“الكتاب الجيد يحرر الإنسان الذي يقرأه .. أما التلفزيون الجيد فيعتقل الإنسان الذي يشاهده”، مقولة شهيرة للمفكر المصري الدكتور مصطفى محمود، توضح حجم الدور الذي تلعبه الدراما مع الجمهور، فهي الأداة الحساسة التي تسلط الضوء على واقع المجتمع بإيجابياته وسلبياته، بل واقتراح الحلول المناسبة للمشكلات القائمة.
فما العمل إذا كانت تلك الأداة في يد الدراما الخارجية، التركية منها، والسورية تدخل معظم المنازل المصرية إذا لم يكن كلها؟
“أفيش” كبير بوسط القاهرة تتصدره النجمة السورية سوزان نجم الدين، يعلن عن بداية عرض مسلسل “امرأة من رماد” داخل مصر، عرض المسلسل بشكل يومي على إحدى الفضائيات.
20 سنة تقريبًا هي إجمالي عمر الدراما التركية
يعد المسلسل من النوع الاجتماعي المعاصر، يعرض لقصة امرأة تعاني خللاً نفسيًا له مسبباته، لكن هذا الخلل غير واضح المعالم بسبب قدرتها في السيطرة عليه بفضل قوة شخصيتها، تضاعف هذا الخلل النفسي يجعلها تنتقم من كل من هو سعيد، وبالأخص من الأطفال بعمر ابنها الذي وافاه الأجل بحادث تفجير، تعيش الأم نوعًا من الفصام، يدفعا لإيذاء الأطفال.
حقق المسلسل نجاحًا كبيرًا، وتوالت بعده المسلسلات على هذه الشاكلة، إذ اتسمت معظم الأعمال السورية التي عرضت في مصر بعرض النواحي الاجتماعية، ومشكلات العائلة، والأبناء.
على عكس الدراما التركية التي اهتمت بشكل النجم ولعاقات الحب بينه وبين البطلة ولاقت هذه الفئة إعجاب المصريين كثيرًا خاصة من الفئة العمرية الشبابية.
فالبطل تركي، والصوت السوري، بمجرد أن تطأ عباراتهم المدبلجة على الآذان فيتعلق بهم الكثيرين، وتجد أسمائهم محفوظة داخل المنازل المصرية، بل ويتخذ منها المصريون نماذج ليطلقوها على المواليد الجدد.
ففي العام الذي عُرِض فيه مسلسل مهند التركي الشهير، تمت تسمية آلاف الأطفال بهذا الاسم حباً في بطل المسلسل نفسه، فتجد عدد كبير من المتابعين يرددون عباراتهم، بل ويبحثون عن الازياء التي يرتدوها.
الطبيب المعجزة
تضاعف حجم صناعة وصادرات الدراما التركية خلال آخر ٢٠ سنة
الجمال وحده لا يكفي، شعار رفعته الدراما التركية مؤخرًا، ففي مسلسل “الطبيب المعجزة” لجأوا لتغيير القاعدة بأن تكون للمسلسل قاعدة إنسانية تبنى عليها الدراما فهو يناقش قضية “التوحد” من خلال طبيب يعاني من تلك الازمة، ولكنه بجانب مرضه مصاب بمتلازمة الموهبة التي جعلته مميزًا، وهو من المسلسلات التى حققت نجاحًا كبيرًا فى تركيا وعدد من الدول العربية.
20 سنة تقريبًا هي إجمالي عمر الدراما التركية، واستطاعت خلال تلك الفترة حفر مكانة خاصة داخل كل منزل في مصر، فلماذا أحب المصريين الدراما التركية؟
أعلن المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، أن أحد أكبر التحديات التي تقف أمام الدراما المصرية، كان انتشار الدراما والمسلسلات التركية في المقام الأول، ثم تلاها بعد ذلك المسلسلات المكسيكية والهندية المدبلجة، وهو ما يفسر تضاعف حجم صناعة وصادرات الدراما التركية خلال آخر ٢٠ سنة.
فوفق الصحافة التركية، يتم إنتاج ما يقرب من 60 مسلسلًا تركيًا سنويًا، تضاعف عائد تصديرها من 50 مليون دولار عام 2001 إلى نحو 130 مليون دولار عام 2012.
وأشارت دراسة أعدها المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة عام ٢٠١٤ – اهتمت بالبحث عن أسباب وأبعاد تدهور صناعة الدراما في مصر- إلى أن سوق الدراما المصرية يعاني تشوهًا في هيكلها الإنتاجي، حيث تهيمن قلة احتكارية من الشركات الكبيرة عليه، ليس فقط في مجال التمثيل نفسه بل في رحلة المنظومة بأكملها خلال كافة أنشطة الصناعة بداية من الإنتاج إلى التصوير مرورًا بالتحميض والطباعة حتى التوزيع.
دراما الشاب الوسيم هي السر في جذب الدراما التركية
هذا ما أفسح المجال للدراما التركية وغيرها ومكنها من غزو مصر فنيًا حتى أن بعض الأعمال التركية حازت على تفاعل ونسب مشاهدات مصرية أعلى من التي حققتها على أرضها في تركيا، بشهادة النقاد.
دراما الشاب الوسيم
يقول خالد الشناوي، الناقد الفني، إن دراما الشاب الوسيم هي السر في جذب الدراما التركية للمحبين من العالم أجمع وليس من مصر فقط، فهم يقدمون أعمالاً تقدم المرأة الجميلة المرفهة، والشاب الذي يتمتع بملامح البطل الوسيم، الذي يتصرف برقي مع محبوبته، وهو ما يجذب العديد من المتابعين خاصة الفتيات منهم.
يبلغ عدد الشركات العاملة في صناعة الدراما المصرية نحو 500 شركة، لا تتأثر جميعها بالمؤثرات التركية المقدمة خاصة وأن تاريخ الدراما المصرية يعود لزمن بعيد جعلها تبني قواعدها ضد الغزو التركي الفني الذي يحدث الآن، فيسعى القائمين على الصناعة لإعادة تقديم القيم بصورة جديدة بعد إخضاعها، لعملية فك وتركيب وحذف لمكونات، وإضافة أخرى لتستطيع مواكبة كل التحديات ليس في مصر فحسب، بل في المجتمعات العربية كلها .
يوضح الناقد الفني، أن هناك قوالب ثابتة يلعب بداخلها الصناع منها، الاهتمام بعرض المشكلات المرتبطة بالرجل والمرأة فلا يوجد منزل في مصر لا يتابع تلك النوعية من المسلسلات أو حتى الأفلام وتتعدد مناقشة الأمور المتعلقة بهم تارة يقدمونها من خلال نموذج الرجل متعدد العلاقات، أو الزوجة اللعوب، أو الأم التي تتحمل أعباء الأسرة بالكامل بعد وفاة الزوج، وبالرغم من أن جميع النماذج ربما تتكرر إلا أن لها محبين ومريدين في كل عصر، وهو ما يجعل الدراما المصرية إلى حد ما صامدة في وجه الغزو التركي الفني للدراما.