادرات البترول تُشكّل نسبة 90% من الصادرات النيجيرية.

وبدت المخاوف داخل بورصة جوهانسبرج في دولة جنوب إفريقيا، التي مُنِيَتْ في الأسبوع الأول من إعلان حالة الطوارئ بخسائر حادة زادت على 2,6%، وتجلَّى الانزعاج الذي انتاب المستثمرين في أسواق المال نظرًا لأن العديد من الشركات في انكشفت في تعاملاتها مع الصين، وخاصة قارة إفريقيا التي يرون أنها عرضة لتقلبات حرجة نظرًا لأن معظم اقتصادات القارة تعتمد بدرجة كبيرة على الاستيراد.

 

 

القطاعات الاستخراجية:

استندت الدراسة الى التقرير الصادر عن وكالة بلومبرج؛ والذي أكد أن الدول الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى ستلحق بها أكبر الأضرار جراء فيروس كورونا وسبب ذلك هو تضرّر الاقتصاد الصيني، بمعنى إحجام الشركات الصينية عن شراء البترول والمعادن التي تعتمد عليها الكثير من البلدان الإفريقية، كمصدر أساسي للدخل.

وقدرت الوكالة الخسائر المتوقعة بأربعة مليارات دولار قيمة صادراتها البترولية إلى الصين، تلك الخسائر ستنشأ لسببين؛ أولهما تراجع أسعار النفط بحوالي 5%، فضلاً عن تباطؤ النمو الصيني وبالنسبة لإفريقيا، يُعَدّ التعدين (جميع المعادن تقريبًا)، أحد أكثر القطاعات تضررًا؛ خام الحديد (جنوب إفريقيا)، والنحاس (زامبيا)، والنفط (نيجيريا وأنجولا وغانا). وتبدو الصورة أكثر تفاؤلاً إلى حد ما بالنسبة للذهب؛ حيث ارتفع سعره إلى أكثر من 1500 دولار أمريكي .

 أنجولا 

تُعاني بشكل غير مباشر من الوباء؛ حيث يعتمد اقتصاد الدولة بشكل كامل تقريبًا على النفط، ويؤثر التباطؤ في التجارة مع الصين بسبب الوباء على صادرات النفط، ويقول الخبير الاقتصادي الأنجولي بريسيوسو دومينجوس: “بما أن الصين هي أكبر مستورد للنفط في أنجولا، فإن الأزمة لها تأثير مباشر على أسعار النفط وعلى عائدات انجولا وقد ألغت أنجولا -ثاني أكبر منتج للنفط في القارة بعد نيجيريا بعض الشحنات المتّجهة إلى البلاد بسبب نقص الطلب، حيث تمثل الصادرات إلى الصين 23% من الناتج المحلي الإجمالي لأنجولا.

نيجيريا

أكبر اقتصادٍ في القارة، لا يزال النفط يوفّر أكثر من نصف إيرادات الحكومة النيجيرية و94% من النقد الأجنبي. وانخفضت أسعار النفط بنحو 13% هذا العام بسبب تراجع الطلب الصيني.

جنوب إفريقيا

تأثير الفيروس عليها يتضاءل إلى جانب المشاكل المحلية، مثل انقطاع التيار الكهربائي الذي ضرب قطاع التعدين وقد خفَّضت وكالة “مودي” توقعاتها للنمو الاقتصادي للبلاد هذا العام إلى أقل من 1% وقالت شركة “كومبا” الأمريكية -وهي أكبر مُنْتِج لخام الحديد في جنوب إفريقيا-: “إن آثار الفيروس أثرت على إنتاج الشركة لانخفاض”الطلب”، وقالت شركة فيرست كوانتوم -وهي شركة مناجم نحاس كندية تعمل في زامبيا، ثاني أكبر مُنْتِج للمعادن في إفريقيا : “إن الفيروس أدى إلى تراجع الإنتاج فيها”.

 

 

القطاعات غير الاستخراجية

تتضرر أسواق التصدير الإفريقية الأصغر حجمًا غير البترولية؛ جراء تراجع إنفاق المستهلكين الصينيين والسلع التي ستتضرر جراء تباطؤ قطاعات الغذاء والمشروبات الصينية؛ تشمل اللحم الناميبي، والقهوة التي تصدّرها دولة رواندا، وفاكهة الأفوكاتو التي تصدرها كينيا، والحمضيات الكينية.

وبدأت الشركات الإفريقية الصغيرة التي تستورد الغذاء أو التكنولوجيا أو الملابس من الصين تشعر بالفعل بآثار الأزمة؛ إذ ظلت الشركات في الشرق الأقصى مغلقة أو فرضت قيود على الأفارقة الذين يسافرون إلى الصين، فلن يوجد بديل للمستوردات الصينية؛ حيث بدأت المبيعات تنخفض بشكل كبير.

الوضع في أوغندا مشابه؛ حوالي ربع واردات أوغندا تأتي من الصين توقفت عمليات الاستيراد لأسابيع؛ لأن العديد من المصانع الصينية أغلقت الإنتاج. يُواجِه صغار التُّجار الذين يبيعون المنسوجات أو الإلكترونيات أو السلع المنزلية مشكلة. واشتكى رجل الأعمال “عمر كاييرا” من كمبالا من أن العديد من البضائع من الصين لم تَعُد تصل إلى أوغندا.

كما تسيطر السلع الصينية أيضًا على أسواق موزمبيق, ويشعر العديد من التجار بالقلق من أن المنتجات القادمة من الصين ستكون قليلة.

 

 

 التباعد الاجتماعي ومستوى المعيشة في أفريقيا

يتضرر الملايين جوعًا إذا دخل الاقتصاد العالمي في حالة انكماش طويل الأمد، الأمر الذي من المتوقع أنه سيقضى على حياة أكثر من96.09 % من السكان فوق 65 عامًا، فبعد حالة الركود التي تبعت الأزمة المالية العالمية في عام 2008 كان هناك حوالى مليار شخص يعانون من سوء التغذية وفى عام 2010 كان هناك أكثر من 5 ملايين طفل يعانون من الجوع وهذا اكثر مما كان سيحدث لو لم يحدث الركود، نحن نشهد فقط بداية الكارثة الاقتصادية وبالتالي الكارثة الصحية التي ستغرقنا نتيجة لإجراءات التباعد الاجتماعي.

الكارثة الاقتصادية، ليست مجرد هبوط لبعض سوق الأسهم المجردة، فقد كانت السياحة توظف 1 من كل 23 شخصا ف جنوب افريقيا ماذا حدث الان تبخرت بين عشية وضحاها البارات والمطاعم، تم تأجيل موسم كرة القدم لهذه السنة؛ حيث بلغ معدل البطالة بالفعل في جنوب افريقيا ما يقرب من  30% ف الربع الرابع من عام 2019 في الوقت الذي تفتقر فيه الحكومة الى الوسائل والكفاءة لتقديم المنح اللازمة للمواطنين، فالشركات الصغيرة والمتوسطة في جنوب افريقيا معرضة بالفعل للخطر حيث انه لم يكن لدى موظفيهم في الغالب مدخرات ولا يمكنهم الوصول للائتمان وخلق مياة نظيفة للمعيشه، فالبطالة الجماعية تعنى الفقر الجماعي وهو ما يعنى المجاعة الجماعية.

هروب الأموال من إفريقيا بسبب مخاوف تفشّي الفيروس:

يمكن أن يؤدّي تفشّي فيروس كورونا، وانهيار أسعار البترول إلى خروج رأس المال من إفريقيا؛ حيث لا تتوفر لحكوماتها سوى أدوات قليلة لمحاربة الصدمات الخارجية وفقًا لتوقعات “فيتش ريتنجز” ويمثل أكبر مصدرين للبترول، وهما نيجيريا وأنجولا، هشاشة خاصة أمام الهبوط المفاجئ لأسعار النفط فقد فقدت السلعة نحو ربع قيمتها يوم الاثنين (9 مارس الجاري) بعد خلاف بين الدول المنتجة الكبرى حول تخفيضات العرض لمواجهة تراجع الطلب بسبب انتشار الفيروس على التجارة العالمية.

كما أن هذا التراجع لا يؤثر فحسب على التمويل في الأسواق الدولية، بل إنه يمكن أن يؤدي إلى تدفقات مالية لمَحَافظ مالية؛ حيث استثمر مستثمرون في ديون بالعملة المحلية في دول مثل نيجيريا ومصر وغانا وجنوب إفريقيا وعلى سبيل المثال؛ فقد باع مستثمرون أجانب مبالغ صافية بقيمة 20 بليون راند 1.2 بليون دولار من سندات الحكومة الجنوب إفريقية هذا الشهر بالفعل، وفقًا لبيانات عالجتها بلومبرج.

وتحوز دول إفريقيا جنوب الصحراء حواجز مالية وخارجية محدودة للغاية؛ بمعنى أنها لا تملك أصولاً متاحة بالفعل يمكنها استخدامها لأغراض سياسات مضادة، مثل صناديق الثروات السيادية الكبرى كما يفرض تهاوي أسعار البترول تهديدًا أمام التعافي الضعيف أصلًا في أكبر اقتصاد إفريقي: نيجيريا. وقد خفَّض صندوق النقد الدولي في الشهر الماضي تقديره لنمو نيجيريا إلى 2% من 2.5% بسبب تراجع أسعار البترول كما سيقيّد كُلّ من سعر الصرف الصارم، وتآكل احتياطيات العملة الأجنبية، والاعتماد المرتفع على التدفقات الأجنبية من قدرة الحكومة على التعامل مع عائدات أدنى.

 

كورونا ترجئ تفعيل اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية وتعيد تشكيل أولوياتها:

بفعل جائحة كورونا بات حلم أفريقيا في تشكيل منطقة تجارة حرة، متوقفًا على منع تفشي الوباء الذي انتشر في جميع دول القارة، حيث كان من المفترض أن تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ في الأول من يوليو 2020، إلا أن تفشي الوباء سيدفع المسئولين إلى تأجيل تفعيل الاتفاقية إلى الأول من يناير 2021، ومن المحتمل تأجيل قمة الاتحاد الأفريقي المزمع عقدها في 30 مايو المقبل إلى شهري نوفمبر أو ديسمبر المقبلين نظرا لظروف الجائحة، وجاء تأجيل تفعيل الاتفاقية بناء على اقتراح من الأمانة العامة للاتفاقية برئاسة واكلي مين، إذ ينتظر موافقة الدول الأعضاء على قرار التأجيل، ويشير واكلي إلى أن الأولوية الآن هي مواجهة كورونا وتداعيتها على الأعمال والاقتصاد.