دائمًا يقع على كاهل القارة السمراء، مطامع الدول الاستعمارية فيها خاصةً الغرب الأوروبي، وفي مقدمتهم: إنجترا، وفرنسا، وبلجيكا، الأمر لم يتوقف عند العصور القديمة فحسب، بل أنّ هذه المطامع مستمرة حتى اليوم، للاستحواذ على موارد هذه القارة بزعامة إسرائيل، وهو ما يعرضه المركز الديموقراطي العربي في دراسة له، بعنوان:”التغلغل الإسرائيلي في القارة الإفريقية”، من إعداد أحمد جمال الصيّاد، الباحث في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية.

وتتناول الدراسة، عددًا من المحاور الهامة، منها: “أهمية القارة الإفريقية، ومراحل العلاقة بين قارة إفريقيا وإسرائيل، والأهداف الإسرائيلية من التغلغل في أفريقيا، بالإضافة الى أدوات ومظاهر التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا”.

إسرائيل في إفريقيا

أهمية القارة الإفريقية:

المواد الأولية: يتوافر بها الغابات التي تعد مصدرًا هامًا للأخشاب إلى جانب توافر: البن، و الكاكاو، والمطاط، و الفواكة الاستوائية.

الموارد المعدنية: إفريقيا من أكبر منتجي بعض السلع المعدنية، مثل: الفوسفات، والذهب، والمنجنيز، والكوبالت، و الحديد، وغيرها من المعادن الهامة لقطاع الصناعة، إلى جانب توافر فيها الألماس بكثرة، وتشير التقديرات إلى أن 30٪ من الموارد المعدنية المستخرجة من الأرض موجودة في القارة الإفريقية.

الموارد النفطية: تعد إفريقيا أكبر القارات التي تضم دولاً منتجة للنفط، حيث يوجد بها قرابة 21 دولة منتجة للنفط وتنتج القارة الإفريقية في الوقت الراهن نحو 11 % من النفط العالمي، بما يعادل حوالي 80 إلى 100 مليار برميل من النفط الخام.

كما أنها تمتلك قدرًا من الاحتياطيات النفطية؛ ربما يصل إلى نحو 10% من الاحتياطي العالمي حسب تقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، وتقسم مناطق إنتاج النفط في القارة السمراء إلى 4 مناطق، هم: شمال إفريقيا، وهذه المنطقة تضم 5 دول منتجة للنفط، هم: مصر، وليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب،  وشرق ووسط إفريقيا، وتضم دولاً منتجة للنفط، مثل: السودان، وتشاد، والكونغو برازافيل، وغرب إفريقيا، تضم دولاً منتجة للنفط، مثل: نيجيريا، وتوجو، والكاميرون، وغانا، وساحل العاج، والجنوب الإفريقي، تضم دولاً منتجة للنفط، مثل جنوب إفريقيا، وزيمبابوي.

سوق استهلاكي جيد لأي دولة صناعية: فتعداد سكان القارة يتخطى المليار نسمة، ونجد مجموع سكان دولتين فقط من دول القارة، هما: نيجيريا، ومصر، يقترب من 300 مليون نسمة، مما يجعل القارة سوق استهلاكي مناسب، للتصدير وتصريف إنتاج الدول الصناعية.

موقع القارة: إفريقيا لها أهمية استراتيجية كبيرة، من حيث الموقع، لأنه تشرف واحدة من دولها، ألا وهي المغرب على مضيق جبل طارق، ذلك الممر المائي الهام، وترجع أهمية ذلك المضيق أنه المفتاح الغربي للبحر الأبيض المتوسط، و المهم لتجارة النفط و حركته سفنه، و تتحكم واحدة من دولها أيضًا ألا وهي مصر في قناة السويس ذلك الممر المائي الهام للتجارة الدولية، والملاحة العالمية، و نجد أنها تشرف على ممر مائي هام ألا و هو مضيق باب المندب و تتحكم به جيبوتي، و إريتريا من الدول الإفريقية، و يكتسب ذلك الممر المائي أهمية، لأنه المفتاح الجنوبي لقناة السويس، والمهم لضمان استمرار حركة الملاحة بها.

أهمية سياسية و دبلوماسية: حيث أن دول القارة السمراء تشكل كتلة تصويتية كبيرة في أروقة المنظمات العالمية خاصة في الأمم المتحدة، إذا استطاعت دولة ما اجتذاب تلك الكتلة التصويتية لصفها و التأثير فيها ستضمن على الأغلب حسم عدد كبير من قضاياها داخل الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى عن طريق التصويت لها، أو على الأقل ستضمن أن تلك الكتلة لن تقف في وجهها و في وجه مصلحتها عن طريق التصويت ضدها، و هذا هدف تسعى له العديد من الدول لتضمن المؤازرة الدبلوماسية لقضاياها.

 

إسرائيل في إفريقيا

مراحل العلاقة بين قارة إفريقيا و إسرائيل

 

التأسيس 1948/1957

عندما تأسست إسرائيل في عام 1948، كان هدفها أن تحظى باعتراف،  وتأييد دوليين خاصةً من القوى والدول الكبرى، مثل: الدول الأوروبية، والولايات المتحدة الأمريكية، ولم تبدي اهتمامًا للقارة السمراء، و دولها التي كان يخضع أغلب دولها للاستعمار، والتي تضعف سياستها الخارجية بالتبعية إلى أن حدث ما أزعج إسرائيل.

ولفت انتباهها للقارة السمراء، وكان ذلك الحدث هو المؤتمر الأفروآسيوي في باندونج بإندونيسيا عام 1955، حيث لم تتلق إسرائيل دعوة لحضور هذا المؤتمر، لرفض دول المؤتمر حضورها فيه و أدان الأعضاء المشاركون فيه الممارسات الإسرائيلية تجاه فلسطين وشعبها؛ فذلك الرفض مع الإدانة سببا صدمة لإسرائيل لتدرك بذلك الأهمية الدبلوماسية للدول الإفريقية، حيث أن دول القارة في تلك الفترة بدأت تنال استقلالها، فأصبحت تشكل كتلة تصويتية لا بأس بها، مما يتماشى مع هدف إسرائيل السابق ذكره، فقررت بذلك الاتجاه صوب دول القارة الإفريقية لتغزوها دبلوماسيًا؛ حتى نصل لأواخر عام 1956 لتعترف غانا بإسرائيل.

البداية 1957/1967

تأتي البداية الحقيقية لذلك الغزو الدبلوماسي عام 1957 عندما افتتحت إسرائيل سفارة لها في أكرا العاصمة الغانية؛ و شهدت تلك الفترة استقلال لعدد لا بأس به من الدول الإفريقية، مما دفع إسرائيل على زيادة نشاطها في القارة الإفريقية، وشهدت الفترة من عام (1957 لعام 1962 ) زيارات بين قادة إسرائيل، و زعماء إفريقيا، إذ زارت وزيرة الخارجية  الإسرائيلية  آنذاك (جولدا مائير) عددًا من الدول الإفريقية، مثل: السنغال، ونيجيريا، وغانا، إلى جانب زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحق بن تسفي، 5 دول إفريقية حتى عام 1962؛ ليأتي عام 1967 لتقع حرب النكسة بين مصر و إسرائيل، لتغير مسار علاقة دول إفريقيا بإسرائيل للأسواء.

التراجع 1967/1977

كان عام 1967 إعلان لبداية مرحلة جديدة في العلاقة بين القارة السمراء و إسرائيل، حيث مع قيام حرب النكسة و احتلال إسرائيل لسيناء المصرية، لتدرك دول إفريقيا بذلك أبعاد الصراع العربي- الإسرائيلي بشكل أوضح، ويرجع ذلك للجهود العربية في أروقة الأمم المتحدة و منظمة الوحدة الأفريقية، حيث حققت تلك الجهود نجاحًا باستصدار قرارات من المنظمتين بإدانة إسرائيل جراء سياساتها الإمبريالية، لاحتلالها لأراضٍ لدول إفريقية.

وظلت العلاقة تشهد تراجعًا بين إسرائيل، ودول القارة السمراء لتبلغ العلاقة قمة تدهورها و تراجعها عام 1973 مع وقوع حرب أكتوبر عام 1973 لتأتي قرارات من منظمة الوحدة الإفريقية مساندة لمصر في حربها ضد إسرائيل، لتشهد تلك الفترة قطع 29 دولة إفريقية علاقتها مع تل أبيب، ولم يصبح لإسرائيل علاقات سوى مع مالاوي، وسوازيلاند، وليسوتو، ليأتي عام 1977 ليشهد تغييرًا جذريًا في العلاقة بين إسرائيل والدول الإفريقية، بعد زيارة الرئيس الراحل أنور السادات للقدس، ليشكل ذلك الحدث نقطة انعطاف في تلك العلاقة .

إسرائيل في إفريقيا

تحسن العلاقات 1977/1991

عندما زار الرئيس السادات القدس عام 1977 حدثت صدمة للعالم كله، و هو ما أدخل العلاقة بين إسرائيل وإفريقيا في مرحلة جديدة، ألا و هي مرحلة تحسن وبدء للتقارب حيث كانت دولة زائير السابقة أول من يكسر المقاطعة الإفريقية لإسرائيل، إذ كانت تحتاج لمساعدات عسكرية في ميدان التدريب، مما لقي قبولاَ لدى إسرائيل، وتم توقيع معاهدة بين الدولتين تفيد ذلك في تلك الفترة، وتعيد علاقتها معها في عام 1982، لترفض بعض الدول العربية ذلك التصرف وتسحب سفراؤها من العاصمة الزائيرية كينشاسا، ولحق بزائير في عودة العلاقة مع إسرائيل، كلا من كينيا عام 1988، وإفريقيا الوسطى، وإثيوبيا عام 1989، ليأتي عام 1991 ومعه مؤتمر: “مدريد للسلام”، لتدخل على إثره العلاقة بين إفريقيا و إسرائيل مرحلة جديدة.

التطبيع وازدهار العلاقات 1991/ الآن

بعد مؤتمر مدريد للسلام 1991 الذي عقد بين أطراف عربية و بين إسرائيل لإحياء عملية السلام، استطاعت إسرائيل تحسين علاقاتها مع أغلب دول إفريقيا لتشهد السنوات الأخيرة علاقات دبلوماسية واقتصادية كبيرة بينهما، فقد زاد معدل زيارات وزير الخارجية الإسرائيلي والمبعوثين التي كان محورها توطيد العلاقات بين الطرفين، لتمهد بذلك إسرائيل لإقامة علاقات اقتصادية وعسكرية قوية بينها وبين دول القارة السمراء.

شهد عام 2016 بدء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جولة شملت 4 دول إفريقية، و هم: أوغندا، وكينيا، ورواندا، وإثيوبيا، و كان الهدف من تلك الزيارة  هو تعميق العلاقات الإسرائيلية الإفريقية على المستويين الاقتصادي و الأمني، ولتعزيز التواجد الإسرائيلي في أفريقيا خاصة في منطقة دول حوض النيل للتأثير على حصة مصر و السودان من المياه .

مظاهر التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا

الأداة الاقتصادية:

كان للأداة الاقتصادية دور كبير في دعم التغلغل الإسرائيلي في القارة الإفريقية، حيث أحسنت إسرائيل تلك الأداة في علاقاتها مع الدول الإفريقية خصوصًا و أن أغلب الدول الإفريقية، وعلى الرغم مما تمتلكه من موارد دول نامية تحتاج للمساعدات و تقديم الخبرات الفنية و العلمية و التكنولوجية لها ، وهو ما وفرته إسرائيل لبعض الدول التي أقامت معها علاقات اقتصادية عن طريق ما سمي باتفاقيات التعاون الفني فنجد إسرائيل في هذا الصدد أنها أقامت العديد من المشروعات التجارية و الصناعية ، هذا إلي جانب الاهتمام بغرب أفريقيا خاصة خليج غينيا لتوافر فيه النفط بشكل كبير.

الأداة العسكرية:

تحاول إسرائيل استغلال المجال الأمني و العسكري للنفوذ للقارة الإفريقية، مما يمكنها من التغلغل بشكل أكبر في القارة السمراء، حيث أن بعض الدول الإفريقية استعانت بالخبرات الإسرائيلية في المجال العسكري، خاصةً في قطاع التدريب والتسليح، مثل: دولة زائير السابقة، و التي كانت أول من كسرت المقاطعة الإفريقية، بعد حرب أكتوبر لإسرائيل، بسبب حاجاتها للمساعدة في المجال العسكري لإعادة تدريب بناء و تدريب جيشها .

أما عن صفقات السلاح فنجد أنه قد عقدت صفقة عام 2006 بين شركة يافنيه الإسرائيلية المتخصصة في صناعة الطائرات بدون طيار و بين نيجيريا حيث تم الاتفاق على بيع أنظمة طائرات بدون طيار لنيجيريا بالإضافة إلى 15 طائرة حربية إسرائيلية و تدريب بعض الطيارين النيجيريين بقيمة إجمالية تصل إلى ربع مليار دولار ، وتعتبر تلك الصفقة أكبر صفقة تمت في تاريخ إسرائيل بين شركة إسرائيلية و دولة إفريقية .

الأداة الثقافية:

دائمًا ما حاولت إسرائيل الترويج لنفسها  على المستوى العالمي على أنها دولة تعرض شعبها للعنف و التمييز العنصري، وهو أيضًا ما روجت له في علاقاتها مع القارة الإفريقية بأنها مشتركة مع دول القارة السمراء في أنهم تعرضوا للعنف، والتمييز العنصري، و هو ما نجحت فيه إسرائيل إلى حد أن أحد فلاسفة نكروما ومساعده الذي يدعى جورج بادمور، قامت بتسمية العودة الإفريقية، وحركة التحرير باسم “الصهيونية السوداء”  فتسويق إسرائيل لنفسها على أنها تعرض للتميز العنصري، مثل، الأفارقة خلق نوعًا من التعاطف، و التاريخ المأسوي المشترك بينهما.