رغم الطفرة في إصدار قوانين اجتماعية وتربوية في السنوات الأخيرة بمصر، مثل قانون مناهضة قوانين التنمر والتحرش وغيرها، إلا أن ثقافة القانون لا تزال غائبة لدى المواطن المصري.
انهيار أخلاقي ونقص ثقافي
عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، جورج إسحاق، يقول إن الأمر لا يتعلق فقط بسن قوانين تقدمية في ملف الحقوق والحريات، إنما يتعلق بمنظومة ثقافية وتربوية أصبح بها خلل وانهيار أخلاقي.
ويطالب “إسحاق” برعاية لتلك القوانين عن طريق حملات في المدارس، والأسرة وكافة المؤسسات التربوية، مُستشهدًا بالقضية المعروفة إعلاميًا “فتيات التيك توك”، معقبًا: “كيف لفتيات في مقتبل عمرهن يحبسن لمدة عامين دون فهم للجريمة، فكان من الواجب علينا نشر ثقافة القوانين ومن ثم تطبيقها، لأن الهدف إصلاح المجتمع وليس تقييد حرية الأشخاص”.
وأصدرت المحكمة الاقتصادية بالقاهرة، الأسبوع الماضي، أول حكم بحبس الفتاتين مودة الأدهم وحنين حسام، واللتين اشتهرتا على ساحة مواقع التواصل الاجتماعي في مصر مؤخرًا، لمدة عامين وغرامة 300 ألف جنيه لكل منهما لاتهامهما بالتعدي على القيم والمبادئ الأُسرية.
ويعتبر هذا الحكم ثاني حكم يصدر من المحكمة ذاتها ضد فتيات لنفس الاتهام، بعدما قضت نهاية الشهر الماضي بحبس الفنانة سما المصري 3 سنوات، وحددت محكمة الاستئناف التابعة للمحكمة الاقتصادية جلسة يوم 17 أغسطس الجاري، لنظر الاستئناف على الحكم.
وبحسب قرار النيابة العامة في يونيو الماضي، أحيلت مودة الأدهم، وحنين حسام، إلى المحاكمة الجنائية، ووجهت لهما تهم الاعتداء على مبادئ وقيم أسرية في المجتمع المصري، وإنشاء وإدارة واستخدام مواقع وحسابات خاصة عبر تطبيقات للتواصل الاجتماعي بشبكة المعلومات الدولية بهدف ارتكاب وتسهيل ارتكاب تلك الجريمة، كما وجهت لـ3 متهمات آخريات تهمة مساعدتهما على ارتكاب تلك الجرائم وإدارة حساباتهما على مواقع التواصل الاجتماعي.
ودشن بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي حملة إلكترونية تحت هاشتاج “بعد إذن الأسرة المصرية” للإفراج عن حنين ومودة وغيرهن.
“التنمر أصبح ظاهرة اجتماعية في مصر والعالم”.. مارجريت عازر، عضو مجلس النواب
حملة قومية للتوعية
تقول عضو مجلس النواب، مارجريت عازر، إن التنمر أصبح ظاهرة اجتماعية في مصر والعالم، يعاني منها الكثيرون خاصة الأطفال، لافتة إلى أنه تم تدشين الحملة القومية ضد التنمر قبل إصدار القانون، والتي تعمل على زيادة الوعي بخطورة هذه القضية، والتي تدفع إلى اكتئاب وانتحار أحيانا.
وبحسب تعريف “اليونيسف”، فإن التنمر هو أحد أشكال العنف الذي يمارسه طفل أو مجموعة من الأطفال ضد طفل أخر أو إزعاجه بطريقة متعمدة ومتكررة. وقد يأخذ التنمر أشكالًا متعددة كنشر الإشاعات، أو التهديد، أو مهاجمة الطفل المُتنمَّر عليه بدنيًا أو لفظيًا، أو عزل طفلٍ ما بقصد الإيذاء أو حركات وأفعال أخرى تحدث بشكل غير ملحوظ.
أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر والبرلمانية آمنة نصير، تطالب بزيادة حملات إعلامية للتوعية وفهم القوانين قبل الشروع في تطبيقها حتى يكون المواطن على دراية بالفعل المُرتكب، موضحة أن أحيانًا الناس تفعل الجُرم دون دراية، خاصة في قوانين مثل التنمر.
ويتفق معها فى الرأي الباحث في الشأن القبطي، كمال زاخر، حول دور الإعلام قائلًا: “في مجتمعات العالم الثالث مثل مصر، الدور الأساسي في التوعية هو الإعلام خاصة المرئي، فضلًا عن الأعمال الفنية التي تُعطي رسائل غير مباشرة للمنهج المجتمعي لاسيما في قضايا مثل التحرش والتنمر”.
قانون مناهضة التحرش
ورغم التعديلات على قانون مناهضة التحرش في عام 2014 عقب حادث التحرش الجماعي بالتحرير، إلا أنه مازالت حوادث التحرش والسكوت عنها مستمرًا، خاصة بعد أزمة طالب الجامعة الأمريكية ومزاعم اغتصاب والتحرش بـ100 فتاة وطالبة.
ووفقًا للمادة 306 مكرر (أ ) من قانون العقوبات: “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية”.
وتكون العقوبة، الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه ولا تزيد على 10 آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه.
“الشخصية المصرية يترسخ في ذهنها العقاب المجتمعي وليس القانوني”.. كمال زاخر
العقاب المجتمعى
ويرى “زاخر”، أن الشخصية المصرية يترسخ في ذهنها العقاب المجتمعي وليس القانوني، وعدم الوصول لمنظومة العدالة، واستبدالاها بالجلسات العُرفية في كثير من القضايا.
ويدلل على قوله “عند الإمساك بلص في الشارع يقوم الناس بضربه ضربًا مبرحًا، ثم يطلقون سراحه حتى لا يدمر مستقبله، ورغم أن الوعي الجمعي لا يختلف على جريمة السرقة لكنهم لا يسلكون الإجراءات الطبيعية والقانونية في مثل تلك المواقف”.
ويؤكد أن الأجهزة الرقابية ومؤسسات التربية كالمدرسة والبيت والجامع والكنيسة مسئولة عن تشكيل الوعي الجمعي، مطالبًا بتطوير الخطاب الديني والانتباه لدوره في تثقيف المجتمع وبناءه.
ويتابع زاخر: “فدور رجل الدين لا يكون انتقائيًا ويركز على قضايا بعينها، دون التطرق للقضايا التربوية، من خلال وضع خطة ومنهج من قبل مؤسسات الدولة ليحدث تكامل بين الأجهزة التنفيذ المسئولة عن تطبيق القانون والأجهزة التربوية والثقافية والدينية المعنية بوعي المواطن”.
“القضاء على الفساد وتطبيق القوانين بحزم جزء مهم للغاية في نشر ثقافة القوانين”.. أستاذ علم الاجتماع، سعيد صادق
التصور الذهني لدى المواطن
فيما يقول أستاذ علم الاجتماع، سعيد صادق، إن التصور الذهني لدى المواطن أن القوانين تُطبق على الضعفاء فقط وليس على الأقوياء، لذلك يحدث نوع من الاستهتار من قبل ذوي النفوذ سواء مال أو سلطة، واستهتار بالمؤسسات، لذلك ينبغي رقابة على القائمين بتطبيق القانون أنفسهم لضمان شفافية التطبيق.
يستشهد أستاذ علم الاجتماع، بدولة تونس التي فرضت عقوبات على المحرضين والساعين للتصالح في الجرائم الأخلاقية مثل التحرش وغيرها، رغم وجود ثقافة “المسامح كريم” لدى الشعب التونسي، مؤكدًا أن القائمين على القانون في مصر هم جزء من الثقافة الذكورية السلطوية فيعطي لنفسه حق تقييم الموقف دون الرجوع لمهام وظيفته التي تقتضي عليه انفاذ القانون، مما يجعل المواطن لديه عدم ثقة في العدالة من الأساس.
يشير أستاذ علم الاجتماع، إلى أن القضاء على الفساد وتطبيق القوانين بحزم جزء مهم للغاية في نشر ثقافة القوانين، لأنه بمرور الوقت ومعرفة وجود عقاب سيقل معدل الجريمة والخطأ.