“شارك حملة نابليون 2020 وادرس في الجامعة الفرنسية”، بتلك الجملة اختتمت الجامعة الفرنسية إعلانها المصور في مقطع فيديو، والذي استحضرت فيه شخصية “نابليون بونابرت” قائد الحملة الفرنسية على مصر محتفية باحتلاله، تلك الكلمات التي أججت مشاعر المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تعتذر الجامعة الفرنسية، وتحذف الإعلان من صفحاتها الرسمية.
https://twitter.com/Hisham___/status/1288074314013704193?ref_src=twsrc%5Etfw%7Ctwcamp%5Etweetembed%7Ctwterm%5E1288074314013704193%7Ctwgr%5E393535353b636f6e74726f6c&ref_url=https%3A%2F%2Fwww.youm7.com%2Fstory%2F2020%2F7%2F29%2F%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D8%25A7%25D9%2585%25D8%25B9%25D8%25A9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2581%25D8%25B1%25D9%2586%25D8%25B3%25D9%258A%25D8%25A9-%25D8%25AA%25D8%25AD%25D8%25B0%25D9%2581-%25D8%25A5%25D8%25B9%25D9%2584%25D8%25A7%25D9%2586-%25D9%2586%25D8%25A7%25D8%25A8%25D9%2584%25D9%258A%25D9%2588%25D9%2586-%25D8%25A8%25D9%2588%25D9%2586%25D8%25A7%25D8%25A8%25D8%25B1%25D8%25AA-%25D9%2588%25D8%25AA%25D8%25B9%25D8%25AA%25D8%25B0%25D8%25B1-%25D9%2584%25D9%2584%25D9%2585%25D8%25B5%25D8%25B1%25D9%258A%25D9%258A%25D9%2586%2F4905280
أثار الإعلان، حالة من الجدل بعدما حمل الإعلان حالة من الاحتفاء بشخصية نابليون كراعي للعلم والمعرفة في مصر، وإهمال حقيقته التاريخية بأنه كان قائدًا عسكريًا جاء لاحتلال مصر، إلى جانب الأخطاء التاريخية التي تضمنها الإعلان في سبيل الترويج لعمل الجامعة الفرنسية.
بالإضافة إلى الاستخفاف باحتلال كانت له نتائج لا تحمد عقباها على مصر والمنطقة العربية ككل، وأخيراً تضمنت دعوة الجامعة الفرنسية كمؤسسة تعليمية في مصر إلى الاهتداء بتاريخ رجل فرنسي عسكري محتل في تجاهل تام للعلماء والمفكرين والأدباء المصريين.
الأخطاء التاريخية والتمجيد في نابليون:
بدأ الإعلان بكلمات لممثل مغمور يجسد دور نابليون بونابرت، وعرف نفسه قائلا: “أنا اللي عشت في مصر 3 سنين بس، واسمي بيتقال لحد النهارده”، لكن الحقيقة التاريخية تقول عكس ذلك، حيث لم يقيم بونابرت في مصر سوى عام واحد، وعاد إلى فرنسا مجددًا، حيث بدأ الاحتلال الفرنسي لمصر منذ 1 يوليو 1798 وحتى 1801، بعد فترة قليلة من مجيء الحملة رحل نابليون بونابرت عن مصر تاركاً الجنرال كليبر على رأس الحملة ويعود إلى فرنسا في أغسطس عام 1799 ويصبح القنصل الفرنسي الأول للجمهورية. أي أن نابليون لم يمض في مصر سوى عام واحد فقط.
أما رموز حجر الرشيد كما يشير الإعلان، فقد اكتشف نابليون حجر الرشيد، لكنه سلمه للبريطانيين ليصبح في حوزتهم وعرض في المتحف الوطني في لندن، ولم يتم تفكيك رموزه حتى عام 1822 على يد عالم الآثار الفرنسي شامبليون، أي بعد مضي حوالي عقدين على مغادرة نابليون لمصر.
وعبثت الحملة الفرنسية في مصر، فقد اقتحمت جيوش حملة بونابرت الأزهر بالخيل وأعملت السيف في شيوخه وطلبة العلم، ونهبت الكتب ومزقت المخطوطات وألقي القبض على عدد من المشايخ والطلبة وقطع رؤوسهم. كما أعدم جنده الثوار ضدهم من النساء والرجال بأكثر الطرق وحشية إما بقص الرقاب أو إغراقهم في النيل.
من جانبه أبدى الدكتور محمد عفيفي، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، استياءه من إعلان الجامعة الفرنسية الذي وصفه بالصادم، وشكك في أن يكون قد عرض على مؤرخ تاريخ قبل عرضه لما يحمله من أخطاء تاريخية.
وأكد عفيفي، أن الإعلان يكرس لعقدة الخواجة ويتغافل عن الكثير من الجرائم التي ارتكبتها الحملة الفرنسية لافتا إلى وجود شخصيات كثيرة فرنسية كان يمكن اختيارها بدلا من بونابرت الذي دك القاهرة وطارد المصريين بوحشية.
تخليد واحتفاء بالغُزاة
إن حالة تمجيد والاحتفاء بالغزاة والمستعمرين التي تبلورت في إعلان الجامعة الفرنسية مع استحضار شخصية قائد الحملة الفرنسية نابليون بونابرت لم تكن الأولى من نوعها، ففي شهر يونية الماضي أثيرت حالة من الجدل بسبب اعتزام المسؤولين في محافظة بورسعيد، إعادة تمثال فرديناند ديليسبس إلى قاعدته عند مدخل قناة السويس.
وديليسبس هو صاحب فكرة حفر قناة السويس، وقد ظل تمثاله بمكانه حتى قرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تأميم القناة، وحين وقع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 أزالت المقاومة الشعبية التمثال لأنه “رمز يجسد الاحتلال والاستعمار”.
وأشارت الكثير من الوثائق المصرية عن قيام «ديليسبس» بجرائم ضد الإنسانية أثناء عملية حفر القناة، فقد حصدت السخرة أرواح نحو مئة ألف مصري في عمليات الحفر، وهو رقم مهول بالنظر إلى عدد السكان في ذلك الوقت، نحو أربعة ملايين نسمة.
وأثناء الحفر أصبح العمال عرضة للموت من شدة فتك الأمراض بهم. ووفقا للوثائق والمؤرخين فأن أكثر الأمراض انتشارا بين العمال في ساحات الحفر هي النزلات الشعبية والأمراض الصدرية والرمدية وحالات الإسهال الشديد، والدوسنتاريا وأمراض الكبد، والرمد والجدري.
ثم جاءت الكوليرا في صيف عام 1865 وعصفت بالعمال لدرجة أن الشركة لم تجد رجالا يرفعون جثث الموتى الذين كان يتم دفنهم في الصحراء! اما أكبر مأساة تعرض لها العمال خلال عمليات الحفر ظهور مادة طينية سائلة كانت تحتوي على فوسفور حارق مما ادى الى اصابة الآلاف بالأمراض الغامضة والتي ادت الى وفاتهم على الفور.
ويرى طه أبو الحسن أستاذ علم الاجتماع، ان الاحتفاء بالغزاة والمحتلين سواء على المستوى الحكومي أو الشعبي فهو خطأ كبير ومن يقع فيه يكون أناس ليس لديهم قضية حقيقية وليس لديهم رموز أثرت في حياتهم.
وأضاف أن هناك ضرورة أن يكون هناك بصمات ورموز للإنسان ولا يصبح مسخ دون تاريخ أو فكر أو عقيدة.
وأشار إلى أن الحملة التي قامت بها الجامعة الفرنسية وقدمتها بشخصية نابليون بونابرت، حملت الكثير من الأخطاء التاريخية التي جنبت ما قام به نابليون وحملته الاستعمارية من جرائم ضد مصر والمصريين.
وأوضح أن صحيح الحملة الفرنسية كان بها علماء وأدباء لكن كان الهدف من تواجدهم هو خدمة الحملة، ودراسة اذهان المواطنين والعمل عليها حتى يستطيعوا السيطرة على الشعب المصري، لكن الحقيقة التي لم يذكرها الإعلان هو أن الحملة الفرنسية كانت ساخطة لكل مقدرات الشعب المصري”.
وأختتم أستاذ علم الاجتماع حديثه قائلًا: “الاحتفاء بالغُزاة وتغير الحقائق التاريخية، سيتسبب في خلق جيل ضعيف الشخصية وضعيف البنيان الثقافي، ومن هنا يبرز دور الدولة في ضرورة كشف الحقائق عن التاريخ وبث رود الوطنية والانتماء”.