خلق الله عز وجل، العالم للإنسان، فلا يكون شيء منه حرامًا إلا ما كان بنص قرآني صريح، اعتمادًا على القاعدة الإسلامية “الأصل في الأشياء الإباحة”.
وطبقًا للآيات القرآنية، فإن الإباحة هي الأصل المُطلق في كل شيء، وأن التحريم هو المُقيد، إلا أن الجماعات المتشددة والمُتطرفة انقلبت على القاعدة الشرعية وجعلت التحريم هو الأصل، والحلال هو الفرع المُقيد، إستنادًا على عقيدة وأفكار شاذة تتنافى مع صحيح القرآن الكريم، بحجة حماية عقيدة المسلم.
الحرام
يعرف الأصوليين، الحرام في اللغة، بأنه الممنوع، وفي الاصطلاح بأنه ما طلب الشارع تركه على وجه الحتم والإلزام، أو هو ما يثاب تاركه امتثالاً، ويستحق العقابَ فاعلُه.
سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن فقال: “الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا لكم”، فلم يشأ النبي هنا أن يجيب السائلين عن هذه الأمور، بل أحالهم إلى قاعدة يعتمدون عليها في معرفة الحلال والحرام، ويكفي أن يعرفوا ما حرّم الله فيكون ما عداه حلالاً طيباً.
“الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا لكم”.. حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
المحرمات الـ 14
المحرمات التي وردت في القرآن الكريم، هي 14 فعلًا، أولها الشرك بالله، ولا خلاف في ذلك لقوله تعالى ” قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً”، وثانيها عقوق الوالدين، لقوله تعالى “وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً”، وثالثها قتل الأولاد خشية الإملاق، لقوله تعالى “وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ”، ورابعها تحريم اقتراب الفواحش، في قوله تعالى “وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ”.
وخامس المحرمات، هو قتل النفس، لقوله “وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ”، وسادسها أكل مال اليتيم: “وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ”، وسابعها الغش بالكيل والميزان: “أَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا”، وثامنها شهادة الزور: “وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى”، ونقض العهد: “وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ”.
وجاء أكل الميتة والدم ولخم الخنزير والاستقسام بالأزلام، تاسع المحرمات كما في قوله: “حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ”، وعاشرها نقض العهد، لقوله: “وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ”، والحادي عشر هو الإثم والبغي بغير حق: “قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ”، والثاني عشر نكاح المحارم، لقوله: “حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً * وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً”.
لازالت الجماعات المُتشددة تسعى جاهدة لتكفير الناس ورسم صورة لأنفسهم بأنهم يملكون مفاتيح الجنة
ويُعد تحريم الربا، الفعل الثالث عشر من المحرمات، لقوله تعالى: “وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا، كما يُعد التقول على الله، الفعل الرابع عشر للمحرمات، كما ورد في قوله: ” وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ”.
رغم أن آيات التحريم، جاءت واضحة في الكتاب المُقدس، إلا أن الجماعات المتشددة، لازالت تسعى جاهدة لتكفير الناس ورسم صورة لأنفسهم بأنهم يملكون مفاتيح الجنة، ويختارون من يدخلها ومن يُطرد منها، فأخذوا في إصدار الفتاوى المنافية لكتاب الله عز وجل وسُنة رسوله، ومن تلك الفتاوى تحريم الموسيقى، والتصوير، والاختلاط، وتكفير غير المسلمين، وتحريم تهنئة الأقباط بأعيادهم وغيرها من الفتاوى التي يطلقونها لتحقيق أطماعهم الدنياوية.
https://www.facebook.com/110562830478858/videos/322715172237372
جاءت امرأة لعائشة فقال الرسول لعائشة: “يا عائشة، أتعرفين هذه؟” فقالت: “لا يا نبي الله”، قال “قينة بني فلان، تحبين تغنيك؟” فغّنتها
الموسيقى
اجتمع المتشددون، على تحريم الموسيقى إذا تجاوزت استعمال الطبول فقط، مستندين إلى قول الله تعالى “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا”، معتبرين أن “لهو الحديث” هنا هو الغناء.
وترد سيرة النبي صلى الله عليه وسلم على المتشددين في حكم الغناء والموسيقى، إذ روت السيدة عائشة رضي الله عنها، أن النبي دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان بغناء بُعاث، فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه، فدخل أبو بكر فنهرهما، وقال: “مزمار الشيطان عند رسول الله؟”، فأقبل عليه الرسول، وقال: “دعهما”.
وفي رواية أخرى جاءت امرأة لعائشة فقال الرسول لعائشة: “يا عائشة، أتعرفين هذه؟” فقالت: “لا يا نبي الله”، قال “قينة بني فلان، تحبين تغنيك؟” فغّنتها.
“التصوير الفوتوغرافي الذي يُعمل لضرورة مُعتبرة جائز شرعًا”.. الشيخ محمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء
التصوير
حرم المتشددون، التصوير، مُعتمدين على ما يعتبرونه أحاديثًا وردت عن رسول الله، ورد الشيخ محمد وسام، مدير إدارة الفتوى المكتوبة وأمين الفتوى بدار الإفتاء، على تلك الفتوى، قائلًا إن التصوير الفوتوغرافي الذي يُعمل لضرورة مُعتبرة جائز شرعًا، لافتًا إلى أنه لا بأس بتداول الصور الفوتوغرافية للإنسان والحيوان، وأن الصور الفوتوغرافية في الأفراح لا بأس منها شرعًا، وإذا كانت هناك نساء متبرجات فالإثم عليهن وليس على المصور، ويجب عليه ألا يركز على الصور العارية.
كانت النساء تصلي خلف الرجال في مسجد النبي، في صفوف متراصة دون ساتر ولا حاجب، ولم ينكر رسول الله ذلك الاجتماع بينهم
الاختلاط
الاختلاط بين المرأة والرجل، قضية شغلت الكثير من المتشددين، فعملوا على تحريمها بأقوال وأدلة ضعيفة مُختزلة، فحرموا خروج المرأة للعلم والعمل وغيرها من الأعمال التي حث الإسلام عليها، إلا أن السيرة النبوية أثبتت كذب قولهم، فالنساء كانت تخالط الرجال في المساجد وفي الغزوات وغيرها من الأمور الدينية.
فكانت عائشة أم المُؤمنين، تُشارك في كثير من أحداث الأُمة وبدأتها بالهجرة إلى المدينة المنورة للحاق برسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيها أبو بكر الصديق، كما شاركت في الغزوات منها غزوة أُحد فكانت تنقل الماء بالقرب ثم تفرغه في أفواه الصحابة المنهكين من القتال والعطش.
وكانت النساء تصلي خلف الرجال في مسجد النبي، في صفوف متراصة دون ساتر ولا حاجب، ولم ينكر رسول الله ذلك الاجتماع بينهم، فلو كان الاختلاط حرامًا لكان النبي أولى من ينهي عن ذلك في مسجده.
تكفير غير المسلمين
لم ينقطع المتطرفون من الجماعات المتشددة، عن تكفير غير المسلمين من المسيحيين واليهود وغيرهم، فقال شيوخ التطرف، إن الأقباط واليهود كفار ولن يدخلوا الجنة، ولا يجوز التعامل معهم ولا إلقاء السلام عليهم حتى.
ونستشهد بمخالفات المتشددين، من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فكان عليه السلام يتعامل مع غير المسلمين في التجارة ويشتري منهم ويبيع لهم، إذ رهن النبي عليه السلام درعًا له بالمدينة عند يهودي، وكان يأكل من أكل أهل الكتاب، ويقبل هداياهم ويتودد إليهم ويرحم بهم، وكان النبي يزور غير المسلمين، ويعودهم في مرضهم، بل كان يخاف عليهم من النار، هكذا ضرب رسول الله أروع الأمثلة في رحمته بأهل الكتاب، وحرصه على هدايتهم إلى الإسلام، بمعاملة حسنة دون تشدد أو تكفير كما يفعل هؤلاء المدعين.
كان النبي يُعايد اليهود، ويصوم هو والصحابة يوم كيبور أي يوم الغفران عند اليهود الذي يصومه المسلمون الآن باسم يوم عاشوراء
تحريم تهنئة الأقباط بأعيادهم
أفتى الداعية المتشدد ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، بأن التهنئة بالأعياد المرتبطة بالعقيدة أشر من شرب الخمر وفعل المنكرات، فالملتحون الذين يهنئون الأقباط ليسوا من السلفية، فليس كل شخص ملتح يحمل على الدعوة السلفية، فنحن لا نهنئ الأقباط.
لم ينه الرسول، عن معايدة غير المسلمين، بل كان يُعايد اليهود وكان يصوم هو والصحابة يوم كيبور أي يوم الغفران عند اليهود الذي يصومه المسلمون الآن باسم يوم عاشوراء، كما ورد في حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: “قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، نجّى اللَّه فيه موسى وبني اسرائيل من عدوهم، فقال: أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه”.
“لا وصاية لأحد مهما كان علمه وفكره وقدراته العقلية على شرع الله”.. الدكتور حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية
لا وصاية على الخالق
الدكتور حامد أبو طالب، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية، يقول إن القرآن الكريم أوضح كافة الأحكام المُحرمة في الإسلام، فلا حرام إلا ما ورد نص صريح بتحريمه، ولذلك ضاقت دائرة المحرمات في الإسلام واتسعت دائرة الحلال اتساعاً كبيراً، متابعًا وهنا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فأقبلوا من الله بعافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئاً”، وتلا صلى الله عليه وسلم، قول الله تعالى: “وما كان ربك نسيّاً”.
ويوضح أبو طالب، إن سلطة التحليل والتحريم في يد الخالق سبحانه، فلا وصاية لأحد مهما كان علمه وفكره وقدراته العقلية على شرع الله، ومن يفعل ذلك فهو يتجاوز حدّه ويعتدى على حق الخالق ويستحق العقاب واللعنة.
ويؤكد عضو مجمع البحوث الإسلامية، أنه يجب أن يدرك الجميع أن سلطة التحليل والتحريم في الإسلام بيد الله وحده، والعلماء والفقهاء المتخصصون في أمور الدين، يدركون هذه الحقيقة ولا يجرؤ واحد منهم على تحريم أمر أباحه الله ورسوله، كما لا يملك أحد منهم أن يحلل أمراً حرّمته شريعة الإسلام.