اندلعت المظاهرات في لبنان وسط تصاعد الغضب في أعقاب انفجار مرفأ بيروت والذي راح ضحيته 158 قتيلا وأكثر من 6 آلاف مصابا وشرد نحو 300 ألف لبناني، ودمرت ثلث بيروت العاصمة.
دخلت المواجهات في بيروت، بين محتجين غاضبين وقوات الأمن، في وقت قدم عدد من الوزراء والنواب باستقالاتهم، لكن رئاسة الحكومة لا تزال متمسكة بالبقاء.
ودعا المحتجون إلى انتفاضة لا تتوقف عند حد الإطاحة بالزعماء السياسيين، وسط غضب عارم من جراء الانفجار المدمر. وطالب المتظاهرون الحكومة بالاستقالة، بسبب ما وصفوه بالإهمال الذي أدى إلى انفجار المرفأ. وتحول الغضب إلى مشاهد عنف في وسط بيروت السبت، وعلق المتظاهرون المشانق تعبيرا عن رغبتهم في تحقيق دولي لما حدث ومحاسبة المسئولين عن الكارثة.
تاريخ الاحتجاجات والثورات في لبنان
لم تكن تلك المرة الأولى التي يخرج فيها الشعب اللبناني عن صمته، اعتراضا على الأوضاع القائمة، سياسة كانت أم اقتصادية، من أجل إصلاح أوضاع البلاد، ونيل حياة كريمة.
ففي 17 أكتوبر من العام الماضي، أقر مجلس الوزراء حزمة ضرائب جديدة، ومنها زيادة الرسوم على المشتقات النفطية والسجائر، وفرض رسوم 6 دولارات على الاتصال بواسطة تطبيق واتساب.
خرج المتظاهرون إلى الميادين في عدة محافظات، وحطموا محال وأماكن عدة، وطالبوا باستقالة الحكومة، في اليوم الثاني للاحتجاجات تم تمزيق صور لزعماء سياسيين واقتحام بعض مكاتب النواب في جنوب لبنان، رئيس الحكومة سعد الدين الحريري أعلن في مؤتمر صحفي إعطاء نفسه مهلة 72 ساعة لحل الأزمة.
وأعلنت المصارف والمؤسسات العامة والقطاع التعليمي عن إضراب، وأعلن “الحريري” بعد اجتماع مجلس الوزراء عن ورقة إصلاحات جديدة رفضها المتظاهرون، واقتحم عدد من الفنانين مقر “تلفزيون لبنان”، اعتراضاً على عدم تغطية المظاهرات.
وفي جنوب لبنان، اعتدى أعضاء بالبلدية وأفراد بالشرطة على معتصمين، وتجمع المتظاهرون في ساحتي الشهداء ورياض الصلح في وسط العاصمة بيروت، وقدم رئيس الحكومة استقالته.
ثورة القمامة 2015
تحولت شوارع بيروت إلى مقالب لجمع القمامة، مما أثار غضب اللبنانيون، وخرجوا في احتجاجات ضد فساد النظام الحاكم.
وعبر الشباب عن غضبهم من أزمة الحكم الطائفي في لبنان، واستمرت الاحتجاجات من نهاية تموز/ يوليو 2015 حتى منتصف أيلول/ سبتمبر 2015، وتمكن حوالي 14 ألف متظاهر من الوصول إلى ساحة الشهداء ورياض الصلح في بيروت، لكن تم قمع تلك الحركة الاحتجاجية دون تحقيق أي هدف.
حراك لا للتمديد 2013
ظل العديد من اللبنانيون يحملون في داخلهم شعار وأفكار إسقاط النظام الطائفي للتعبير عن آرائهم، سواء من خلال وسائل الإعلام أو في مظاهرات أو تحركات احتجاجية.
وعقب إعلان المجلس النيابي السابق عن قرار التمديد لنفسه عام 2013، بالمخالفة للدستور والوكالة المعطاة من قبل الشعب للنواب، خرجت مجموعات عدة في تحركات احتجاجية في وسط مدينة بيروت.
وكانت تلك المرة الأولى التي يستعمل فيها اسم حراك، وأطلقت حملة اعلامية تحت اسم ” لا.. للتمديد” هدفها الضغط على النواب لإلغاء التمديد، وكان أهم مطالبهم إجراء الانتخابات النيابية في موعدها على أساس نسبي، لكن لم تنجح الحركة في تحقيق مطالبها.
ضد الحكومة 2011
امتلأت المدن اللبنانية بالمتظاهرين في 27 شباط/ فبراير 2011، في أعقاب ثورات تونس ومصر وسورية، لإسقاط النظام الطائفي في البلاد، الذي خلفته الحرب الأهلية اللبنانية، واستقالة حكومة الحريري لسحب البساط من هدف تلك الثورة وتجميدها مجددًا.
ثورة الأرز 2005
في 14 شباط/ فبراير 2005 اندلعت ثورة الأرز، على إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وظل شباب الثورة في ملء ساحات بيروت 72 يومً، وكان هدفهم الرئيس إنهاء الوجود السوري في لبنان الذي جسده نظام الأسد الأب والابن منذ عام 1976، واستطاع اللبنانيون من خلال الاحتجاجات إجبار قوات نظام بشار الأسد على الانسحاب من لبنان.
ثورة مضادة
النظام عاد بثورة مضادة أجهضت ثورة الأرز، عبر حلفائه الذين شكلوا قوى الثامن من آذار 2005، حيث شكل الثورة المضادة ميليشيا “حزب الله” اللبناني، ولم تثمر جهود المحكمة الدولية حول اغتيال الحريري في الكشف عن القتلة وتقديمهم للعدالة الدولية.
ثورة الجياع 1997
الشيخ صبحي الطفيلي الأمين العام السابق لحزب الله، في عام 1989 قاد احتجاجات عرفت فيما بعد بثورة الجياع، عندما أعلن العصيان المدني عام 1997، احتجاجًا على تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للشيعة اللبنانيين.
ولم يوافق وقتها “حزب الله” على إعلان العصيان المدني، وفي يوم 24 كانون الثاني/ يناير عام 1998 خرج قرار بفصل الشيخ الطفيلي من الحزب، وحدثت اشتباكات مسلحة بين أنصاره وبعض أفراد حزب الله.
في يوم 30 كانون الثاني/ يناير 1998قتل العديد من المواطنين أثناء تبادل إطلاق النار حيث شارك فيه الجيش اللبناني إلى جانب “حزب الله”، وقتل الشيخ خضر طليس وأحد الضباط اللبنانيين.
محطات في الثورات
كانت أولى الثورات اللبنانية تلك التي خاضها الفلاح طانيوس شاهين في بلاد كسروان ضد الإقطاعيين بين عامي ١٨٥٨ و١٨٦٠ واستطاع طردهم إلى بيروت ومصادرة ممتلكاتهم وأعلن تأسيس الجمهورية.
في عام 1946 وقعت مجموعة من الاضرابات العمالية والقطاعية أبرزها إضراب عمال وموظفي شركة الكهرباء، وعمال وموظفي شركة الريجي للتبغ للمطالبة بزيادة الأجور والتعويضات العائلية وحماية الحريات النقابية.
في العام 1947 شهد موجة واسعة من الإضرابات، عقب تسريح ثماني شركات أجنبية أكثر من 635 عاملاً وعاملة.
ما بين الأعوام 1952 و1956، شهدت تلك الفترة عشرات الإضرابات في سبيل تحقيق مطالب تتعلق بالحريات النقابية وزيادة الأجور وتخفيض ساعات العمل.
وبرز في تلك الفترة إضراب معمل “عسيلي” للنسيج 2200 عامل، وإضراب معملي الترابة والاترنيت في شكا 1500 عامل، وتمكن العمال من تحقيق عدد لا يستهان به من المطالب.
في عام ١٩٥٨ شهدت لبنان ثورة أخرى إثر انقسام اللبنانيين بين معسكر مؤيد للمحور الأميركي تزعمه كميل شمعون الرئيس اللبناني، ومعسكر مؤيد للمحور الناصري تزعمه الزعيم كمال جنبلاط.
الشعب رهينة
يرى الدكتور حسان قطب، رئيس المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات، إن الثورة الحالية للشعب اللبناني رد فعل طبيعي، خاصة أن ما حدث كان بسبب إهمال المسؤولين، وأنه لا يتم التعامل مع الشعب اللبناني إلا على إنه رهينة للمسئولين لإبقاء هيمنتها وترسيخ سلطتها سياسيًا وأمنيًا واقتصاديا، وأن الشعب لن يهدأ بعدما تم ضرب الاقتصاد والبنية التحتية، لذا لن يهدأ الشعب إلا حينما يرحل النظام الحالي الذي هدفه الوحيد هو تضخيم ثرواتهم المالية.
الدكتورة منى سليمان، الباحثة المتخصصة في العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، تقول إن سيناريو استقالة رموز الحكومة سيكون من السهل على “حزب الله” فرض سيطرته أكثر من ذي قبل على مقدرات الأمور في اللعبة السياسية بلبنان، كما أنه سيكون هناك ضغوط إقليمية ودولية على لبنان حتى يتم إقصاء “حزب الله” ويجب على الحكومة الخضوع للمطالب تجنبا لنشوب حرب أهلية أو فرض عقوبات دولية، كما أن استمرار التحالف بين التيار الوطني وحزب الله سيؤدي إلى انهيار لبنان بشكل كلي.