كشفت أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19″، عدم شفافية بعض الحكومات في الإفصاح عن خسائرها البشرية أو الاقتصادية، وكذلك استخدام حكومات أخرى للفيروس لأغراض سياسية، بدءً من تحجيم المعارضة حتى تصفية بعض الكوادر الشعبية المؤثرة الموضوعة في السجون، وهو ما جرى في الحالة الإيرانية التي ناقضت نفسها بإعلان رسمي عن حجم الإصابات بكورونا، إلا أن الطامة الكبرى تمثلت في ادعاء أقطاب مُعارضة أن ذلك التضليل جاء للإلهاء عن ما هو أخطر من مجرد بيانات إعلامية.
اتهام المعارضة
اتهمت المعارضة الإيرانية، حكومة “نظام الملالي” بالتكتم والكذب فيما يخص الأعداد الحقيقة لمصابي كورونا، مؤكدين أن الأرقام التي تعلنها وزارة الصحة في بلادهم غير دقيقة، وأن الإصابات الفعلية يفوق عددها أضعاف المُعلنة، وأن ذلك يعد تضليلًا متعمدًا من الحكومة يسفر بطبيعة الحال عن تفاقم الأزمة.
المعارضة والإحصائيات
من جانبها قالت منظمة الصحة العالمية، إن الحكومة الإيرانية تكتمت على خبر ظهور فيروس كورونا المستجد لديها قبل عده أسابيع من إعلانها الرسمي يوم 19 فبراير من العام الجاري، بعد حصولها على بيانات تشير إلى وفاة أكثر من 8 أشخاص في مدينة “قم”، وإصابة 186شخصًا استقبلتهم المستشفيات الإيرانية، بحالات التهابات حادة في الجهاز التنفسي.
وأوضحت المنظمة في تقرير لها، أن أدوات الوقاية الطبية المصنوعة في إيران لمواجهة الفيروس رديئة الجودة ولا تطابق المعاير العالمية، وأن النظام الصحي الإيراني غير قادر على مواجهة كوفيد19، واتهمت رسميًا وزارة الصحة بالتلاعب في إحصائيات المصابين، وطالبت من أعضاء في مجلس مدينة طهران المركز الوطني الإيراني لمكافحة كورونا بالشفافية في الإحصائيات المتعلقة بنسب الإصابات والوفيات.
قناة “انترناشونال” الفارسية، أعلنت عن تفشي الوباء في كافة أرجاء محافظات إيران، وأن الحكومة تعتم على هذا النبأ، لافتة إلى أن الإعلان عن وفاة أول حالتين بالفيروس، جاء من محافظة قم، وأنهما لم يسافرا خارج البلاد ويعملان في صناعة الأحذية، وأن ما يعني أن الحالات المشتبه بإصابتها ومعدلات الوفاة غير مطابقة للإحصائيات الرسمية.
رد رسمي
سبقت هذه الاتهامات تقارير حكومية، إشارات إلى أن عدد المصابين الفعليين بكورونا لا يتجاوز النصف مليون شخص، وأن النظام الصحي في إيران قادر على التصدي للوباء، وأن المستلزمات الطبية الموجودة في بلاد فارس بأعلى جودة، وأن المستشفيات تتوفر لديها كافة المعدات التي تمكنها من مجابهة الفيروس واستقبال المصابين وعلاجهم.
وشددت الوزارة، على ضاءله عدد الوفيات بالنسبة للإصابة، وأن المتوفيين معظمهم من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة ومشاكل الجهاز التنفسي.
مقطع مصور يفجر مفاجأة
نهاية يونيو الماضي، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو مصور لأحد العامليين بمشرحة إحدى المقابر الإيرانية وتحدث قائلًا: “رأينا أكياسًا سوداء بها جثث كثيرة واحدة تلو الأخرى مدفونة بشكل عشوائي، في مدينة “قم” وعلمنا أنهم مصابين بكورونا، وأنهم دُفنوا بطريقة غير شرعية تبعًا للديانة الإسلامية، خوفًا من انتشار الفيروس عقب تحلل جثث الموتى، وهو ما أدى لتحول مدينة “قم” لبؤرة مركزية تسببت في تفشي المرض”.
عقب انتشار الفيديو، ألقت قوات الأمن القبض على مصوره، وقالت السلطات الإيرانية، إن هذه الجثث دفنت وفق الشريعة، وهو ما شدد عليه المرشد الأعلى أيه الله خامئني، الذي قال إنه يجب التعامل مع جثث ضحايا “كوفيد 19″ مثل أي ميت آخر من التغسيل والتكفين والصلاة”.
أداة تصفية
لجأت الحكومة الإيرانية عبر قضاءها في ظل أزمة “كوفيد19” التي تجتاح البلاد، إلى الإفراج عن آلاف السجناء، بعد ضرب عدة سجون مركزية، وعدم قدرة النظم الصحية داخل تلك السجون على تحجيم انتشاره، إلا أنه استثنى السجناء السياسيين من القرار حسبما أعلن رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي.
وأعلن المتحدث الرسمي باسم القضاء الإيراني غلام حسين إسماعيلي، عدم الإفراج عن السجناء السياسيون بحجة أن قضاياهم تمس الأمن القومي، وأن الأحكام الصادرة بحقهم تتعدى الخمس سنوات.
وردًا على ذلك الإجراء، أعلن عددًا من السجناء السياسيين احتجاجهم على هذا القرار، متهمين السلطات بالتمييز والعنصرية، ودخلوا في إضراب عن الطعام احتجاجًا على عدم مساواتهم بالسجناء الجنائيين.
الناشطة الحقوقية المحتجزة نسرين ستودة، أبدت رسميًا اعتراضها على استثناء السجناء السياسيين من قرار الإفراج عنهم، وقالت لوسائل إعلام إيرانية معارضة، سياسة التضليل المتبع هو سمة من سمات السلطات الإيرانية، عند حدوث أي أزمة تجتاح البلاد، ولهذا فإن الحكومة الملالية لا مصداقية لها بالنسبة للشعب الإيراني.
أوضاع كارثية
انتقدت عذراء بازركان، والدة المعتقلة السياسية والناشطة الحقوقية نرجس المحمدي، تصريحات المتحدث الرسمي باسم القضاء الإيراني، المتعلقة بإلغاء قرار الإفراج المسجونين السياسيين، مؤكدة على تدني وسوء الأوضاع الصحية في السجون، لافتة إلى أن غسل الأواني في السجن الذي تحتجز فيه ابنتها يجري في حفر إسمنتية بدورات المياه، وأن السلطات لا تسمح باستخدام مواد التعقيم حتى وإن كانت على نفقة السجين، ما أدى إلى إصابتها بأمراض الجهاز الهضمي، والعصبي والمريء، وأصبحت غير قادرة على تناول الطعام.
وتخوفت والدة السجينة، من إصابة ابنتها بالفيروس المستجد، وهو ما سيعني القضاء على حياتها لعدم توافر الرعاية الصحية داخل السجون، حسبما كشفت صحيفة “إيران فوكس” المعارضة.
وأشارت الصحيفة، إلى عزل سجناء داخل سجن “فاشفويه” بسبب تفشي فيروس كورونا فيه، وأن من بين هؤلاء السجناء المصابين المعارض البارز أمير حسين مرادي، والذي نقل إلى مستشفى، لافتة إلى نقل سجينين سياسيين آخرين إلى سجن الحجر الصحي في معتقل “شيبان الأهواز”، دون توافر أي معلومات أخرى عنهما.
وأكدت التقارير الحقوقية الإيرانية المعارضة عبر الصحيفة، أن سجينًا واحدًا على الأقل توفي أثر إصابته بالفيروس في سجن “أورومية” ونقل 4 آخرين من زملائه في الحبس إلى الإدارة طبية، وهو ما أكدت عليه وكالة “هارانا” للأنباء التي ذكرت أن عددًا من السجناء السياسيين أصيبوا بكورونا نتيجة الإهمال الذي تغرق فيه السجون الإيرانية.
من جهتها طالبت منظمة الصحة العالمية، عبر ممثليها في طهران بزيارة سجن “إيفين” الواقع في قلب العاصمة، عقب تفشي الفيروس فيه، إلا أن السلطات القضائية رفضت ذلك الطلب، حتى بعدما أمدتهم المنظمة بمساعدات طبية لمواجهة الفيروس حسبما نقل قناة المعارضة الإيرانية “إيران إنترناشونال” في تقريرَا لها.
كما أعلن نشطاء حقوقيون، أن سجن “قرجك ورامين،” الواقع شرق العاصمة طهران أصبح بؤرة لتفشي فيروس كورونا، ولا تتوافر به أدني أنواع الرعاية صحية.
تراجع حكومي
دفعت ضغوط المعارضة، الرئيس الإيراني حسن روحاني للإفصاح عن أعداد المصابين الحقيقة والتي جاءت مخالفة ومكذبة للرواية الرسمية الأولي التي تكررت في أكثر من مناسبة وشملت أقل من نصف مليون مصاب، إذ أعلن منتصف يوليو الماضي، أن أعداد المصابين الفعلي تجاوز 25 مليون مصاب بفيروس كورونا المستجد، وأن من 30 إلى 35مليون مواطن أخرى معرضين للإصابة بكوفيد19.
التضليل والتصفية
تضارب الأقوال في عدد المصابين والمتوفيين بفيروس كورونا المستجد، دفعت منظمة الصحة العالمية لإدانة الحكومة الإيرانية، بينما رأت المعارضة أن السبب الوحيد وراء إخفاء الأعداد الحقيقية للمصابين ما هو إلا استعداد لتصفية المعارضين السياسيين المعتقلين في السجون الإيرانية عبر تسريب الفيروس للسجون ومن ثم إهمالهم في الرعاية الصحية الخاصة، ما يسفر عن مقتلهم متأثرين بالفيروس، عكس المسجونين الجنائيين الذين أفرج عنهم.