حرب ضروس شهدتها الفضائيات، وبرامج الـ”توك شو”، والكتب، والمقالات، والمؤسسات، وظلت قائمة لسنوات، تأتي بدايتها مع نشأة الوهابية الدينية، التي تعود إلى محمد بن عبد الوهاب، صاحب الأفكار الدينية بالمملكة العربية السعودية منذ نشأت المملكة، وحتى سنوات قريبة ظلت تلك الأفكار على المملكة وساكنيها، ليكن الطرف الآخر من الحرب هو كاتب رأى أن أساس فساد الفكر الديني والإرهاب هو السعودية التي أخرجت من أسفل أجنحتها الإرهابيين والدواعش، والتي أنفقت عليهم من خلال الجمعيات التي قامت أموال النفط برعايتها، كما ذكر رأس الحرب الضروس الكاتب والسيناريست إبراهيم عيسى.

سنوات طوال شهدها الصراع القائم بين المملكة العربية السعودية ومؤسستها الدينية والكاتب إبراهيم عيسى، بعد أن صنعه الأخير بسبب الاختلاف الفكري بين الجهتين، والذي اعتبره الكاتب حرب حياته كي يصل إلى تنوير الشعوب العربية، التي أغرقتها السعودية على حد تعبيره، واعتبرته المملكة متطاول مُطالبة بإيقاف تطاوله الذي أعتقد البعض أنه السبب في إيقاف إبراهيم عيسى عن الظهور على الشاشات المصرية برغبة سعودية، كما صرح أحد مسؤليها.

أساس الخلاف بين إبراهيم عيسى والمملكة

ظلامية، إرهابية، سعت إلى تغييب العقل الديني العربي، صنعت الإرهاب في بلادها عن طريق إتباعها للفكر الوهابي الإرهابي، سيطروا بمذهب أحمد بن حنبل “الأقلية”، على العقول العربية جميعًا، خلقوا الجميعات الإسلامية في جميع البلدان العربية التي تنشر فكرهم الوهابي، ساعدوا في تدمير اليمن، مؤسساتهم الدينية لا تصلح لأن تكون هي المنفر من الفكر الإرهابي والمُصلح له، يدعمون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قدموا الدعم المادي للجماعات السلفية في مصر وساعدوا في انتشارهم، هم الأساس في الإرهاب بالوكن العربي من خلال أفكارهم الدينية المتزمتة، كل هذه كانت انتقادات طعن بها الكاتب إبراهيم عيسى المملكة العربية السعودية لسنوات طوال دون أن يمل من محاربة الفكر الوهابي الذي رأى أنه أساس الإرهاب في العالم العربي وما وصلت له العراق على سبيل المثال، بعد أن تم اكتشاف أن أغلب الانتحاريين المفخخين هناك كانوا ذو جنسية سعودية، كما أن أسامه بن لادن مؤسس القاعدة سعودي الجنسية.

كان إبراهيم عيسى يحمل محاربة المملكة وأفكارها على عاتقه ليل نهار، دون أن ييأس، متخذًا الفكر التنويري الديني وكتب التاريخ والتراث سبيله لهذه الحرب.

في الاتجاه المقابل لم يتوان سلفيوا مصر و”المتحدثين باسم المملكة” كما وصفه، من تكفيره تارة وتشييعه تارة آخرى، واعتباره خارج على الملة ويجب تطبيق الحدود عليه مرة آخرى، فالعداء بين الناطقين باسم المملكة منذ بداية الألفينات، والذين زادت حدتهم بعد ثورة يناير2011.

وظل الصراع قائم بين إبراهيم عيسى والمملكة العربية السعودية في كل اللقاءات والبرامج والمحافل الرسمية وغير رسمية من قِبل الكاتب، وهم بشكل مبطن من الجهة السلفية كما أعلن هو بأنهم الضلع الرسمي للملكة في مصر.

إلى أن هاجم الكاتب السعودي صالح الشيحي، إبراهيم عيسى عام 2015 ساخرًأ منه، في مقال له بصحيفة “الوطن السعودية”، قائلًا”مفيش فلوس يا حبيبي، مفيش فلوس”.

وقال الشيحي، في مقاله: “تقول كلمات الأغنية الشعبية المصرية “مفيش فلوس يا حبيبي.. مفيش فلوس!”، ولا أعتقد أن حالة تجسدها هذه الأغنية كحالة بعض الإعلاميين من أشقائنا العرب، وعلى رأسهم إبراهيم عيسى، اليوم أجد نفسي مضطرًا لذكر اسمه، بعدما كنت قد أشرت إليه بالرمز في مقال سابق قبل نحو شهرين، احتقارًا له، ولم أكن أرغب ذلك لولا أن بعض الزملاء كشفوا النقاب عن هذا الوجه الرخيص”.

وأضاف الكاتب السعودي في مقاله: “إبراهيم عيسى – و”على بلاطة”- يريد “فلوس”، والأغنية تقول “مفيش فلوس يا حبيبي مفيش فلوس”.. هل تراه فات عليه أننا الصوت الأعلى والأقوى.. ولسنا من رواد سوق النخاسة الإعلامية”، ليبدأ بعدها العداء واضحًا بين الطرفين وبشكل صريح.

أرض النفاق والإيقاف كانا عقابًا

كان المقال السابق ذكره بداية السيل والنتقام الذي قررته المملكة من إبراهيم عيسى فبعد نشر المقال، أصدرت قناة “أون تي في” والتي كان يقدم بها برنامج حينها ، بيانًا، رفضت فيه ما تردد عن إهانة القناة للسعودية، وأكدت أنها تكن كل التقدير والاحترام للمملكة، ولا تسمح ولا توافق على أي تجاوزات ضد أشخاص أو دول تقدر دورهم على المستوى العربي والإقليمي.

وقابل ذلك، قرار من قناة “إم بي سي مصر” السعودية، بوقف عرض برنامج الـ”BOSS”، الذي يقدمه إبراهيم عيسى على شاشتها، عقب ثلاثة أسابيع فقط من بدء عرضه، في إجراء قالت إنه جاء بسبب “أن البرنامج المذكور هو دون المستوى من الناحية الإنتاجية، ولا يليق محتواه بشاشة العرض ولا بمشاهديها”.

وتمر السنوات ويأتي المنع الصريح من المملكة لشخصية إبراهيم عيسى من خلال مسلسل “أرض النفاق”، الذي كان من المقرر عرضه في رمضان 2018، بشكل حصري على أحد القنوات السعودية، ليُطلب من المنتج محمد العدل استبدال الشخصية التي كان سيؤديها “الكاتب” خلال المسلسل بفنان آخر، وإلا لن يعرض المسلسل على شاشة قنوات المملكة كما هو متعاقد عليه، وبالفعل قامت شركة الإنتاج باستبدال إبراهيم عيسى بالفنان سامي مغاوري.

بداية الصلح بين “عيسى” والمملكة

مع اختلاف السياسة السعودية وبداية الانفتاح الفكري بها مع ظهور الملك محمد بن سلمان على الساحة السياسية، وظهور إدارة الترفية التي تولاها تركي آل شيخ، وإقامة الحفلات والمسرحيات داخل المملكة، ثم السماح للمرأة بقيادة السيارات وهو ما كان يعد حرام شرعًا، أشارت كل هذه العلامات إلى اتجاه تنويري للمملكة.

وفي هذا قال الناقد الموسيقي محمد شميس في تصريح خاص لـ”مصر 360″، إن الانفتاح الفكري الي شهدته المملكة العربية السعودية خلال الفترة الماضية، يعتب طفرة فكرية، وخاصة بعد الانغلاق الذي دام العديد من السنوات، والذي جعل هناك سوق جديدة للغناء في الوطن العربي، مما أثبت رغبة حكام المملكة الحاليين في إحداث طفرة في الأفكار القديمة.

ومع حدوث هذه الطفرة كان الصلح بين إبراهيم عيسى والمملكة لتعرض منصة شاهد نت في مارس المضي فيلم”الضيف” على منصتها دون حذف أي مشهد، ليشكرهم الكاتب على عدم الحذف مؤكدًا أنهم يسيرون على خطى فكرية جديدة يتمنى أن يسير السلفيون في مصر عليها.

وأكد ذلك أيضًا الناقد نادر عدلي، حيث قال إن للانفتاح الفكري في السعودية خلال عامها الأخير آثر كبير في تقبل أفكار الكاتب إبراهيم عيسى لهم والتي تضرب في صميم تشبثهم في الآراء الرجعية والوهابية والتي يحاولون هم الآن التخلص منها، وبالتالي كان من الطبيعي أن نرى فيلم “الضيف” على المنصة الخليجية الأشهر والتي تقع تحت ملكية سعودية، ونرى أيضًا فيلم “صاحب المقام” والذي يختلف تمامًا عن كل الأفكار السعودية التي تبنتها خلال سنوات عديدة مضت، ونرى في ذلك تغييرًا جذريًا للأفكار السعودية وتقبل للرأي الآخر، واتجاهًا واضحًا منها نحو الانفتاح الفكري.

ومن جانبه، أكد الناقد مجدي الطيب، أن عرض فيلم “صاحب المقام” على منصة شاهد.نت السعودية، تعد تأكيدًا لتغير الفكر السعودي، والاتجاه إلى الانفتاح الفكري الذي طالما طالب به الكاتب به إبراهيم عيسى، أن يحدث بالمملكة أثناء فترة مهاجمته لهم.

وأضاف  أن بداية هذا التغير في فكر السعودية لم تكن بداية عرض فيلم “صاحب المقام” فقط، ولكنه ظهر من خلال الحفلات التي تمت إقامتها في الفترة الأخيرة، والمهرجانات الفنية، بالإضافة إلى عرضهم منذ شهور قليلة لفيلم ” الضيف”، الذي يعد من أهم الأعمال التي تهاجم الفكر السعودي القديم، وبالتالي نحن أمام إثباتات عدة أن هناك تطور واضح وصريح في الفكر السعودي.

وعن حل الأزمة مع إبراهيم عيسى، قال، إن عرض الأفلام الخاصة به على منصة ملكيتها سعودية، يعد بالتأكيد تصالحًا بين الطرفين، فبعد أن رفضت المملكة عرض مسلسل “أرض النفاق”، لمجرد ظهور إبراهيم عيسى به لعدة مشاهد، نرى أنه يشترون أعماله ويعرضونها بشكل حصري فهذا بالتأكيد صلح تم إقامته بين الطرفين.

وأكد على هذا الحديث، الناقد الفني طارق الشناوي، مشيرًا إلى أن بداية عقد الصلح الفني بدأت بين إبراهيم عيسى والمملكة العربية السعودية من عرض فيلم “الضيف”، كاملًا، بالرغم من أنه يضرب في معتقدات السعودية التي عاشت عليها الكثير من السنوات، وبدأت في تغييرها وتحقيق الانفتاح منذ سنوات قريبة، وهذا يدل على الانفتاح الفكري التي تسير السعودية على خطاه، وأنها أصبحت بالفعل لديها إرادة في تحقيق التطور الفكري.

وأضاف قائلاً، لإن عرض فيلم “صاحب المقام”، على منصة شاهد، خطوة مهمة في سوق التوزيع الفني وفي إيمان السعودية بالأفكار التطورية والتي نتمنى أن تسير على تلك الخطى وأن يشهد عالمنا العربي هذا الانفتاح في جميع المناطق الظلامية منه.