فترة هجرة وتباعد بين المصريين والقراءة، شهدتها السنوات الماضية بسبب ذروة انجذاب البشر للتكنولوجية، واستعواضهم عن قراءة الكتب والمطبوعات الورقية، بوسائل الاتصال الحديثة، فبضغطة زر واحدة يتصفح الفرد أي كتاب أو مجلة، ينتقل من دولة لأخرى ومن ثقافة لغيرها، وهو جالس في منزله أو أي مكان يختاره دون اي عناء أو مجهود، دون التقيد بالنزول للمكتبة، أو متاجر بيع الكتب، وهو ما يوفر الكثير في المال والمجهود والوقت، ورغم المزايا الظاهرة إلا أن هذا أفقد المصريين ترابطهم بالكتب، وساعدت أزمة كورونا في توطيد الفجوة بين الفرد والكتب، لكن مع بدأ تطبيق خطة التعايش التي وضعتها الدولة، مع اخفاض أعداد المصابين، عادت الأمور لفطرتها، فبعد تعطش الكثيرين للنزول، والمرور بفترات عزل وحظر كثيرة، بدأت الحياة مؤخراً تعود لطبيعتها، وبناء عليه عادت عدد كبير من المكتبات استئناف العمل، ومزاولة أنشطتها.
مكتبات مصر العامة
منجم لكنز كبير من الكتب والموسوعات العلمية والثقافية يوجد تحت قبة المكتبة بفرعها الرئيسي الموجود بحي الدقي محافظة الجيزة، قبل غلق المكتبة بقرار من الدولة ضمن الإجراءات الاحترازية بسبب جائحة كورونا، كان يقصدها عدد كبير من الزائرين، أكثر من غيرها من المكتبات لما تتميز به من وفرة وتنوع في الأنشطة، فرغم أن اشتراكها السنوي زهيد جداً من حيث القيمة المادية، إلا أن بها خدمات لا تحصى، منها مثلاً أنها تعرض الكتب الحديثة والقديمة والموسوعات، بنسخ عربية ومترجمة للإنجليزية أو للغات أخرى، مع إتاحة الاستعارة للأعضاء لمدة تصل لشهر ولأكثر من كتاب في أن واحد، مما يتيح للمواطن القراءة والتصفح في المنزل، دون قيود ولفترة كافية، دون أي تكاليف مادية إضافية أكثر من ثمن الاشتراك السنوي.
برامج خاصة للأطفال
من أكثر الأمور التي يسعى لها الآباء والأمهات هي تحديد مهارات الأطفال، والمجالات التي يتفوقوا بها، لتشكيل فكرة وصورة عامة عن مستقبل الطفل، استطاعت المكتبة أن تجذب الأطفال وهم فئة هامة ويصعب دمجها في أي محيط مجتمعي بسهولة، فقد خصصت مكتبة مصر العامة طابق خاص للأطفال، على نفس حجم المكتبة بأكملها، وبنفس الاتساع، بمجرد أن تطأ قدماك الطابق الثالث بالمكتبة تجد ملامح الحياة الطفولية البسيطة تطغى على المكان، من خلال الألوان، والعرائس المعلقة يميناً ويسارا، الطابق تملؤه كتب الأطفال الترفيهية، والتعليمية في آن واحد، ومقسمة وفق الأعمار والهوايات، فالقصص الخيالية، والأسطورية لها مكان مخصص لها، وكتب التعلم للقراءة والكتابة، بجوارها كتب تعلم اللغات وتنمية المهارات، يوجد أيضاً بعض الأقراص المدمجة، يمكن الاستعانة بها لتعلم مهارات الرسم والتلوين، وتناسق الألوان والفك والتركيب، وتعليم الشطرنج، وإقامة مسابقات يتبارى خلالها أطفال المكتبة وتقام حفلة كبيرة لتكريم الفائز.
دورات لغات وجرافيك
تنظم مكتبة مصر العامة عدد كبير من الدورات التدريبية المكثفة، سواء للقسم الخاص بالأطفال أو قسم الكبار، أكثر الفروع التي تقدم فيها الدورات هي تعلم اللغات، الإنجليزية، والألمانية، والفرنسية، والإيطالية، والإسبانية وغيرها من اللغات، بدأ هذا النشاط منذ ما يزيد عن 5 سنوات بالمكتبة، حتى اضيف له مؤخراً كورسات أخرى تتعلق بالفنون والجرافيك والفوتوشوب، وغيرها من المجالات المتعلقة بسوق العمل حالياً، كذلك دورات تحسين الخط العربي، وهي تتسم بإقبال عالي خاصة من الأطفال بعد إرشاد الأهل لهم.
ورش حديثة
اهتمت مكتبات مصر العامة بإدخال ورش عملية لفنون ومهارات حديثة كان من بينها ورشة لتعلم فن “الماندالا” للأطفال، وهو فن رسم الأشكال والدوائر الهندسية بأدوات الهندسة البسيطة مثل المنقلة، وتم تخصيص الورشة للأطفال من سن 8 إلى 14 سنة.
كذلك ورشة لتعلم فن “الإتيكيت” لمساعدة الأطفال علي تعلم كيفية التعامل مع الضيوف أثناء الزيارات المختلفة، وتناول الطعام، وطريقة الحديث، يشمل الأمر إرشادات متكاملة للأب والأم في مجال التدريب السلوكي والحركي للأطفال.
فن الحكي
توسعت نشاطات المكتبات في مصر وفوائدها، من أبرزه كان اهتمامها بتطوير “الحكي” وهو من أصعب الأمور التي يمكن تعليمها للأطفال ويساعدهم ذلك في حب القراءة والتعود عليها وتنمية قدراتهم الأدبية والإبداعية، فيقول الدكتور محمود علام، أستاذ أدب الطفل إن ورش الحكي من شأنها أن تعزز مهارات الاستماع لدى الأطفال، وهم يفضلوا أن يتحدثوا أكثر من أن يستمعوا، وورش الحكي تجعل لديهم توازن بين الأمرين، ما يفيدهم في حياتهم مستقبلاً، ويحسن مهارات التواصل لديهم، وتعد هذه الورش بمثابة اختبار لقدرة الصغار على التعاطف وتوسيع المدارك والخيال وهي أمور هامة للغاية أن يتم تشكيلها ومتابعتها في سن مبكر من العمر.
نشأة مكتبات مصر العامة
يرجع تاريخ مكتبات مصر العامة لأكثر من ربع قرن للخلف، حيث تم إنشاء الفرع الأول لها بحي الزيتون بالأميرية شمال شرق القاهرة عام 1995، بحضور رئيسة “البوندستاج” الألماني، ووزير خارجية ألمانيا، ثم أنشأت المكتبة مكتبة فرعية أخرى بمنطقة الزاوية الحمراء، تم افتتاحها في 2014، وساهمت الدانمارك في إنشائها في إطار منظومة تعاون ثقافي مصري- دانماركي مشترك.
سعت المكتبة فيما بعد لتوسيع دائرة المستفيدين من خدماتها في مختلف المحافظات المصرية، فتم إنشاء مكتبات إقليمية بدعم من صندوق مكتبات مصر العامة، في عدة محافظات من بينها ” الوادي الجديد بورسعيد، المنصورة، دمياط، الغردقة، ودمنهور والإسماعيلية، وتم الربط الإلكتروني بين هذه المكتبات في منظومة واحدة يستفيد منها جميع أفراد الشعب المصري، على أن تقدم مكتبة مصر العامة بالجيزة الاستشارات الفنية والتدريبية والتقويمية لهذه المكتبات.