“التعليم هو أقوى سلاح من الممكن استخدامه لتغيير العالم”.. هكذا عبر نيلسون مانديلا، الرئيس الإفريقي، عن أهمية تلقى العلم، لطالما كان التعليم الأساسي هو حجر الزاوية، في إنشاء ثقافة الأجيال لتغيير واقعهم.

قُرى عدة في مصر تعاني من أزمة التعليم الأساسي، بعضها يشكو “مفيش مدارس عندنا”، والآخر يؤكد “العيال في الفصول فوق بعضها”.

“2300 قرية محرومة من مدارس التعليم الأساسي”.. إحصائية حديثة- أعلنتها وزارة التربية والتعليم.

احتلت سوهاج المركز الأول في المناطق المحرومة من التعليم، بـ 351 منطقة بلا مدارس، وفي المركز الثاني محافظة قنا ويوجد بها 303 مناطق محرومة من المدارس، بين قرى ونجوع وكفور، وتحتل المنيا المرتبة الثالثة ويوجد بها 291 منطقة محرومة من المدارس، وجاءت البحيرة رابعة في القائمة من حيث عدد المناطق المحرومة من المدارس بها، وفيها 270 منطقة بلا مدارس تعليم أساسي.

ورصد الإحصاء 217 منطقة محرومة من المدارس في أسيوط، وكان لمركز ديروط النصيب الأكبر من المناطقة المحرومة بـ 28 قرية وتابع بالمركز بلا مدارس.

وفي كفر الشيخ 136 منطقة بلا مدارس للتعليم الأساسي بحلقتيه الابتدائية والاعدادية، ثم حافظة الدقهلية ويوجد بها 68 منطقة، والقليوبية بها 45 منطقة، والغربية بها 43 قرية وتابع بلا مدارس للتعليم الأساسي، وكل من المنوفية والإسماعيلية بها 41 منطقة، ودمياط بها 40 قرية وتابع محرومة من المدارس، وجاءت الأقصر في ذل القائمة بـ 29 منطقة فقط.

أطفال قرية العساكرة في سوهاج، ضحايا غياب مدارس الابتدائي وأغلبهم يذهب إلى القرى المجاورة

الفتيات ضحايا غياب المدارس

أطفال قرية العساكرة في سوهاج، ضحايا غياب مدارس الابتدائي، أغلبهم يذهب إلى القرى المجاورة، وفق محمد الشيميّ أحد الأهالي، فإن 80% من الصغار يذهبون لقرى بعيدة عن مسكنهم، ورغم سنهم الصغيرة إلا أنّهم يضطرون لاستقلال وسائل المواصلات.

يسرد تفاصيل المأساة: “أسر كثيرة تضحي بمستقبل أبنائها، وتجبرهم على الجلوس بالبيت، لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف المواصلات ذهابًا وإيابًا”.

ويضيف: “حاول أحد أغنياء القرية حل الأزمة فتبرع بقطع0ة أرض لبناء مدرسة منذ سنوات عدة، ولم تلتفت وزارة التربية والتعليم والجهات المسؤولة للأمر”.

وأكد وجود ذات المشكلة بقرى: بني حلوة، والساحل، والحجز، وهذا سبب أمية أغلب فتيات قريته.

مخاطر الطريق

في مركز العياط بمحافظة الجيزة، عدد كبير من القرى دون مدارس لتعليم الأطفال، يشكو أهلها انعدام فرصهم في الاختيار، معتبرين أنفسهم أميين بـ”الإكراه”.

محمد خطاب، من قرية كفر طرخان، يقول إنهم لا يجدون مدرسة واحدة لتعليم أطفالهم، ويضطروا للمشي أميالًا طويلة، وتجاوز شريط السكك الحديدية، ويعرضون أنفسهم إلى حد الخطر.

“خطاب”، يؤكد أن قرى المركز تعاني ارتفاع معدلات الأمية، لخوف أولياء الأمور عليهم، خاصًة مع طول المسافة بين المنزل والمدرسة، وعدم توافر وسائل نقل فيما عدا الـ”توك توك”، ما يكلفهم مبالغ كبيرة، في حين أن حالتهم الاقتصادية لا تسمح بذلك.

قرية المحمودية التابعة لمركز ديرووط في محافظة أسيوط خالية تمامًا من أي مدرسة “ابتدائية، أو إعدادية، أو ثانوية”

غياب تام للمؤسسات التعليمية

في القرى السابقة، لا تجد مدرسة تعليم ابتدائية، لكنّ في قرية المحمودية التابعة لمركز ديرووط في محافظة أسيوط، تخلو القرية تمامًا من أي مدرسة: ابتدائية، أو إعدادية، أو ثانوية.

يضطر أهل القرية إنفاق مبالغ طائلة، في مقابل ذهاب الأبناء لمدارس القرى المجاورة، التي تشكو الكثافة الطلابية بالفصول.

نور الدين محمود، أحد سكان المحمودية، يتساءل: كيف يبدأ العام الدراسيّ الجديد “والطلاب فوق بعضهم” في ظل كورونا؟.

محاولات لحل الأزمة

الدكتور عمرو شلتوت، وكيل وزارة التربية والتعليم في محافظة سوهاج، يقال إن  سوهاج من أكثر المحافظات التي تعاني من غياب المدارس بالقرى. ويضيف ” الوزارة تعمل على توفير عدد من الفصول في المدارس لحل أزمة التكدس، بالإضافة إلى بناء مدارس في القرى التي تعاني من غياب التعليم الأساسي بها”.

الدكتور أمجد عامر، خبير التنمية والإدارة المحلية والمحليات، يقول إن وزارة التنمية المحلية تطور القرى الأكثر فقرًا، بواقع 3 قرى في كل محافظة.

“عامر” يشير إلى أن إنشاء المدارس بـ87 قرية بالمحافظات- أهم خطط “التنمية المحلية”- بالتعاون مع هيئة الأبنية التعليمية، التابعة لوزارة التربية والتعليم.

“تستقبل مصر كل 15 ثانية مولودًا جديدًا، ما يهدر حق الكثيرين في التعليم”.. الدكتور محمد عبد العزيز، الخبير التعليمي

حياة كريمة

وقعت وزارة التنمية المحلية اتفاقية مع الهيئة العامة للأبنية التعليمية، ضمن مبادرة “حياة كريمة”، مشروع “تنمية وتطوير القرى الأكثر فقرًا”.

تلتزم الوزارة بتوفير وإتاحة الاعتمادات المالية اللازمة للهيئة، لتنفيذ الأعمال التي يتفق عليها الطرفين، بـ 164,5 مليون جنيه شاملة كافة المصروفات المُحملة على المشروعات، المطلوب سدادها على دفعتين، الأولى تتضمن إتاحة 90 مليون جنيه للهيئة من قيمة الاتفاق فور التوقيع عليه.

“35860 فصل، تكلفة كل منهم نصف المليون جينه”.. هكذا يقدر اللواء يسري عبدالله، المسؤول بالوزارة، حاجة القرى والنجوع المحرومة من التعليم الأساسي.

وأشار إلى أن هيئة الأبنية التعليمية تلتزم بإعداد المستندات اللازمة لاستخراج التراخيص لكل مشروع بالتنسيق مع المحافظات، وتسليمها للجهة المنفذة لكل مشروع، وفقًا للوائح المعمول بها لدى الطرف الثاني، ووفقاً لما يصدر من قرارات من رئيس مجلس الوزراء في هذا الشأن، و تلتزم الهيئة بالإشراف الدائم على جميع الأعمال ومُتابعة تقدمها والانتهاء من المشروع في التوقيتات المحددة.

تحديد النسل

الدكتور محمد عبد العزيز، الخبير التعليمي، يرى ضرورة تحديد النسل، إذ تستقبل مصر كل 15 ثانية مولودًا جديدًا، ما يهدر حق الكثيرين في التعليم، مؤكدًا ضرورة مشاركة الجمعيات الأهلية في حل الأزمة، لأن مصر بها نحو 50 ألف جمعية أهلية.