أعاد اختيار وزارة النقل والمواصلات تعريفة ركوب القطارات الجديد، الخميس الماضي، كموعد لرفع أسعار القطارات بنسبة 25% على الدرجة الأولى المكيفة و50% على الدرجة الثانية، إلى الأذهان ما يسمى بـ”خميس الزيادات” الذي صاحب المصريين طوال مرحلة الإصلاح الاقتصادي وأصبح يومًا مخصصًا لرفع أسعار الخدمات التي يعتمدون عليها في حياتهم اليومية.

أصدرت الحكومة المصرية العديد من القرارات الهامة كلها يوم الخميس بدءًا من قانون الخدمة المدنية، ثم رفع أسعار المحروقات، والانتقال من ضريبة المبيعات إلى القيمة المضافة بنسبة ١٣ بالمئة ثم رفعها إلى ١٤ بالمئة، وتعويم الجنيه، وخفض الدعم عن الكهرباء والمياه، وزيادة سعر تذكرة مترو الأنفاق ١٠٠ بالمئة، ثم زيادة جديدة بالمحروقات، ورفع أسعار المكالمات الدولية، وتحريك أسعار الأدوية، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة على خدمات الانترنت، ورفع أسعار كروت شحن الهواتف المحمولة.

الخميس أفضل أيام الأسبوع لدى المصريين

وقبل عدة سنوات، كان الخميس أفضل أيام الأسبوع للمصريين، إذ يتبعه يومين إجازة لأغلب العاملين بالحكومية والقطاع الخاص،  ما يجعله مرتبطًا بمناسبات لا تنسي كالزفاف والخطبة، والحفلة الشهرية لأم كلثوم في الخميس الأول من كل شهر،  أو بمعنى آخر كان فرصة للمصريين لكسر مرارة الأوضاع المعيشية التي يعيشونها، ربما بجولة مجانية على ضفاف النيل، أو زيارة قريب، قبل أن يصبح يومًا للترقب والقلق.

يقول خبراء اقتصاد إن يوم الخميس يضمن للحكومة تحقيق العديد من المآرب في الوقت ذاته، فعطلة يومي الجمعة والسبت يعطيان فرصة لامتصاص أثر الصدمة، علاوة على أن معظم “برامج التوك شو” المشهورة كانت إجازة في اليوم نفسه ما يقلل من حالة النقاش حول تداعيات القرار، وتأثيراته السلبية على المواطنين أو إثارة المزيد من غضبهم.

محطة مصر

ويؤكد محمود العسقلاني، رئيس حركة “مواطنون ضد الغلاء”، أن يوم الخميس بات مصدر إزعاج للمواطنين، حتى بات المواطن يبدأ صباحًا بالهرولة إلى الإنترنت، للبحث عن القرارات الصادرة ويسجد لله شكرًا إذا وجد الأمور طبيعية بدون تغيير.

ويقول المسئولون في الحكومة إن اختيار يوم الخميس “غير مقصود” فالاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء المخصص لمناقشة القضايا الاقتصادية والأحوال المعيشية للمواطنين يعقد يوم الأربعاء، وبالتالي تصدر القرارات في اليوم التالي، مضيفين أن الأمر شبيه باجتماع البنك المركزي لبحث الفائدة.

وتعقد لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي اجتماعها في أول خميس كل 45 يومًا، لبحث أسعار الفائدة والتضخم، بسبب إجازة الجهاز المصرفي يومي الجمعة والسبت في امتصاص أثر القرارات على السوق، لكن الأمر امتد ليصبح غالبية القرارات الاقتصادية.

ويرفض العسقلاني مبررات الحكومة  على اعتبار أنها تعقد اجتماعين في الأسبوع أحدهما يوم الأحد والثاني يوم الخميس، مضيفًا: “يبدو أن هناك هدفًا غير مباشر مرتبط بتنظيم النسل والتنكيد على المواطنين في يوم من المعروف أنه اليوم المخصص للقاءات الزوجية لدى غالبية المواطنين”.

استغلال يوم بعينه لتمرير قرار اقتصادي هي سياسة بدأها حسني مبارك

مع تكرار قرارات “الخميس”، أصبح الأمر مادة خصبة للتندر والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تم تدشين صفحات تحمل عنوان “الحملة الرسمية لكره يوم الخميس” التي شهدت انتقادات لاذعة من الحكومة وسخرية من مبررات قراراتها التي لا تخرج عن أنها تصب “في صالح المواطن”.

ويؤكد الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن القرارات الصادرة يوم الخميس يجب تقسيمها لنوعين، أولهما يتعلق بالحكومة كالدعم والتعويم، وهي أمور مجبرة على تنفيذها مع صندوق النقد الدولي، ومجموعة أخرى غير مبررة وتشي بسوء إدارة.

ويدفع بعض الخبراء أن استغلال يوم بعينه لتمرير قرار اقتصادي هي سياسة بدأها الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، إذ كانت حكوماتها تستغل المباريات الهامة كدربيّ الأهلي والزمالك أو المرحلة النهائية للبطولة الأفريقية التي يحتكر منتخب مصر معظم نسخها في تمرير قراراته الهامة.

حسني مبارك

ويؤكد عبده أن “الحكومة لا تحسن التعامل مع الأمر أو شرح مبررات القرار بمنطقية، إذ تبرر قرارات زيادة الأسعار بمصلحة المواطن، كما لو كانوا يقولون للمواطن سيتم إفقارك لمصلحتك”، مضيفًا أن المسئول يراهن على أن الشعب طيب وسريع النسيان.

تعتبر النكتة مقياسًا للصحة النفسية للمواطنين

استطاع يوم الخميس أن يحذف يوم الجمعة من تاريخ الأيام التي يخشاها المصريون، إذ مثل نهاية الأسبوع انطلاق عشرات المظاهرات والفعاليات الاحتجاجية التي تطور معظمها لأحداث عنف بدءًا من جمعة الغضب في 28 يناير 2011 وحتى مظاهرات يوم الأرض احتجاجًا على اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية في أبريل 2015.

يقول الدكتور رامز طه، استشاري الطب النفسي، إن المشكلة ليست مرتبطة بيوم بعينه، ولكن بحالة تخوف مستمر لدى المواطن من احتمالية عجزه عن توفير احتياجاته الأساسية والتي قد تؤدي حال استمرارها لفترة طويلة إلى قلق مزمن يتطور إلى اعتلال في الصحة النفسية والجسمانية .

وأضاف أن صدور تلك القرارات يوم الخميس المرتبط لدى غالبية المصريين بأمور عاطفية تتعلق بالحياة الزوجية، خلق حالة من التندر والسخرية من الواقع الصعب، وابتداع النكتة التي تعتبر علاج نفسي فعال، للتخفيف من حدة الضغوط والقلق، فالضحك مسكن طبيعي للألم، ويحسن مناعة الجسم ويخفف الضغط، ويساعد على تجاوز المخاوف والمشكلات، والنكتة من وسائل التنفيس سواء بدواعي الخوف، أو العيب يلجأ حينها إلى طرق أخرى كي يرتاح من عبء الكلمة المكبوتة داخله.

تعتبر النكتة مقياسًا للصحة النفسية للمواطنين المصريين منذ قدماء الفراعنة الذين اعتقدوا أن العالم خُلق من الضحك، فحين أراد الإله أن يخلق الدنيا أطلق ضحكة قوية فظهرت السماوات السبع وضحكات أخرى لتظهر النور والماء والأرض وأخيرًا الروح، وامتدت كسلاح سياسي للنقد السياسي في عهد المماليك، والاحتلال الفرنسي، والبريطاني.