دعوا أبنائكم وبناتكم يتنفسون هواء الحرية، ولا تختاروا بالنيابة عنهم فهذا هو أقصر الطرق لقتل أولادكم ودفن مواهبهم.

إن العتاب واللوم والتوبيخ هي آلة عملاقة تلتهم الأبناء وتدهسهم مثل سيارة طائشة.

الضغوط لا تنجب إلا الندم.

والندم هنا قد يعني سلب أرواح هؤلاء الأبناء وحرمانكم منهم إلى الأبد.

وإذا كان التفوق الدراسي للأبناء هو كل ما يشغل بال كثير من الآباء والأمهات، الأمر الذي يستدعي لجؤهم إلى اتباع سياسة الضغط عليهم من أجل النجاح وأداء واجباتهم المدرسية اليومية، فإنه يتعيّن العلم بأن اتباع أسلوب الضغط كما تؤكد العديد من الدراسات قد لا يأتي بردٍ فعل إيجابي في معظم الحالات، لأسباب كثيرة ومتنوعة؛ فالصعوبات التي يواجهها الطفل في تحصيل علومه، قد تكون أحيانًا نفسية محضة، رغم تميزه بطاقة ذكاء متفوقة، لكن الإحباط الذي يصاب به، نتيجة ظروف نفسية يمر بها أو مطالبات الأب والأم له بتحقيق نتائج مرتفعة، قد تعيق عملية تحصيله العلمي.

عادة ما يكون تعرض الطفل للضغط النفسي غير واضح بالنسبة للمحيطين له، لكن هذا الأمر لن يحول دون وقوع “الانفجار الكبير” المدمر.

“داليا” تلك الوردة التي خسرناها في لحظة بسبب تلك الضغوط التي دفعتها إلى اتخاذها قرار التخلص من حياتها، ليست استثناء.

في دموع أمها وحسرة أبيها ما يكفي لبوار حقل كامل.

قريتنا الصغيرة في محافظة كفر الشيخ ترتدي الآن ثوب الحداد، حزنًا على داليا، ضحية المقارنات الجائرة والضغوط التي لا ترحم، وخصوصًا في تجربة امتحانات الثانوية العامة بكل صعوباتها ومراراتها التي لا نراها إلا في مصر.

إن شعور رب الأسرة بالخوف المبالغ فيه على أبنائه في بداية مرحلة جديدة من حياتهم ينتقل بدوره إلى الأبناء، ويسبب لهم التوتر والقلق.

من هنا، ينبغي أن تشجع الأسرة الأبناء على تجاوز هذه المرحلة بتخفيف المسؤولية عنهم.

علينا أن نعي الحقائق وأن نحذر من الوقوع في فخ الربط بين الإهانة والتعليم.

في الألفية الثالثة، علينا تجنب تعليم أبنائنا أن الهدف من التعليم هو الامتحانات والحصول على الشهادة فقط.

إننا مطالبون باتخاذ أساليب مختلفة بعيدة عن الضغط، لكي نحقق الأهداف المرجوة في التعامل مع أبنائنا، كغرس قيمة العلم في نفوسهم، مع مراعاة التوازن بين ممارسة الضغط، وأداء التكاليف وعدم الإلحاح خوفًا من تأثيره السلبي عليهم، كأن يكرهوا المذاكرة وينفروا من التعلم، وكذلك الحرص على تدعيم ثقتهم بأنفسهم وحثهم على المثابرة دون توبيخٍ أو ضغط، وتجنب المبالغة في قدراتهم وإمكاناتهم وطموحاتهم، خاصة أمام الآخرين، ويفضل التعامل مع قدراتهم بموضوعية.

إن الكثير منا معرّض للضغوط النفسية والعصبية ومشكلات الحياة التي تستمر طالما هناك نبض يسري في جسد الشخص، حتى الأطفال الصغار يتعرضون لحالة الاكتئاب بسبب الضغط النفسي الناتج عن معاملة الآباء، أو عن بيئة غير سوية نشأ وترعرع فيها هؤلاء الأطفال، أو عن طريقة معاملة سيئة من زوجة الأب أو زوج الأم، أو من خلال التفرقة في التعامل بين الأبناء، فيشعر أحياناً بعض الأطفال أن آباءهم يفضلون أحد الأبناء عن الآخرين، مما يسبّب لهم حالة نفسية مدمرة ومستمرة، تقودهم في النهاية إلى الإصابة بحالة من الاكتئاب، وربما محاولة الانتحار.

ارحموا أبنائكم وبناتكم، واسألوا داليا!

“داليا” الآن عنقود عنب يتدلى من الغيوم ويهمس لكل أم وأب: كونوا أكثر رفقاً ولا ترفعوا سقف التوقعات ليصبح سورًا بينهم وبين الحياة.

الحياة التي كانت تستحقها داليا لو أنهم تركوها تحلم لنفسها بنفسها.