للدولة المصرية بكافة مؤسساتها أخطاء كانت سببًا في نمو وانتشار تيار الإسلام السياسي، بداية من السبعينات حتى 30 يونيه، والأسوأ أن هذه الأخطاء مستمرة حتى الآن، أراها واضحة في بقاء نماذج عبدالله رشدي على الساحة، وتعاطي الدولة مع قضية الفتيات مستخدمات تطبيق “التيك توك”، ولتوضيح هذه الأخطاء، سأسرد مواقف عاصرتها ورأيت فيها المقدمات والنتائج وما آلت إليه الأحداث بسبب تلك الأخطاء.

بداية من التسعينات 

أكبر عملية نصب حصلت في التسعينات، وشاركت فيها الدولة بمؤسساتها مع الإسلاميين، هي الترويج لأسطورة الإسلام في خطر، ولابد من أن تكون الدولة هي حارس الأخلاق الحميدة !، تلك التي  كانت سببًا في ازدياد شعبية التيار الديني والإقبال علي الانضمام للجماعات الإسلامية  للدفاع عن الإسلام والأخلاق وحمايتهما!

أحداث كثيرة تم استثمارها للترويج لهذا، منها على سبيل المثال لا الحصر، حشد رجل الشارع ضد أي مفكر أو كاتب أو حتى عمل أدبي وفني لا ينال رضا تيار الإسلام السياسي، أولها مناظرة فرج فودة والشيخ الغزالي في 8 يناير 1992 في معرض الكتاب، وتلك المناظرة التي حضرتها وكنت طفل 13 سنة، وما بعدها حيث  تم الترويج لفكرة إن العلمانيين ضد الدين والإسلام، وبعدها تم اغتيال فرج فودة.

تفريق نصر حامد أبوزيد

 في عام 1995 بحكم محكمة استئناف على اعتبار أنه مرتد بسبب آراءه ولابد من تفريقه عن زوجته الدكتورة ابتهال يونس، في دعوى حسبة أشبه ما تكون بمحاكم التفتيش في القرون الوسطي.

انكار الشفاعة

في ١٩٩٩أثارت مقالات للدكتور مصطفى محمود صاحب برنامج العلم والإيمان! – ينكر فيها شفاعة النبي للعصاة من أمته يوم القيامة، استياء وهجوم عنيف من علماء الأزهر كان سببا في تراجع مصطفي محمود عن موقفه.

وليمة لأعشاب لبحر

في عام 2000 خرجت مظاهرات حاشدة من طلبة الجامعة، للاعتراض على نشر وزارة الثقافة لرواية “وليمة لأعشاب البحر” للروائي السوري “حيدر حيدر”. والتي كان مر على صدورها لأول مرة ١٧سنة؟!

وكان الدكتور أحمد عمر هاشم، رئيس جامعة الأزهر ورئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب، هو من حرض الطلبة وأشعل الموقف بزعم أن هذه الرواية تسيء للذات الإلهية، وأن الوزارة تدعم العلمانية بنشرها. شهدت هذه المظاهرات اشتباكات مع قوات الأمن التي منعت خروج الطلاب من الجامعة، وسقط مصابون من الطرفين.

التسعينات كانت فترة الشعارات، وما أدراك ما الشعارات؟ وخصوصا عندما تكون دينية مستمدة من آيات قرآنية، الإخوان كان شعارهم (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة) وهذا كان الشعار الأكثر جذبا للشباب والشارع، علاوة على شعار “الإسلام هو الحل” اللي تبناه مع الإخوان أحزاب زي حزب العمل في الانتخابات ذو التاريخ الاشتراكي!  بالإضافة إلى الله غايتنا ” والرسول قدوتنا ” و”القرآن دستورناو “الموت في سبيل الله اسمي أمانينا“.

وفي نفس الوقت كانت الجماعة الإسلامية رافعة شعار “وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله “.

حتي أن الدولة المصرية عندما قررت تشارك في حرب الخليج الأولي بمنطق برجماتي نفعي كانت رافعة شعار “وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا، فقاتلوا التي تبغي حتي تفئ إلى أمر الله. “ 

تلك الشعارات التي أرى أنها تتحول الآن إلى تشريعات جنائية تعاقب فتيات قاصرات بتهم “هدم قيم الأسرة المصرية “!

صك الشعارات وترويجها من منطلق ديني بدأ قبل ذلك بكثير في عهد السادات لما سمي نفسه “الرئيس المؤمن ” لدولة ” العلم والإيمان.”

وسفر المصريين لأفغانستان والبوسنة والشيشان، كان تحت شعار مقاومة الإلحاد ومناصرة أخواتنا المسلمين تحت مسمي الجهاد، وهذه كانت بداية الإرهاب والقاعدة وداعش.

وللأسف كانت الدولة المصرية بكل مؤسساتها شريكة في تلك الأخطاء عمدا أو سهوا، والأكثر أسفا أن هذه الأخطاء أراها تتكرر الآن لتجذب جمهور مؤهل ومستعد للانضمام لتيار ديني متطرف في أي وقت، خاصة مع وجود رموز كعبدالله رشدى الذى أرى فيه صورة طبق الاصل من الشيخ عمر عبدالرحمن – مفتى الجماعة الإسلامية والزعيم الروحي لها – في السبعينات، من الواضح إننا نعيد إنتاج الفشل.

ومن المؤسف أن الأزهر والمؤسسات الدينية حتى هذه اللحظة لم تقدم أي مراجعة أو تنقيح أو إعادة تأويل للنصوص الدينية اللي تم توظيفها كشعارات كانت سبب في انتشار ونمو ذلك التيار المتطرف.