يوافق عام 2020 الذكرى المئوية الثانية لولادة السيدة ” فلورنس نايتينغيل” رائدة التمريض، والتي يطلق عليها “سيدة المصباح” وهي مؤسسة علم التمريض الحديث، وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية أن 2020 هي السنة الدولية لكادر “التمريض” عالمياً، تمجيداً لذكرى وظيفة التمريض خاصة بعد دور العاملين به وتضحياتهم وموقفهم النبيل خلال الظروف الصعبة التي يوجهها العالم بسبب جائحة كورونا.
منذ عشرات السنوات يشكو الأطباء في مصر من عدة مشكلات من بينها قلة عدد مدارس التمريض، مع زيادة الطلب والحاجة لوجود خدمات التمريض في كل أماكن الرعاية الصحية، أيضاً من بين المشكلات كان اتجاه عدد ليس بقليل من التمريض للعمل في المستشفيات الخاصة، والابتعاد قدر الإمكان عن المستشفيات الحكومية، بسبب قلة الدخل الذي يحصلوا عليه.
إلا أن جائحة كورونا سلطت الضوء على مشكلات هذه الفئة منذ بداية العام الجاري، فكان الأمر بمثابة مفتاح إنقاذ وإنعاش لهيئة التمريض في مصر، فاهتمت الدولة بدعمهم، وأشاد عدد كبير من المسؤولين بدورهم القوي في التصدي لفيروس كورونا، جنباً إلى جنب مع الأطباء لاحتواء الأزمة.
كثفت الدولة ومؤسساتها جهودها لرفع مستوى الدعم والاهتمام المخصص لتعليم التمريض على وجه الخصوص، من خلال إنشاء كليات مستقلة تحمل اسم “التمريض” وقد كان ملصقاً دائماً في الماضي بأشياء أخرى، وكان عدد المقبلين عليه قليل مقارنة بالآن، كما جاءت المطالبات بإنشاء مدارس تمريض جديدة في مصر، منها ما جاء على لسان النائب همام العادلي، رئيس لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس النواب، الذي طالب بزيادة عدد مدارس ومعاهد التمريض على مستوى الجمهورية، وتخفيف شروط القبول التي تقف عائقاً أمام عدد كبير من الطلاب بالرغم من حصولهم على مجاميع عالية في الشهادة الإعدادية.
كليات تمريض مستقلة
كثيراً ما سعى القائمين على منظومة التمريض في مصر إلى أن يكون مستوى تعليم التمريض موحد، في صورة “بكالوريوس التمريض”، الأمر الذي من شأنه أن يساعد الممرضين الذين تخرجوا في الماضي من استكمال دراستهم، من دبلوم تمريض لمعهد فني ومن معهد فني لبكالوريوس تمريض، ومنه إلى ماجستير تقني، وهو ما سيعود بالنفع لمستقبل التمريض في مصر ومنه لإفادة المجتمع.
كانت هذه الرؤية تسطر أحلام وطموحات العاملين في مجال التمريض في مصر منذ عشرات السنوات، حتى التفتت الدولة وبدأت بالتخطيط له بالفعل، وظهر هذا من خلال عدة اجتماعات جمعت الدكتور خالد عبد الغفار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، بمجلس الجامعات الخاصة والأهلية وبحضور رؤساء الجامعات، لوضع بعض الأسس والاستعدادات المتعلقة ببدء العام الدراسي الجديد، تم طرح العديد من التعديلات المتعلقة بالتمريض في مصر، أبرزها إنشاء كليات خاصة تحمل اسم التمريض، وفصلها عن تخصصات أخرى كانت ملاصقة لها، وهو ما حدث بالفعل في جامعة سفنكس ليتم فصل كلية التمريض عن كلية تكنولوجيا العلوم الصحية التطبيقية، بقرار من المجلس الأعلى للجامعات وتصبح كلية مستقلة بذاتها عن أي كيان آخر.
على نفس النهج، اهتمت جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا بإنشاء كلية مستقلة للتمريض بالجامعة، واتخذت كافة الإجراءات القانونية المطلوبة من أجل استصدار قرار جمهوري بإنشاء هذه الكلية بهدف تخريج دفعات جديدة من التمريض قادرة على تقديم رعاية تمريضية عالية الجودة وتقديم بحوث علمية متطورة في مجال خدمة المجتمع، فبعد أزمة كورونا أصبح الجميع في حاجة إلى إعداد كوادر تمريضية متميزة علميا ومهاريا وإداريا، وهو ما تحرص عليه إدارات الكليات والجامعات في الوقت الراهن قبل الدخول في موسم الدراسة الجديد 2020 – 2021.
في السياق ذاته وبإعلان الجامعات الخاصة والأهلية عن مصاريف العام الدراسي الجديد، تبين أن مصاريف كليات التمريض أصبحت تقترب من كليات أخرى مثل التربية ورياض الأطفال والترجمة وغيرها، وأحياناً تفوقها في بعض الجامعات، وهو ما يشير إلى رفع مكانة التمريض والإعلاء من شأنه، فلم يعد هو التخصص غير المرغوب فيه، أو التخصص الذي يدخله الفئة البسيطة، محدودة الدخل كما كان الأمر سابقاً، وهو ما سيساعد في تغير معتقدات المجتمع خلال الفترة المقبلة.
دورات تدريبية
إعداد الكوادر التمريضية في مصر لا يعتمد فقط على البكالوريوس والدراسة الأكاديمية البحتة، فقد نظمت بعض الأماكن المعنية بتعليم التمريض بعض الدورات التدريبية لخدمة راغبي الدراسة في هذا المجال خاصة في ظل أزمة كورونا، ومن بين تلك الأماكن أكاديمية الأميرة فاطمة للتعليم الطبي، التي نظمت عدد من الدورات التعليمية للفرق الطبية العاملة بمستشفيات وزارة الصحة والسكان ،وذلك من خلال البرامج التدريبية للتعليم عن بعد التي تنظمها الأكاديمية، بحضور وتحت إشراف عدد كبير من كوادر التمريض في مصر منهم الدكتور محمد فوزى السوده، مساعد وزير الصحة للتعليم الطبي والمهني المستمر ورئيس أكاديمية الأميرة فاطمة للتعليم الطبي المهني المستمر، وقد شمل التدريب عدد كبير من الأطقم الطبية بمستشفيات الحميات والصدر، وتم تدريبهم على أعمال الرعاية المركزة وكذلك إجراءات الوقاية الشخصية ومكافحة العدوى والتدريب على بروتوكولات العلاج الخاصة بمرضى فيروس كورونا، لم تكن تلك أولى الدورات التدريبية لهذه الأكاديمية قد نظمت من قبل عدد من الدورات التعليمية، للفرق الطبية بمستشفيات وزارة الصحة، لتطوير التعليم الطبي المهني، كجزء من منظومة البرامج التدريبية للتعليم عن بعد التي تنظمها الأكاديمية منذ بدء تطبيق الخطة مطلع شهر فبراير الماضي.
الصدارة للنساء
“التمريض أقوى فئة بالفريق الطبي” هكذا تصف كوثر محمود، نقيب التمريض، فريقها في مصر دائماً، مبرهنة على ثقتها في قدراتهم، وتفانيهم في العمل.
تشكل النساء غالبية القوى العاملة في مجال التمريض وقد بلغت نسبتهم عالمياً 70 %، مقارنة بنسبتهن في كل قطاعات التوظيف وقدرها 41 % ، حيث يستأثر مجال التمريض بحصة كبيرة من العمالة النسائية، وفقاً للتقرير الصادر عن الهيئة رفيعة المستوى التابعة للأمم المتحدة والمعنية بالعمالة في مجال الصحة والنمو الاقتصادي، التي اوضحت في تقريرها الأخير أن العاملين في مجال التمريض تبلغ نسبتهم 50% من القوى العاملة الصحية عالمياً، حيث يتم الاعتماد عليهم كثيراً في تعزيز الصحة والوقاية من الأمراض وتقديم الرعاية الأولية والمجتمعية، وهم يقدمون الرعاية في مواقع الطوارئ.
يذكر أن عددهم في تزايد مستمر فوفق آخر إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، حيث يبلغ عدد أعضـاء هيئة التمريض القائمين بالعمل فعلاً 221065 ألف ممرض عام في جميع التخصصات، وذلك قبل 2018، وذلك بنسبة زيادة قدرها 3.5%، عن العام الذي يسبقه، حيث كان عدد أعضاء هيئة التمريض 213583 ممرض عام 2017، وهو ما يعني تزايد عدد المقبلين على تعلم ودراسة التمريض والعمل به في مصر، ومن المتوقع الزيادة بشكل أكبر خلال الأعوام القليلة المقبلة بسبب اهتمام الدولة بالتمريض.