“أفرجوا عن الأطباء”، هكذا أصدرت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان بيانها في يونيو الماضي، والذي طالبت فيه السلطات المصرية بإخلاء سبيل الأطباء الذين تم القبض عليهم منذ بداية أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد، مؤكدة أن القطاع الطبي بحاجة لهم في مواجهة الجائحة، إذ يبلغ عدد الأطباء داخل السجون 6 أطباء وفقًا لبيان الجبهة.

تدوينات تضع الأطباء في قفص الاتهام

القبض على الأطباء، لم يكن لارتكابهم مخالفات طبية، ولكن لتدوينات مناهضة لإرسال مساعدات طبية لعدة دول بالخارج مع بداية أزمة كورونا، فأطلقوا استغاثات بنقص المواد الطبية في المستشفيات، وفقًا لبيان الجبهة.

تضم القضية 558 لعام 2020، 3 أطباء وصيدلي، يواجهون تجديد حبس احتياطي منذ بداية الأزمة، بعد أن وُجهت لهم تهم الانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون، ونشر وإذاعة  أخبار كاذبة هدفها إلقاء الرعب بين الأفراد، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

آلاء شعبان

آلاء شعبان حميدة عبد اللطيف، 26 عامًا، طبيبة بمستشفى الشاطبي التابع لجامعة الإسكندرية، واحدة من المتهمين في القضية، بدأت واقعتها بعد استخدام ممرضة لهاتفها للإبلاغ عن وجود حالة إصابة بفيروس كورونا بالمستشفى، فأبلغ عنها مدير المستشفى لما وصفه بتعديها اختصاصاته، وتم القبض عليها في 28 مارس 2020 من مقر عملها، واختفت قسريًا لمدة يومين.

وفي 4 أبريل 2020، ألقي القبض على الصيدلي  محمد كامل غانم مصطفى السايس،27 عامًا، واختفي قسريًا لمدة 5 أيام، وسُئل من قبل الأمن الوطني عن صاحب الشركة التي يعمل بها وعن عمله وزملائه بالجامعة، وبعد تفتيش هاتفه والعثور على ما كتبه على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” من انتقاد لأداء وزيرة الصحة، قررت النيابة حبسه احتياطيًا على ذمة القصية.

هاني بكر علي كحيل، 36 عامًا، جراح عيون بمستشفى طوخ القليوبية، قُبض عليه في 10 أبريل 2020، من منزله بمركز طوخ محافظة القليوبية، واختفى قسريًا لمدة 18 يومًا، ليظهر أمام النيابة بسبب نشره على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، منتقدًا المساعدات الطبية التي أرسلتها مصر إلى  إيطاليا، وبنفس القضية تم التحقيق مع أحمد صبرة إبراهيم، 44 عاماً، أستاذ مساعد بكلية الطب جامعة بنها، الذي قُبض عليه في 16 أبريل 2020 من عيادته الخاصة في مدينة بنها، واختفى قسريًا لمدة 12 يومًا.

الدكتور أحمد صفوت، طبيب نقابي قُبض عليه صباح يوم  يونيو، وظل مختفيًا ليومين، إلى أن ظهر في نيابة أمن الدولة يوم 30 يونيو، إذ تم التحقيق معه دون محام على ذمة القضية ٥٣٥ لسنة ٢٠٢٠، والمحبوس فيها على ذمتها أيضًا الطبيب بمستشفي المطرية التعليمي إبراهيم بديوي، بنفس الاتهامات، وهي الانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

“مُنع المحامين من الحضور مع المتهمين وهو الأمر المخالف لما ورد بالدستور والمواثيق والعهود الدولية والقانون”.. المفوضية المصرية للحقوق والحريات

أحمد صفوت

انتهاكات واختفاء قسري

المفوضية المصرية للحقوق والحريات، ذكرت في ورقة عمل لها، أنها رصدت عدد من الانتهاكات التي تعرض لها الأطباء على ذمة القضية رقم 558 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، من بينها تعرضهم للاختفاء القسري لأكثر من 10 أيام مع بعض الأطباء، إضافة إلى عرضهم على النيابة دون محامين.

وفقًا للمادة رقم 54 لسنة 1969 بالقانون، والتي تخص الأطباء، وتنص على النيابة أن تخطر النقابة بأي اتهام موجه ضد أي عضو من أعضائها بجناية أو جنحة متصلة بالمهنة، قبل البدء في التحقيق، وللنقيب أو رئيس النقابة الفرعية أو من يندبه أيهما من أعضاء مجلس النقابة أو مجلس النقابة الفرعية حضور التحقيق.

كما مُنع المحامين من الحضور مع المتهمين، وهو الأمر المخالف أيضًا لما ورد بالدستور والمواثيق والعهود الدولية والقانون، وتنص الفقرة 3 من نص المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية على أنه لكل متهم بجريمة أن يتمتع أثناء النظر في قضيته، وعلى قدم المساواة التامة، بالضمانات الدنيا التالية: “أن يتم إعلامه سريعًا وبالتفصيل، وفي لغة يفهمها، بطبيعة التهمة الموجهة إليه وأسبابها، أو أن يعطي من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه وللاتصال بمحام يختاره بنفسه، أو أن يحاكم دون تأخير لا مبرر له”.

وتنص المادة 124 من قانون الإجراءات ،على أنه لا يجوز للمحقق في الجنايات وفي الجنح المعاقب عليها بالحبس وجوبًا أن يستجوب المتهم أو يواجهه بغيره من المتهمين أو الشهود إلا بعد دعوة محاميه للحضور عدا حالة التلبس وحالة السرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة على النحو الذى يثبته المحقق فى المحضر، مما رأته المفوضية انتهاكا لحقوق الأطباء المحبوسين، وذكرت في ورقة العمل أن المشرع اشترط المشرع، لنظر أمر الحبس، سماع أقوال النيابة ودفاع المتّهم حول هذه الأقوال. كما أنّ ضمانة نظر توافر مبررات الحبس من عدمه بحضور المتهم، هي ضمانة مهمة.

“ما يواجهه الأطباء من حبس بسبب آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي ما هو إلا تعنت ضدهم يجب التصدي لهم”.. الجبهة المصرية لحقوق الإنسان

2 مليون طبيب بجيش مصر الأبيض

وفقا لسجلات نقابة الأطباء، تضم النقابة 212835 طبيبًا، وبالرغم من أن وسائل الإعلام وأجهزة الدولة بدأت بتوجيه شعارات تحمل عنوان “جيش مصر الأبيض” للأطباء، مع بداية الأزمة، لتشجيع الأطباء وتقدير دورهم، إلا أن الجبهة المصرية ترى أن ما يواجهه الأطباء من حبس بسبب آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ما هو إلا تعنت ضدهم يجب التصدي لهم، وتوفير بيئة عمل آمنة، خاصة في ظل الظروف الحالية التي تمر بها البلاد، وانتشار فيروس كورونا المستجد.

“بعض الأطباء، تعرضوا للحبس بعد نشر اعتراضات على تصريحات رئيس الوزراء، وتعامل الحكومة مع أزمة كورونا”.. الدكتور إيهاب الطاهر أمين عام نقابة الأطباء

منى مينا

نقابة الأطباء

الدكتور إيهاب الطاهر، أمين عام نقابة الأطباء، أكد أن بعض الأطباء، تعرضوا للحبس بعد نشر اعتراضات على تصريحات رئيس الوزراء، وتعامل الحكومة مع أزمة كورونا، وبسبب منشورات لهم على مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أن الوضع الحالي يحتاج لاحتواء للأزمة بدلًا من زيادة الاحتقان، منوهًا إلى أن هناك خطر يومي يتعرض له الأطباء، فلا يجدون وسائل حماية كافية لهم، وجميعها أمور تؤدي لزيادة الاحتقان.

الدكتورة منى مينا، عضو نقابة الأطباء السابقة، أوضحت أن النقابة طالبت النائب العام بالإفراج عن الأطباء المحبوسين، خاصة في ظل تفشي كورونا، في كل الأماكن ومنها أماكن الاحتجاز، مما يؤدي لزيادة انتشار حالات الإصابة بشكل أكبر.

وقال تسعة من الأطباء والمحامين والناشطين الحقوقيين، لوكالة “رويترز”، إنهم يرون حملة أوسع نطاقًا لفرض الرقابة على التغطية الإعلامية لتفشي المرض تستفيد من حملة واسعة المدى للتضييق على المعارضة.

وفي يوليو الماضي، أعلن عضو مجلس النقابة العامة للأطباء الدكتور إبراهيم الزيات، وصول وفيات الأطباء بسبب الإصابة بفيروس كورونا إلى 136 طبيبًا، كان آخرهم الدكتور وسام الديب أستاذ مساعد بقسم النساء والتوليد بطب الفيوم.