“لا تولد المرأة امرأة، وإنما تصبح كذلك”، هكذا تناولت الفيلسوفة الفرنسية دي بوفوار، قضايا الجندرية، في كتابها “الجنس الآخر”، تلك القضية التي لطالما لاقت جدلًا كبيرًا على مدار السنوات الماضية، خاصة من النحاية الدينية.

اختلفت الأديان، في تناول قضايا الجندرية، خاصة من ناحية الوجهات الجنسية، فالبعض حرم المثلية الجنسية، والعبور الجنسي، والبعض أباحها بشروط مُعينة، والبعض الآخر وقف على الحياد ولم يتحدث عنها لا من قريب ولا من بعيد.

تعريف الجندر

يعرف الجندر، بأنه مُصطلح يُفيد في وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مُركبة اجتماعية، لا علاقة لها بالاختلافات العُضوية، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.

وتعرف الهوية الجندرية ، بأنها المفهوم الشخصي الذي يُحدده الفرد لنفسه كذكر أو كأنثى، أو لكليهما معًا، أو ليس لأي منهما، ويرتبط هذا المفهوم ارتباطًا وثيقًا بمفهوم الدور الجندري، والذي يعرف بأنه مجموعة المظاهر الشخصية الخارجية التي تعكس الهوية الجندرية.

المسيحية تعتبر المثلية الجنسية خطيئة تُخالف الفطرة التي خلق الله البشر عليها

التوجهات الجنسية

التوجهات الجندرية، تشمل نوعين وهما: المثلية الجنسية، ويمكن تعريفها بأنها هي  التوجه الجنسي  بنوع من الانجذاب الرومانسي أو الجنسي من شخص ما نحو شخص أخر من نفس الجنس ومن المحتمل أن يشعر الشخص بكل من الانجذاب الرومانسي والجنسي في وقت واحد.

النوع الثاني العبور الجنسي، و يُقصد به الأشخاص الذين تختلف هويتهم الجنسية،  عن الجنس الذي وُلدوا عليه، فمثلًا قد يعتبر أحد المتحولين جنسيًا نفسه امرأةً مع أنه ولد بجسد ذكر يمتلك أعضاءً تناسليةً ذكريةً.

الجندر

الإسلام حرم المثلية وأوجب القتل على فاعلها

المثلية في الأديان

حرمت الأديان الإبراهيمية، المثلية الجنسية، ولعنت المثليين وأنزلت بهم أشد العقوبات، فاليهودية تعتبرها من أكبر الخطايا، ويعاقب عليها بالإعدام كل من تجاوز الثالثة عشر من عمره، وورد في سفر لاويين 20: 13، أنه “إذا اضطجع رجل مع ذكر اضطجاع امرأة فقد فعلا رجسًا كلاهما أنهما يقتلان دمهما عليهما”.

أما المسيحية، فتعتبر المثلية الجنسية، خطيئة تُخالف الفطرة التي خلق الله البشر عليها، إذ وردت ضمنياً في رسائل بولس، في “لا تضلوا.. لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعو ذكور”.

الإسلام، حرم المثلية، وأوجب القتل على فاعلها، إلا أنه لا توجد طريقة لتطبيق العقوبة فيها، ونص القرآن الكريم على تحريمها في قوله تعالى: “وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ”.

النصوص البوذية ذكرت بعض العلاقات الغرامية بين الرجال

أما الأديان الآسيوية والهندية، فكانت أكثر تسامحاً مع المثليين، فبعضها ترفض المثليين لكنها لا تعاقبهم، وبعضها تتقبلهم داخل مجتمعاتها بشكل سلمي ومتساوٍ.

فالهندوسية، لا يوجد بها نص صريح يتحدث عن المثلية،ولم يتطرق كتاب التشريع “سيروتي” الهندوسيإليها أبدًا، معتبراً أن كل إنسان هو روح مستقلة أبدية، وهدف الحياة هو الحرية المطلقة من الولادة وحتى الموت.

النصوص البوذية، ذكرت بعض العلاقات الغرامية بين الرجال، دون التطرق إلى موضوع الجنس، لكن عموماً لا يوجد رأي محدد بخصوص المثلية أو أي ذكر لها في التعاليم البوذية، وتختلف الآراء عنها بين طائفة وأخرى.

السيخية، أيضًا لا تتضمن نصوصًا محددة حول المثلية، إلّا أن فئة من رجال الدين يُعدون المثلية أمرًا منافيًأ للطبيعة ولا يتناسب معها، لكن المجتمع السيخي لا يتبنى هذه الآراء بشكل حتمي، لأن الهدف الأساسي من وجود السيخية هي عدم حمل الضغينة والكراهية تجاه أي أحد آخر، بغض النظر عن عرقه أو دينه أو جنسه أو ميوله.

حرام ولكن لا وصاية

الحبيب علي الفري

الشيخ الحبيب علي الجفري، الداعية الإسلامي، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة طابة للداراسات الإسلامية، يصف تعامل المجتمع مع ظاهرة المثلية الجنسية بالـ”متطرفة، لافتًا إلى أن البعض يطالب بقتلهم، والبعض الآخر يطالب بأن يكون الأمر مشاعًا بين الناس.

ويوضح الجفري، أن المثلية تتعلق باضطراب الهوية الجنسية عند الإنسان، نتيجة خلل عضوي بحت عبر نقص هرموني أو لدواعي تربوية تجعل الرجل أقرب للنساء والعكس.

“المثلية الجنسية والمجاهرة بها حرام شرعًا”.. الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر الشريف

ويشير الجفري، إلى أنه على الشخص الذي يعاني من إضرابات جنسية، أن يعلم أنه ابتلاء من الله تعالى، وعليه المُجاهدة على عدم الاستجابة لأهواء النفس ومساعدة من حوله للتخلص من هذا الأمر.

الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر الشريف، تؤكد أن المثلية الجنسية والمجاهرة بها حرام شرعًا، وتُعد جريمة مُنافية لحكمة الخالق في تعمير الكون، واستخلاف البشر في الأرض.

وتوضح نصير، أنه بالرغم من حرمانية المثلية، إلا أنه لا يجوز الوصاية على تصرفات الأخرين والحكم عليهم، ولا يجوز ازدرائهم أو إطلاق الدعوات بقتلهم، منوهة أن الله أكد على النبي في القرآن الكريم، وجوب عدم الحكم على الآخرين أوإجبارهم على إتباع الحق، في قوله تعالى “لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ”.

تُحرم الديانة اليهودية اللجوء إلى العمليات الجراحية أو المعالجات الطبية بهدف تغييـر الجنس

العبور الجنسي في الأديان

المثلية الجنسيةتفاوتت الأديان الإبراهيمية في تناول قضايا العبور الجنسي، أباحها بشروط والبعض حرمها مطلقًا، فاختلفت وجهات النظر اليهودية حول العابرين جنسيًا حسب الزمان والمذهب.

فتُحرم الديانة اليهودية، اللجوء إلى العمليات الجراحية أو المعالجات الطبية بهدف تغييـر الجنس، وعدم وجود سببًا بيولوجيًا، وتطرقت التوراة إلى مسألة الخنثى، إلا أن الوضع القانوني لها غامضًا فتطبق عليه في بعض الأحيان، أحكام الرجال، وفي أحيان أخرى، تطبق عليه أحكام النساء.

وتُجيز اليهودية، للخنثى إجراء العمليات الجراحية، ولكن ضمن حدود معينة، فمثلاً الأنثى التي يظهر لديها، بالإضافة إلى أعضائها التناسلية الأنثوية، مظـاهر الأعـضاء التناسلية الذكرية، يمكن لها في مثل هذه الحال، ودون خلاف أن تخضع لعملية جراحية لإزالة هذا العضو الزائد، أما بالنسبة للخنثى الحقيقي فيمكن له الخضوع لعملية جراحية تهدف إلـى إعطائـه مظهـراً ذكرياً بشكل حصري.

تشترط المسيحية، وجود 3 أسباب لمشروعية التحول الجنسي

وفي المسيحية، لا يوجد رأي كنسي حول العبور الجنسي، وتعتبر الكنيسة الكاثوليكية الإنسان غير مالكاً لجسده وإنما فقط له حق الانتفاع به، وبناءً عليه لا يحق للإنسان أن يشوه جسده ويقتطع أعضاء منه إلا إذا توافرت أسـباب خطيـرة لذلك.

وتشترط المسيحية، وجود 3 أسباب لمشروعية التحول الجنسي، وهي: أن يُثير بقاء عضو أو عمله في الجسم ضررًا أو يشكل ذلك تهديدًا للجسم، وأن لا يمكن تجنب ذلك الضرر، أو إنقاصه بشكل ملحوظ، إلا عن طريق اقتطاعه، وأن تكون فعالية الاقتطاع مضمونة .

اختلف الإسلام في ظاهرة التحول الجنسي، وقسم المُخنث الذي يحتاج لعملية التحويل إلى نوعين الخنثى غير المشكل، وهو من كان الغالب عليه علامات الذكورة، فيعامل معاملة الذكور في أمور عبادته وغيرها، ويجوز علاجه طبيًا؛ مما يزيل الاشتباه في ذكورته، أو كان الغالب عليه علامات الأنوثة، فيعلم أنه أنثى فيعامل معاملة الإناث في أمور العبادة وغيرها، ويجوز علاجه طبيًا؛ مما يزيل الاشتباه في أنوثته.

الحالة الثانية: الخنثى المشكل، وهو من لم تتبين فيه علامات الذكورة أو الأنوثة عند البلوغ، أو مات وهو صغير أو تعارضت فيه العلامات، فيعامل بالأحوط في أمور العبادة وغيرها.

“مضطربي الهوية الجنسية ليس لهم دخل فيما يشعرون به، ولابد من احترام إنسانيتهم وآدميتهم”.. الحبيب علي الجفري

العبور الجنسية والمثلية

الشيخ الحبيب على الجفري، أكد أن اضطراب الهوية الجنسية ابتلاء من الله تعالى، والمضطربين ليس لهم دخل فيما يشعرون به، ولابد من احترام إنسانيتهم وآدميتهم كالمبتلى بأي إعاقة أخرى، وعليه أن يُعالج نفسه، وأن يصحح وضعه الجسدي إن كانت مشكلته عضوية، أو يعالج نفسيًا إن كانت مشكلته نفسية، ولابد على المجتمع مساعدته لتجاوز هذه الحالة.

ويضيف الجفري: “يحاول البعض اليوم أن يُشرعن المثلية، ويطبعها في مجتمعاتنا، وهذا حرام قطعًا، ويدخل فى وعيد الذين يحبون أن تشيع الفاحشة، ولذلك يجب إدراك الفرق بين اضطراب الهوية الجنسية في ذات الإنسان، وبين الممارسات الجنسية الشاذة المُخالفة للطبيعة التي خلقنا الله تعالى عليها”.

الشيخ مجدى عاشور، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أكد أنه لا يمكن أخذ رأي الدين بصفة عامة في مسألة العبور الجنسي، لافتًا إلى أن كل حالة لها ظروفها الخاصة التي لا يُمكن تعميمها على بقية الحالات.

ويوضح عاشور، أن هناك اختلاف كبير بين مرضى اضطراب الهوية الجنسية ومرضى الجنس البيني، مثل أن يكون لدى الفتاة أعضاء ذكورية أو العكس، وهنا الفتوى تكون أسهل، لأن المرض عضوى وواضح بشكل كبير، أما اضطراب الهوية الجنسية، فيكون الخلل نفسي أكثر منه عضوي، فهو عبارة عن ميول ورغبات لفتاة تريد أن تكون رجلًا أو العكس، لذلك يجب أولًا سماع رأي المختصين من أمراض الذكورة والأنوثة والأمراض النفسية والعقم والنساء، بعدها يؤخذ الحكم الديني.

ويضيف عاشور، أن تحويل الجنس أمر شديد الخطورة، ولا يمكن الموافقة عليه بالميول والرغبات فقط، ويحتاج إلى لجنة من جميع التخصصات.