حسين البطراوي، تخرج في كلية الإعلام جامعة القاهرة، دفعة 1986 المعروفة بـ”الدفعة الذهبية”، يحكي تجربته مع الثانوية العامة:

 

في الثمانينات، لم تكن مصر تعرف غير التعليم الحكومي سواء في الثانوية العامة أو الكليات، مع عدد محدود من المدارس الخاصة العريقة، وعدد آخر من المدارس كان يستقبل الحاصلين على 50 بالمئة في الإعدادية أو الراسبين في الثانوية العامة، ويعيدون العام الدراسي.

ورغم انتشار الدروس الخصوصية، غير أن مصر لم تكن تعرف “السناتر”، بل كانت الدروس في منزل أحد الطلبة وعدد لا يتعدي 8 طلاب، وأتذكر أنه عندما أردت أخذ دروس خصوصي في اللغة الإنجليزية، اشترط المدرس، وكان مستشارًا في اللغة الانجليزية عقد اختبار ليّ، وأنّ أحصل على 80 بالمائة كشرط لقبوليّ في الدرس، وكان يعقد في أول كل حصة امتحانًا وينذر من يقل عن هذه النسبة بالطرد من المجموعة.

كانت الدراسة بالمدرسة تمتد إلى منتصف إبريل، وكان المدرس يشرح في الفصول، كما يشرح في الدروس الخصوصية تمامًا.

وعند إعلان النتائج كان الأول في الثانوية العامة لا يتعدي مجموعة 98 بالمائة، وكانت الكليات كلها حكومية، وعدد محدود من الكليات والطلبة، كانت كليات القمة: الطب، والهندسة، وسياسة واقتصاد، وإعلام، وكان يطلق على هؤلاء الطلبة” كريمة الثانوية العامة”.

كانت النتائج تذاع في الراديو وتعلق على أبواب المدارس، وكنا في السادسة صباحًا ننتظر أمام المدرسة لمعرفة النتيجة من الكشوف التي تعلق في الفناء.

أسماء فتحي، ترثي حُلم والدها الذي ضاع

 

أقرأ اليوم نتيجة طلاب هذه المرحلة واستمع إلى الأنَات حينا والزغاريد أحيانًا، فتعود بيّ الذاكرة إلى تلك المرحلة الضائعة من عمري وأحلامها الوردية، وآلامها الوهمية والأقرب كثيرًا إلى العالم الافتراضي عن الحقيقي.

فقد كان والدي يُكرس كل إمكانياته ووقته لمساعدتي في هذه المرحلة، فقد تمكنت من النجاح بتفوق في الصف الأول الثانوي، وكان مجموع الثانوية مقسم على عامين وفور نجاحي تناسى أبي ميولى نحو المواد الأدبية والملموس في درجات عامي الأول، وراح يبحث ويجري وراء حلمه هو بأن أصبح طبيبة بشرية وأبدى استعداده للتنازل إدخالي القسم الرياضيّ، ومن ثم سأصبح مهندسة، وحيث إني كنت أكره الأرقام والعلوم كلاهما اخترت أهونهما والأقل سوءًا وقررت وفقًا لإرادته أن أدرس علمي علوم.

وواصل والدي العزيز كفاحه من أجل حلمه الذي يتمحور حول حصولي على المجموع المناسب ولم يدخر جهدًا فقد كان يعمل أكثر من 12 ساعة لتوفير كل احتياجاتي وجازته يقضيها في توفير كل سبل الراحة لتمكيني من المذاكرة، وكثيرًا ما كنت أهرب من الكيمياء واكتب قصصي القصيرة إلى أن انتهى حلم الوالد بمجموعي ٦٣% وأعلن والدي عن قراره بألا أكمل تعليمي وظل يحطم كل ما أحب للتعبير عن غضبه فحينما اكتشف حبي للكتابة وأسرار قصصي وقصاصاتي المخفية جمعها وأحرقها، وكأنه ينتقم من حلمه الضائع واستمرت المشاحنات والصدامات والتهديد والوعيد إلى أن قرر إعطائي فرصةً، فيما أرغب وأحب.

وانتقلت للقسم الأدبي وحصلت في عامي الثاني على ٩٧% ، واتمكن من تعويض مافاتني والتحق بكلية الآداب، واكتشف والدى الحبيب فرحته، وأن هناك إمكانية لتبديل الأحلام وتحويلها فرغم إنه حرمني من الدروس وكل الامتيازات استطعت أن أحقق حلمي، فيما أحببت وظللنا نتذكر تلك المرحلة وتعلو ضحكتنا عام ولو الآخر.

أنظر اليوم إلى تطلعات الآباء لا الأبناء أسمع أحلامهم على ألسنة الحافظين، أنظر إلى هؤلاء الأطفال الذين لم تكتمل أحلامهم وقد يمضون عمرهم، وهم يحققون ما يحلم به ذويهم، استمع كل عام إلى لقاءات أوائل الثانوية العامة الذين لم يتم تأهيلهم ولم يكن لديهم وقت للمعرفة والكثير منهم تتلخص إمكانياته في الحفظ ولم يكتسب أي مهارات مرتبطة بالواقع الصادم في الجامعة، وما تحويه من اختلافات وتمايزات جوهرية، بل أطلق العنان لأفكاري لتنظر إلى مستقبلهم مستندة إلى مصير من سبقوهم من المتفوقين وأضحك ساخرة من هذا الواقع الافتراضي الذي سيصطدم به هؤلاء المجتهدين، وأشعر بهبوط قلبهم حينما يتأكدون أن المستقبل القادم أبعد من تلك النجوم العابرة في السماء عن أحلامهم وتصوراتهم في تلك المرحلة الوهمية من العمر.

محمد كمال، يكتب: ابن من أبناء الـ50%

دومًا أسعى أن أكون في المنتصف، فأنا شخص يصف نفسه بأنه من أبناء الـ 50%، وهي النسبة المئوية التي حققتها كإنجاز في المرحلة الثانوية، فلم أرسب في أي مادة، وحققت المعادلة الصعبة 205 من 410، وفى النهاية احتفلت بالإنجاز في ذلك اليوم، دفعة 2003 كانت الألطف على مستوى التعليم، «لا تفهم.. لا تجبر عقلك على التفكير.. بل أحفظ»،.

وأنا شخص لا يعلم كيف يحفظ بل يفهم، في مرحلة الابتدائية كنت الأول علي مستوى المنطقة التعليمية دون أن أذاكر بل كنت أنجح بالذكاء «الفهلوة» فقط، وهو ما لم أستطيع أن أفعله في الثانوية العامة، في النهاية لم أحزن واحتفلت على المقهى مع أصدقائي.. لأني كنت أعلم أن “الثانوية” مجرد كذبة تحت مسمى المجموع.

علا خطاب، تكتب عن: كواليس الثانوية

“من طب أسنان لألسن”، بدأت الحكاية بكتابة يافطة عريضة على باب غرفتي الخاصة باسم “الدكتورة”، معتبرة إياه العائق الوحيد أمام حلمي، ثم تسارعت الأحداث فاخترت شعبة علمي علوم، وسقطت فريسة بكامل إراداتي للكمياء وتفاعلاتها إلى أن غدرت بي في النتيجة، إذا حصلت على 89%،عاملةً بالمقولة الشهيرة “الكميا غدارة”، وهو ما دفعني بتغير المسار وإسدال الستار علي اليافطة العريضة، والتبحر في المواد الأدبية التي اكتشفت شغفي بها بل تفوقت واجتزت الـ 98%، ومن المصادفة أن إذا بدلت أرقام العاميين ستحصل على نفس الرقم، لكن “الزهر لم يلعب”، إذا ذهبت وفق مكتب التنسيق، إلى كلية الألسن بدلاً من إعلام القاهرة، ولأن الثانوية العامة مجرد “وهم رقمي” فإذا بيّ أدخل مجال الصحافة، ولكن من بوابة أخرى.

نيفين غيث تسرد وقائع ثانوية 2016/2018

كانت الثانوية العامة ليها طقوسها في البيت، التليفزيون بيتشال والموبايلات ممنوع، وكل حياتي منظمة ما بين أكل، ودروس، ونوم، ومدرسة، خدتها سنتين منازل مكنتش بروح المدرسة فكان عندي وقت أكبر أنام كويس وأذاكر كويس خاصةً إني كنت “باخد درسين” في كل مادة، كنوع من أنواع التحويط على المادة “عشان ميبقاش ليا حجة، إني اسقط أو أجيب مجموع وحش”.

الثانوية العامة كان ليها بعبع كدا تفضل تذاكر طول السنة، وأنت خايف ومرعوب من النتيجة، لأن كان طول الوقت الكلام حواليك إنك لو مجبتش مجموع كويس مش هتدخل كلية كويسة، ومستقبلك هيضيع، وحياتك هتنتهي، وهتدخل النار وكلام تكفير كدا.

ذاكرت وعملت اللي عليا وجبت مجموع حلو ثانية ثانوي، وفي ثالثه ثانوي بقا الحدث الأعظم اللي هوا المحاولة البائسة منك إنك تعوض الفشل اللي فشلته السنة اللي فاتت، والحمد لله لأني مكنتش خايف، ولأني اعتمدت علي دماغي وفهمي أكتر من اهتمامي بالمرحلة والمذاكرة جبت مجموع، أقل في ثالثه ثانوي.

افتكر يوم من النتيجة ظهرت كان الجو متوتر في العيلة كلها، لأن “نيفين” نتيجتها هتطلع النهاردة بالليل، وكانت النتيجة على أيامي بتظهر بالليل على “النت” بنحاول ندخل على اللينك، بس طبعًا الزحمة وضغط الجمهورية كلها علي اللينك، محاولات ومحاولات لحد ما النتيجة ظهرت ولقيتني جبت مجموع أقل.

ولأني من عيلة كل بناتها وشبابها: طب، وهندسة، وصيدلة، أنا كدا بقيت البنت العاقة اللي في العيلة خصوصًا إنّ والدتي كانت عسكرية في تربيتها وشديدة دايمًا فكان لازم أنقذ نفسي من الورطة دي مكنش قدامي غير حل واحد: إني أعمل نفسي أغمي عليا، والحمد لله نجحت في المسلسل دا، وصدقوا إني اتقهرت وفلتت من العقاب، والحمد لله.

محمود الصادق يحكي بداية ” المشوار”

بدأ مشوار الثانوية العامة، من كلمة قالها أحد المدرسين وكان صديقًا لوالدي، بعد أن أخبره بأنني فاشلًا وكنت سأرسب في إحدى المواد في الصف الثاني الثانوي، لولا درجات الرأفة التي نجدتني.

أتذكر جيدًا، حينما تحدث معي والدي عن ما أخبره به ذلك المدرس، بعد أن عُدت من العمل، وكيف أثر هذا الحديث في نفسيتي، خاصة وإنني كنت من الأوائل في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، إلا إنني قررت تحدي هذا المُدرس وأخبرت والدي بأنني سأبذل جهدي في الصف الثالث الثانوي لنيل أعلى الدرجات.

وحدث بالفعل، وبدأت العام الجديد بجد غير معهود، حتى أن زُملائي وأساتذتي، تعجبوا من حالي، فقال لي مدرس الفيزياء ذات مرة: “أنت بقيت دحيح ليه كدة!”، فأخبرته عن رغبتي في الالتحاق بكلية الإعلام، لكنّه استنكر ذلك وقال: لماذا لا تدخل طب أو صيدلة أو هندسة؟، فأخبرته بأنني أحلم بأن أكون مذيعًا مشهورًا.

وبعد شهور من الكفاح، ظهرت النتيجة وكان مجموعي 87.6%، وكانت صدمة حقيقية، فكنت قد حسبت درجاتي وتوقعت بأنها ستتخطي الـ 95%، إلا أن التنسيق نصفني كثيرًا، فكانت كلية الإعلام بجامعة الأزهر الشريف تأخذ من 87.6%، وهي درجتي بالضبط.

والآن بعد أن تخرجت من كلية الإعلام، وعملت صحافيًا، لا أرى الثانوية العامة إلا قليل من الاجتهاد وكثير من توفيق الله تعالى، فما قدره لنا سنناله، حتى لو لم نصل الثانوية أصلًا.

فاطمة عاهد تتذكر فرحة لم تكتمل

أديت امتحانات الثانوية العامة في عام 2016، وعلمت بظهور النتيجة عند أذان المغرب في شهر رمضان الكريم، عندما سمعت الزغاريد في منازل أصدقائي المجاورة لمنزلي، وعندها ارتبكت لأني لم أكن أعلم بأمر ظهور النتيجة، وكان المنزل في حالة فوضى كل منا يحاول أن يحصل عليها من جانبه، وجاء عمي ليبشرني وهو مبتسم وعلامات الفرح تظهر على وجهه، وأخبرني إني حصلت على مجموع جيد.

وعندما قال لي إنني حصلت على 93,4 في المائة، فحزنت لأني كنت أستحق مجموع أكبر، على الرغم من ذلك رأيت الفرحة تجتاح منزلنا، وحضر أقاربي وجيراني لتهنئة، كل منهم يدخل بالزغاريد إكرامًا لفرحتي، لأن خريجي الثانوية لهم وضعهم في قرى الريف، ولم يكن وقتها قد انتشر تعليم البنات، مثل الآن، خاصة المترددين على الثانوية العامة.