يسعى العلماء دائمًا على قدم وساق في الابتكار والاكتشافات الطبيبة والعلمية، للارتقاء بحياة الإنسان والحفاظ على حياتهم من الخطر، وتعد عمليات نقل الاعضاء من أكثر العمليات الطبية التي ساهمت في الحفاظ على حياة الكثير من الناس، وبالرغم من التقدم العلمي والقوانين التي شرعت هذا النوع من العمليات، إلا أنها لازالت لم تلق صداها في عالمنا العربي.
التبرع بالأعضاء ثقافة غائبة عن مصر:
تكثر عمليات الاتجار بالأعضاء البشرية حتى من دون علم صاحبها في مصر، ما أدى لإقرار قانون خاص بزرع الأعضاء، هو القانون رقم 5 الصادر عام 2010، الذي نص على أن أي محاولة لاستئصال أعضاء الميت قبل موافقة لجنة ثلاثية، سيعاقَب مرتكبها بالسجن المؤبد وغرامة تصل إلى 300 ألف جنيه. كما ينص القانون على أنه لا يجوز نقل أي عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسم إنسان حي إلى جسم إنسان آخر، إلا إذا كان ذلك على سبيل التبرع في ما بين الأقارب من المصريين حتى الدرجة الرابعة.
10 سنوات مروا على إقرار هذا القانون وحتى الآن لم يطبق في مصر، الأمر الذي بررته النائبة إلهام المنشاوي، عضو لجنة الصحة بالبرلمان، لغياب ثقافة التبرع بالأعضاء البشرية لدى المواطن المصري، موضحةً أن المصريون لايزالون يعتقدون أن عملية النقل ما هي إلا تشويه لجثمان المتوفى.
وترى عضو لجنة الصحة بالبرلمان، أن الإعلام المصري عليه دورًا كبيرًا تجاه المواطنين في نشر ثقافة التبرع بالأعضاء وأهميتها، مؤكدةً أنه لا يوجد مانع شرعي لنقل الأعضاء من الموتى.
جدل ديني حول التبرع:
سمحت الأديان السماوية بالتبرع بالأعضاء البشرية، بل ودعمتها أيضًا، إذ تشجع الكنيسة المارونية على وهب الأعضاء من ميت إلى حي أو بين الأحياء، شرط ألا يكون هناك ضرر على حياة الواهب” المتبرع”.
ويأتي موقف الكنيسة الأرثوذكسية مماثلاً إذ ترى أن استخدام العلم من أجل حياة الإنسان لا يتعارض مع الدين، لكن الأمر ما يزال مثيرًا للجدل في الأوساط الإسلامية، إذ يعتبر بعض الفقهاء والشيوخ أن الصدقة في الإسلام لا تقتصر على التبرع بالمال فحسب، بل كذلك التبرع بالأعضاء الذي يعدّ من أسمى أنواع الصدقات وأفضلها.
طالما لا تملك ذاتك فلا حق لك التصرف فيها”، هكذا كانت أشهر فتاوى تحريم التبرع بالأعضاء في ثمانينيات القرن الماضي، على لسان الشيخ محمد متولي الشعراوي ، وهي الفتوى التي انتشرت بين الجماهير بكافة أطيافهم كالنار في الهشيم حينها وظلت مسيطرة على الوعي الجمعي لعدة أعوام لاحقة.
الأمر الذي ثمنه الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق، إذ أكد بعدم جواز التبرع بالأعضاء خاصة نقل الأعضاء من المتوفين حديثا، وقال “جمعة” خلال جلسة دينية: “إن تبرع الإنسان بشيء يجب أن يكون يملكه”، مضيفًا: “أنت يا أيها الإنسان لا تملك جسدك، إنما هو ملك لله”.
لكن دار الإفتاء المصرية في يونيو من العام الماضي كانت لها رأي آخر، ونشرت على موقعها الإلكتروني الخاص بالفتاوى:” أن من الوسائل الطبية التي ثبتت جدواها في العلاج والدواء والشفاء بإذن الله تعالى للمحافظة على النفس والذات: نقل وزرع الأعضاء البشرية من الإنسان للإنسان، سواءٌ من الحيِّ للحيِّ أو من الميت الذي تحقق موته إلى الحيِّ”.
وأكدت دار الإفتاء في فتواها أن هذا الأمر جائز شرعًا إذا توافرت فيه شروطٌ معينة تُبعِدُ هذه العملية من نطاق التلاعب بالإنسان الذي كرمه الله، ولا تُحَوِله إلى قطع غيار تُبَاع وتشترى، بل يكون المقصد منها التعاون على البر والتقوى وتخفيف آلام البشر، وإذا لم توجد وسيلة أخرى للعلاج تمنع هلاك الإنسان، وقرر أهل الخبرة من الأطباء العدول، أن هذه الوسيلة تحقق النفع المؤكد للآخذ ولا تؤدي إلى ضررٍ بالمأخوذ منه ولا تؤثر على صحته وحياته وعمله في الحال أو المآل”.
برلمان المغرب يقنن التبرع بالأعضاء البشرية:
صادقت لجنة في مجلس النواب، الغرفة الأولى في البرلمان، الأسبوع الجاري، على قانون ينظم التبرع بـ “الأعضاء وبالأنسجة البشرية”.
وبموجب القانون الجديد، “أصبح ممنوعًا في المغرب أخذ عضو لأجل زرعه من شخص حي قاصر، أو من شخص حي راشد، يخضع لإجراء من إجراءات الحماية القانونية”، ولم يميز القانون بين الأعضاء والأنسجة البشرية، بالرغم من إقرار الحكومة بأن “نقل أو زرع الأنسجة لا يمثل أي خطر على المُتبرع، مهما كانت سنه، مقارنة مع أخذ الأعضاء أو زرعها”.
وبحسب أرقام وزارة الصحة المغربية، فإن “المتبرعين يمثلون 0.4 متبرع في كل مليون مواطن، وأغلب المتبرعين في حالات الكلى والنخاع العظمي ثم القرنية، فخلال الـ 11 عاما الماضية، سجلت الصحة المغربية 820 حالة للتبرع بالأعضاء بعد وفات أصحابها”.
وفي الإحصاءات الحكومية، فإن التبرع بالنخاع العظمي، منذ سبتمبر 2004، بلغت 215 حالة، فيما بلغت حالات التبرع بالقرنية، منذ 2009 إلى إبريل 2013- 418 حالة، ويعرف المغرب ضعفًا في التبرع بالأعضاء باعتراف حكومي.
الخليج وترسيخ ثقافة التبرع بالأعضاء:
اهتم القانون بزراعة الأعضاء في منطقة الخليج العربي، فأصدرت الإمارات قانونًا اتحاديًا عام 1993 لتنظيم نقل وزراعة الأعضاء، وتعتبر الإمارات رائدة في زراعة الأعضاء بمنطقة الخليج والشرق الأوسط، إذ تحقق نجاحات طبية مبهرة في مجال التبرع وزراعة الأعضاء المتعددة، تشمل”القلب والكبد والرئتين، والتوسع في زراعة الكلى”.
وكشف استطلاع، أجرته «الإمارات اليوم»، أن 41% من المشاركين فيه يرغبون في التبرع بأعضائهم بعد الوفاة، لكنهم يجهلون آلية التبرع، فيما اقترح مشاركون تنظيم حملات توعية لنشر ثقافة التبرع، وإضافة بند التبرع بالأعضاء البشرية بعد الوفاة، ضمن بطاقات الهوية ورخص القيادة وبطاقات التأمين الصحي.
أما الكويت، أصدرت مرسوماً بالقانون رقم 55 عام 1987 بشأن زراعة الأعضاء، تليها بضعة تعديلات، لضبط كل نواحي هذه العملية، والبحرين عام 1998.
وللكويت تجربة خاصة مع عملية التبرع بالأعضاء من خلال انشاء الجمعية الكويتية لزراعة الاعضاء التي أسست منذ 34 عاما، والتي تعنى بتوعية المواطنين بأهمية ومعاني التبرع بالاعضاء للمرضى المحتاجين لها.
وأجازت لجنة الفتوى في وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية في الكويت التبرع بالاعضاء “اذا كان المأخوذ منه ميتا موتا حقيقيا وتوقفت أعضاؤه الرئيسية عن العمل كالقلب والرئتين” مشترطة “وصيته بالتبرع قبل موته أو موافقة ورثته عليه بعد موته أو موافقة ولي الأمر على ذلك عند عدم وجود الورثة وذلك سدا لباب التلاعب والاتجار بالاعضاء”.
قطر وقانون التبرع بالأعضاء:
وفي عام 2015 أصدرت قطر قانوناً جديداً من 28 مادة، لنقل وزراعة والتبرع بالأعضاء البشرية، الذي ينص على حظر نقل الأعضاء التناسلية، وينظّم بنوكاً لحفظ الأنسجة والخلايا في المستشفيات الحكومية الخاصة، ويسمح بوهب الأعضاء من دون صلة عائلية.
وبلغ عدد المتبرعين المسجلين في برنامج قطر للتبرع بالأعضاء نحو 300 ألف متبرع، وذلك بحسب إحصاءات مؤسسة حمد الطبية، وهو ما يعني أن 15 في المائة من عدد السكان في دولة قطر قد وقعوا على بطاقة التوصية بالتبرع بالأعضاء بعد الوفاة.
العراق تقنين التبرع وتجريم بيع الأعضاء:
في عام 2014صادق مجلس الشعب العراقي ورئيس الجمهورية على قانون تنظيم زرع الأعضاء البشرية في العراق، كما نص قانون على منع الاتجار في نفس العام.
وبهدف قانون التبرع يالأعضاء تنظيم عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية لتحقيق مصلحة علاجية راجحة للمرضى، والحصول على الأعضاء البشرية من جسم الإنسان الحي بالتبرع، حال حياته أو من جثث الموتى بالوصية بعد وفاته، ومنع بيع الأعضاء البشرية والاتجار بها من خلال فرض عقوبات رادعة عند المخالفة”. إلا أن العراق يشهد حملات غير شرعية كبيرة من التجار المتخصصين ببيع الأعضاء مقابل أموال قليلة.
الأعضاء البشرية وتجريم تجارتها:
شتان الفرق بين التبرع بالأعضاء من أجل حياة إنسان دون منفعة عائدة ودون تقاضي أموال، وبين الاتجار في الأعضاء البشرية التي تعد جريمة تثير قلق الدول ومؤسسات حقوق لإنسان. وتشير تقارير إلى أن أرباح هذه التجارة غير المشروعة عالميا تتراوح ما بين 600 مليون دولار ومليار دولار سنويا.
وتحتل مصر المرتبة الثالثة عالميا في تجارة الأعضاء البشرية بعد الصين وباكستان، وزادت نسبة بيع الفقراء لكلاهم للأغنياء بأكثر من 50 في المئة بين عامي 2002 و2006.