تحمل الانتخابات آلاف القصص والحكايات، حول طرق مشروعة وغير مشروعة لجذب أصوات الناخبين إلى صناديق الاقتراع، والتي تبدأ ممارستها مع قبل المارثون الانتخابي بفترة قليلة، وتنتهي مع غلق آخر صندوق اقتراع.

ألاعيب الانتخابات تشمل العديد من الصور، منها الرشاوى الانتخابية وتشكيل التكتلات وتفتيتها، والتشكيك في السمعة واصطياد الأخطاء واللعب على القبلية، وغيرها من مظاهر الاستغلال.

ولأن المقاعد الانتخابية، لها سحرها الخاص للذين يبحثون عن السلطة والولاية، كان استخدام «كارت» الدين للعب على أوتار الناخبين وجذبهم لصناديق الشرع والحلال والحرام. وعلى رأس من أجاد تلك اللعبة، حزب النور، الذراع السياسي للدعوة السلفية بالإسكندرية، التي عملت على إيجاد طريق لها في عالم السياسة بكل تفاصيله المغرية.

الحصان الأسود

في لعبة السياسية، استخدم حزب النور السلفي، النزعة الدينية للحصول على داعمين له في الحياة البرلمانية، والفوز بأكبر عدد من الأصوات، خاصة أن كارت الدين طالما داعب الخط الأحمر في قلوب الناس، ما يجعله أقصر طريق للقبة البرلمانية.

والنزعة الدينية السلفية قامت على عدة أسس أهمها المرأة، التي اختلف تصنيفها لدى السلفيين وفقا للدور المرسوم لها، والذي بدأ بجلوسها في المنزل، وانتهى بتحطيم صورتها وجعلها رمز للفجور والخروج عن الدين.

المقاعد «الدينية»

استخدم حزب النور السلفي المرأة في العديد من المواقف المتناقضة التي تعبر عن استغلال بعيد كل البعد عن الدين، ففي البداية، عارض حزب النور وقادته مشاركة المرأة في الحياة النيابية، كونها وفقا للفكر السلفي «ناقصة عقل ودين» ولا يجوز التعويل عليها في القضايا الهامة، مع تحريم ولايتها على الرجل والحط من شأنها قدر المستطاع، وكان هذا بالتزامن مع بداية حكم الإخوان، وسعى السلفيين لتجريد النصوص التشريعية من أي حقوق للمرأة، حتى وصل الأمر لتحريم مشاركتها في البرلمان نهائيا.

ثم اصطدم النور بالدستور، الذي نص على وجود كوته للمرأة والأقباط بالبرلمان باعتبارهم فئات مهمشة، الأمر الذي جعل النور في موقف لا يحسد عليه، أمام قواعده الشعبية التي عمل على شحنها ضد مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وجعل حياتها تقتصر على رعاية أسرتها وزوجها فقط، ذلك لأن الدعوة السلفية لم تكن لتضيع فرصة الالتحاق بالبرلمان، والفوز بمقاعد التشريع.

وبعد أن كانت ولاية المرأة حرام شرعا، ومشاركتها في الحياة السياسية حرام شرعا، خرجت الأبواق السلفية، حاملة مبررات مشاركة المرأة في البرلمان، لتبرير وجود مرشحات لحزب النور، فهذا أحمد الشحات أحد قيادات الدعوة السلفية، أخذ يضع الغلاف الديني على تراجع حزب النور عن موقفه، فقال أن مشاركة المرأة في الحياة السياسية تأتي بالقياس بتكليفها مثل الرجل في الأمور الشرعية، وأن الحديث عن عدم جواز الولايات العامة للمرأة للرجل، لا ينطبق على الحياة النيابية، مبررا ذلك بأن المرأة لم تمنع نصا من التشريع، ولم تمنع عن النهي عن المنكر والأمر بالمعروف والتي تمثل هنا رقابة البرلمان.

وتابع «الشحات» أن أعداد النساء بالبرلمان أقل بكثير من الرجال، بالتالي ينتفي وضع القوامة على الرجال، وبالتالي لن يكون لديها ولاية على الرجل تحت قبة البرلمان.

وبدأت تنهال المبررات، وسط عدم اقتناع من القواعد الشعبية للسلفيين، ومنها ما ذكره ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، أن المرأة لا يجوز لها أن تتولى السلطة التشريعية، لأنها بذلك تملك ولاية على الرجل، ولكننا وافقنا على ترشح المرأة بالبرلمان مجبرين ومضطرين، لأن الرفض يعنى ترك الساحة السياسية للعلمانيين وأعوانهم، واصفا مشاركة المرأة بالبرلمان أقل مفسدة من ترك المشهد.

أما عبد المنعم الشحات، فقال إن ترشح المرأة من باب الموازنة بين المصالح والمفاسد.

واستمرت التبريرات التي تنتقص من قدر المرأة، وسط خنوع وخضوع من نساء السلفية، حتى وصل الأمر لرفضهم وضع صور مرشحات الحزب، واستبدالها بوردة، واقتصرت المؤتمرات الانتخابية على تمثيل دكتورة حنان علام، أمينة المرأة بالحزب، بينما باقي المرشحات لم يكن لهم تواجد يذكر.

ثم جاءت الضربة للنور من خلال تكبده خسارة كبيرة بالبرلمان، وحصوله على بضع مقاعد ليس لها تأثير يذكر، ولم يكن من ضمنها امرأة واحدة، ما أدى إلى رجوع المرأة الى وضعها الحقيقي بالحزب، وتم وقف نشاط لجنة المرأة سياسيا، وأصبح قاصرا على إقامة المعسكرات النسائية لتوعية المرأة حول دورها في الأسرة، ليتحول كيان المرأة بحزب النور، إلى كيان وهمى يطفى شرعية على كيان أكثر وهما وهو الدعوة السلفية.

استغلال المرأة 

لم تنتهي سلسلة امتهان المرأة داخل حزب النور والكيان السلفي إلى هذا الحد، ولكن جاءت انتخابات مجلس الشيوخ لتحمل معها صورا أكثر امتهانا، تمثلت في استغلال المرأة للنيل من المنافسين للنور في مارثون الانتخابات، من خلال تصعيد الحديث عن حرمانيه تولى المرأة للمناصب السياسية أو مشاركتها في الانتخابات، ورفضهم الاستعانة بمرشحات في مجلس الشيوخ.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل قاموا بنشر أفكارهم بمحافظات الصعيد، مستغلين الأفكار القبلية التي تسيطر على بعض القرى بها، وهو الأمر الذي تجلى في عدة مشاهد منها تمزيق لافتات دعائية للمرشحات لمجلس الشيوخ في محافظة قنا، وترديد شعارات مناهضة للمرأة ورافضة لترشحها بالمجالس النيابية، ومحاولة تكوين رأي عام ضد الأحزاب التي تستعين بمرشحات من النساء، ما يضمن لهم تحقيق بعض المكاسب ضد المنافسين.

تمرد نسائي 

تسير رياح التمرد النسائي داخل صفوف الدعوة السلفية بخطى بطيئة، ولكنها باتت موجودة، رغم أنه أمرا كان غير متوقعا من فترة بسيطة، فبعد أن ابتعد فصيل ليس بقليل عن الدعوة السلفية، لمواقفها المتناقضة، كان ضعف التواجد النسائي أمرا متوقعا، ولكن وصلت رياح التمرد للنساء أنفسهن، ممن رفضن السلطة الدينية من رجال الدعوة السلفية، وثاروا ضدها، ومنهم آيات حجاج التي أعلنت ابتعادها عن الدعوة السلفية نتيجة لبعض أفكار المنتمين لها، واحتفاظها بأفكارها ولكن دون امتهان لها، كذلك توقفت لجنة المرأة تمام داخل حزب النور، إلا عددا قليلا من القيادات النسائية مثل حنان علام.