لا يزال طريق التغير أمام السودانيات طويلا، فبعد مرور أكثر من عام على الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بعمر البشير، بعد حكم دام 30 عامًا، لا تزال النظرة النمطية للمرأة متخللة في المجتمع، رغم مشاركتها في التظاهرات وتحملها نصيبها من الاعتقالات والتعذيب، التي وضعت السودان في النهاية على طريق الحكم المدني.
شاركت آلاف النساء في الاحتجاجات ضد “البشير”، وهو ما اعتبره البعض انتفاضة “نسوية” للتحرر من قيود الحكم الإسلامي، الذي استمر لعقود، بجانب القوانين التي كانت تحض من كرامة السودانيات، وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بحسب المراقبين.
لم تحصل السودانيات بعد على الموقع الذي تستحقه في المؤسسات الجديدة في بلادها، فلا تزال بعض القوانين المقيدة موجودة في كتب القانون، وفي وقفة احتجاجية عبرت عشرات السودانيات عن خيبة أملهم في الحكومة الانتقالية، ونظمت حملة “حقنا كامل”، والتي تضم عدداً من التنظيمات النسائية في أواخر يوليو الماضي، وقفة أمام مجلس الوزراء، مطالبات بمشاركة المرأة بنسبة أكبر في مؤسسات الدولة.
مشاركة سياسية “ضعيفة“
تكشف المظاهرات والاحتجاجات الأخيرة للحركات النسوية بالسودان، عن حالة عدم الرضا عما تؤل له الأحداث من تمكين للمرأة ومشاركتها في المجتمع بشكل فعال، حيث تم اختيار سيدتين فقط لحكم ولاية الشمالية وولاية نهر النيل من بين 18 ولاية، بنسبة 11.1%.
وهو ما دفع عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني، بالقول بأن تمثيل النساء في الولايات دون الطموح، واقترح تمثيلهن في مستويات الحكم بصورة أكبر.
لكن في المقابل، أطلق بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي من الجنسين حملات رفض واسعة لتعيين سيدات في حكم الولايات، معتبرين أن مشكلات الولايات أكبر من أن تديرها امرأة.
النشاطات السودانيات يشرون إلى التمثيل المحدود للنساء في هياكل السلطة المختلفة، فعلى مستوى المجلس السيادي، هناك امرأتان من أصل 11 عضواً، بنسبة 18.2%، وعلى مستوى مجلس الوزراء هناك 4 نساء من أصل 18 عضواً، بنسبة 22.2%.
أما على مستوى تحالف قوى الحرية والتغيير، الواجهة السياسية للحكومة الانتقالية، فعدد النساء في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير 3 نساء من أصل 23 عضواً، بنسبة 13%، بينما تخلو تنسيقية قوى الحرية والتغيير، أهم تشكيل في التنظيمات السياسية، من النساء تماماً.
كما خلت قائمة السفراء، التي تم تعينهم مؤخرًا ووصل عددهم 12 سفير، من النساء تمامًا.
ويقول ناشطون أن بالنظر لعدد النساء اللاتي حصلن على وظائف سياسية يتضح أن ما تم إنجازه لا يتناسب مع دور أو نطاق مشاركة المرأة في الثورة والتغيير، كما أن التقدم في المستقل “غير مؤكد”.
جمال يوسف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يرجع عدم تمثيل المرأة السودانية في المناصب السياسية بشكل فعال لأسباب عدة، أهمهما النظرة المجتمعية للمرأة السودانية، والتي عانت لسنوات من الدنيوية، وهو ما رسخها حكم “البشير” وأعوانه، فهو مجتمع محافظ وله عاداته الخاصة”.
وتابع أستاذ العلوم السياسية، بأن منذ عام 1956 تسعي المرأة لدور فعال في المجتمع السوداني، ولكن الأمر كان عبارة عن شعارات واستغلال سياسي ليس أكثر، حيث شاركت النساء في نظام البشير” بشكل ضعيف ورمزي للغاية، إذ تولت وزارات محدودة ذات طابع خدمي واجتماعي، لذا وبعد الحراك الثوري يجب مشاركة فعالة وفي منصاب قيادية حتى تتمكن المرأة السودانية من حصاد مكاسب ثورتها”.
وقد صنف السودان خلال فترة حكم “البشير” من ضمن أسوأ البلدان العربية، التي يمكن أن تعيش فيه النساء، بحسب دراسة أجرتها مؤسسة “تومسون رويترز”، جراء ما شهده من تراجع في العديد من الحقوق التي كانت قد اكتسبتها النساء عبر السنوات الماضية، مقارنة بنساء بلدان عربية أخرى.
نقاط ضوء
لكن رغم قتامة المشهد، وحالة عدم الرضا السائدة، ألا أن هناك بعض نقاط ضوء في طريق السودانيات، وهو ما أفرجت عنه التعديلات الأخيرة على مواد في القانون الجنائي والأحوال الشخصية، كانت تحد من حرية المرأة.
وضمن حملة تعديلات قانونية، تم تعديل على المادة (141) من القانون الجنائي وتتعلق بـ”ختان الاناث” في حين ألغت المادة (148) وتتعلق بالشذوذ، عقوبة الجلد والإعدام، وأقرت عقوبة السجن بما لا يتجاوز سبع سنوات، وألغت عقوبة الجلد عن المادة (151)، وتتعلق بالأفعال الفاحشة، في حين ألغت المادة (152) وتتعلق بالأفعال الفاضحة والمخلة بالآداب، تجريم الزي، وحصرت العقوبة على الأفعال الجنسية التي تضايق الشعور والحياء العام، وهي مادة كثيرًا ما استُخدمت لقمع حضور المرأة في الفضاء العام، ولفرض عقوبة “الجلد” على النساء، كما ألغيت المادة التي تحرّم اصطحاب المرأة لأطفالها خارج البلاد دون موافقة الزوج أو مَن ينوب عنه.
ولكن رغم ذلك ما يزال طريق التغير أمام السودانيات طويل، حيث يعترضن على مواد قانونية تمنعهن من تزويج أنفسهن، أو إبطال عقود زواجهن، بجانب أخرى تتيح لأولياء الأمور تزويج الطفلات من دون موافقتهن.
ويقول “يوسف” إن “القوانين السودانية بها كثير من العنف الموجه ضد النساء، وهي من أحد العوائق التي كانت تقف في مسيرة المرأة السودانية نحو التغير، وهو ما ساعده الحركة الإسلامية في 1989 التي صبغت الحياة السياسية والاجتماعية بالسودان بالطابع الديني”.