ببقى فخور أن أي فيلم بشارك فيه وبكتب قصته وبألفه يثير النقاش والجدل، مش زي أي فيلم ينزل في السينما أو يطرح في السوق أو يقدم من خلال منصة” هكذا تحدث الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى عن فيلم صاحب المقام، الذي عرض مؤخرا على منصة شاهد، وهو ثالث أفلامه بعد مولانا والضيف.

تدور سينما إبراهيم عيسى في فلك كتابته وقراءته العميقة في التاريخ والدين، فالتجربة الأولى له في السينما كمؤلف كانت عن أزهري شاب يملك نفوذًا هائلًا في الإعلام وبين رجال السياسة بدأ رحلته من مسجد حكومي إلى أن أصبح داعية تلفزيوني شهير يملك حق للفتوى التي يتلقاها الملايين بالإعجاب لجرأته ومحاولة الخروج قليلاً عن مألوف الحديث السائد في مجتمع متأثر بدعاوى التشدد السلفي.

“مولانا” حكاية ضمن حكايات كثيرة تملأ كتبه ومقالاته وبرامجه التلفزيونية، لكنها وجدت من يقدمها في قالب جديد لها، ليضع قدما في عالم جديد طرقه من قبل كممثل، لكنه الآن هو صاحب الحكاية ومصدرها الذي يرويها للجمهور في القاعات بدلا من أولئك الذين يقرأون له في الصحف والمواقع والكتب.

أما في فيلم الضيف فكان النقاش مختلفا نوعا ما حيث طرح قضية الحجاب من خلال أسرة مصرية عادية، يناقش من خلالها إحدى القضايا الدينية، مثل الحجاب أو قبول المسيحيين، أو الخلاف حول علماء الإسلام.

وفي “صاحب المقام” يبتعد عيسى هذه المرة عن إشكاليات الخطاب الديني، ويقترب من عالم الصوفية وحضور آل البيت في حياة المصريين، ليواصل طرق الأبواب والكشف عن صوت التدين الشعبي والتصدي للتيار السلفي كما اعتاد.

يتبني عيسى، وفقا لتصريحاته، طرح أفكار خارج الصندوق بجرأة واختلاف، داعيا صناع السينما في مصر بتبني موجة سينمائية جديدة ومختلفة، وهو ما يعتبرها الناقد الفني خالد محمود سينما مثيرة للجدل أكثر منها سينما مدهشة على مستوى التمثيل والدراما والإخراج.

يقول “محمود” إن سينما إبراهيم عيسى لا تزال محيرة ومقلقة حتى الآن، يتبنى أفكارا جيدة وتخترق مناطق جديدة لكن الأزمة في السيناريو نفسه، وفي الأفكار التي تسبق المشاهد.

ويرى أن صاحب المقام أنضج من التجربتين السابقتين مولانا والضيف، حيث نجح عيسى في التخلص من الجمل المباشرة والإسقاطات نوعا ما، فالسينما لا تعرف الخطاب المباشر.

يضيف: “لا أعيب على عيسى بل على صناع الأعمال الذين لم يحولوا النص إلى حوار والمخرج والفنانون تأثروا ووقعوا في فخ عيسى نفسه ومناطق الخطاب الإنشائي التي تفسد العمل الفني فمشكلة أفلامه أن صناع الأعمال واقعين في غرامه ولم يحاولوا إثبات أنفسهم

إلا أن صاحب المقام تجاوز هذه المشكلة وتخلى آسر ياسين عن الوقوع في فخ إبراهيم عيسى، لكن الأجواء الصوفية ليست موجودة والتحول من المادية إلى الروحانية ليس مقنعا والعالم الروحاني لم يقدم بشكل جيد بعكس قنديل أم هاشم كان مقنعا في نقل العالم الصوفي ولحظات التمرد على هذا العالم كانت واضحة.

عيسي ووحيد حامد

ويقارن “محمود” بين نوعية الأفلام السياسية والدينية التي قدمها وحيد حامد وأفلام عيسى، موضحا أن “حامد” نجح في رسم صورة من خلال الجملة لكن عيسى يقدم الجملة من خلال الجملة، فهو لا يزال يكتب المقالات ولا يقدم السيناريو في الوقت الحالي وعليه أن يتبنى القصص أكثر أو التنازل عن كتابة السيناريو في الوقت الحالي والاكتفاء بطرح فكرة الفيلم.

يتابع محمود: “إبراهيم سيفهم مستقبلا الفارق بين الفن والخطاب الإنشائي مع الوقت والخبرة والتجارب، صناع الإنتاج هم من يذهبوا لإبراهيم عيسى لأنهم يريدون هذه النوعية من الأفلام لذا سنرى أفلاما أخرى“.

الخطابات الدينية المهمشة

ويقول الباحث في الإسلام السياسي، كريم شفيق، إن إبراهيم عيسى يعمد طوال الوقت إلى إزاحة الطبقات المتراكمة على الخطابات الدينية المهمشة وغير السائدة، كما يحاول الكشف عن صوت التدين الشعبي الذي مازال يقاوم حالات التسلف وهيمنة الأصولية منذ عقود، إذ إن التدين الشعبي المصري له خصوصية استثنائية على مستوى الطقس والاحتفال والممارسة، تكاد تختلف عن الحالة الدينية في باقي المنطقة العربية والعالم، تلامس ربما الصوفية لكنها كذلك متحررة من مرجعياتها وتعقيداتها الفلسفية والطرقية.

يضيف شفيق: “الأضرحة والمقامات الشعبية تتصل بتطور أنماط إنتاج المجتمعات والمستوى الذي تقف عليه؛ ففي المجتمعات الحرفية والتي تكثر فيها طوائف هذه الحرف تكثر ظاهرة الأولياء والشفعاء المحليين بعكس المجتمعات ذات طبيعة الإنتاج غزير المشاعر والقائم على المركزية الذي يتطلب نموذج إيماني توحيدي “.

ويشير إلى هناك محاولات سينمائية عديدة لعمل مقاربات على حالة التدين المصرية والكشف عما تعرضت لها من هزات عديدة ومحاولة رتق ثقوبها، فمع سينما وحيد حامد الذي قدم صورة تعري أفراد الجماعات الإسلامية المتشددة والراديكالية بخاصة النموذج التقليدي لعقد التسعينات وفي المقابل الأسرة المصرية العادية التي لم تسقط الهواجس والحواجز النفسية على حياتها سواء في علاقاتها بالدين أو الآخر فمسالة الحجاب وغيرها من الرموز الدينية لم تكن بعد وصلت لهذا الانتشار الكثيف باعتبارها وسائل للتصنيف والعزل بين البشر على أساس ديني.

وبحسب شفيق، يختلف عيسى عن سابقيه في محاولته تقديم نموذج أكثر واقعية عن الحالة المتأخرة التي وصل إليها المجتمع والدين معا وتحريرها من ضغط الخطابات السلفية والأصولية من ناحية وإتاحة الفرصة بدرجة أو أخرى لوضع الدين وعلاقته بالفرد على قدميه بدلا من رأسه للدرجة التي تجعله في حالة تشنج وعصبية دوما.