إذا مررت بأحد الشوارع في قريتك أو مدينتك، قلما ما تجد لافتة لمرشح لانتخابات مجلس الشيوخ، إذ تجرى على مدار يومين، بدأت من اليوم، حتى شاشات التلفزيون عزفت إلا قليلاً عن عرض إعلاناتها التي تدعو المواطنين بأهمية المشاركة للتصويت في الانتخابات، والتأكيد على أن “صوتك أمانة”.

إعلان وحيد لقائمة “مصر الوطنية”- تضم 11 حزبًا، التي يترأسها حزب “مستقبل وطن” الذي يحل محل “الحزب الوطني” في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، تذيعه الشاشات على استياء.

حالة صمت انتخابي تراها في الشوارع والطرقات والكباري، حتى الأزقة والقرى الفقيرة التي كانت سيارات الربع نقل، والـ”تكاتك” تجوبها، وتحرض المواطنين على النزول للمشاركة الانتخابية عبر مكبرات الصوت، اختفت.

المواطنون- محدودي الدخل والفقراء الذين كانوا ينتظرون الانتخابات باعتبارها مصدر رزق لهم، لتوزيع الشنط عليهم التي باتت معروفة بـ”الزيت والسكر”، لم يجدوا سبيلاً لتلك الشنّطة- على حد تعبير- أحدهم “هيّ فين الانتخابات دي”.

ربما تسيطر تلك الحالة على المواطنين، لسابق معرفتهم بأن الانتخابات محسومة لصالح حزب واحد، وقائمة واحدة يسطير عليها ذات الحزب “مستقبل وطن”، بعضهم يتساءل: لماذا تنفق كل هذه المليارات على انتخابات معروفة النتيجة مسبقًا؟.. وآخرون يحللون: “أساسًا مجلس الشيوخ ميقدرش يحاسب الحكومة، لأنه ملوش صلاحيات”.

ينظر البعض إلى انتخابات مجلس الشيوخ، المكون من 100 عضو، وهو الغرف الثانية للبرلمان، على أنّها ترضية سياسية لـ”مستقبل وطن” على أكثر ولا أقل.

السيس يدلي بصوته

قائمة واحدة

“غياب تام للمنافسة، حزب واحد يسيطر على المقاعد الفردية، ويسيطر على القائمة الوطنية”.. هو العنوان الأبرز لانتخابات مجلس الشيوخ، الذي تبدو أن مقاعده هندست خصيصًا لـ”مستقبل وطن” خليفة الحزب الوطني “المنحل”.

لا تجد قائمة أخرى بخلاف “القائمة الوطنية” تعلن عن نفسها، وحتى المقاعد الفردية المتبقية بالمجلس، لا ينافس عليها سوى “مستقبل وطن”.

بهذه الطريقة سيخرج المجلس الجديد بـ”صبغة واحدة”، لم تشهدها البلاد حتى في عهد حسني مبارك، الذي كانت المعارضة تطلق على برلمانه أنه “مجلس ديكور”.

حتى أن عدد من الأحزاب المنضمة لـ”القائمة الوطنية”، أعلنت أن الانضمام ليس تحالفًا، لإدراكها أن الترشح في الانتخابات لابد وأن يكون من بوابة “مسقبل وطن”.

فريد زهران، رئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعي، أحد المنضمين لـ”القائمة الوطنية”، أوضح في تصريحات صحفية، سبب خلافه مع القائمين على القائمة، قائلاً: “اختلفنا لأننا نميل للقائمة النسبية التي تتيح تمثيلًا أوسع لجميع الأطياف لكن مستقبل وطن وأحزاب الموالاة أكثر ميلاً للقائمة المطلقة، لكن في أعقاب صدور القانون لاحظنا أن نسبة القائمة أصبحت 50% بدلاً من 75% من المقاعد وتجددت بعدها الدعوة لنا لمناقشة فكرة القائمة والانضمام لها، وهذه الدعوة لم توجه لكل الأحزاب.

فريد زهران

وعن سؤاله عن موافقة “المصري الديمقراطي”، على الانضمام لقائمة موحدة تحت قيادة حزب يختلف في توجهاته وقراراته جذريًا معكم؟.. أجاب “زهران” قائلاً: “كان عندنا رفض للقائمة المطلقة ومع الانتخابات بالقائمة النسبية، لكن كل من عمل فى الحقل السياسي يعلم أن معارضته للقانون لا تحول دون مشاركته، أنا أشارك في الانتخابات بدرجات مختلفة منذ عام 1976 حتى 2010، وفي كل هذه المرات كنت ضد القانون ولم أر أبدًا أن القانون الانتخابى هو أفضل ما أتمناه، وأي شخص ينتهج أسلوبا ديمقراطيا للتغيير يرتضى القانون والعمل في حدود الممكن والمتاح، ورفضنا للقانون لا يعنى ألا نشارك في الانتخابات”.

أحزاب بلا برامج انتخابية

المراقبون للمشهد الانتخابي، يلاحظون عدم وجود اشتباك بين أحزاب أو مرشحين حول برامج انتخابية، تمس حياة المواطن، فكان هم الجميع هو كيفية هندسة دخول “الشيوخ”- غرفة البرلمان الثانية التي غابت 6 سنوات.

ويبدو رجل الأعمال محمد أبوالعينين، عضو مجلس النواب عن دائرة الجيزة حاليًا، وعضو لجنة السياسيات للحزب “الوطني” سابقًا، وهو المتهم سابقًا في القضية المعروفة إعلاميًا بـ”موقعة الجمل”، إبان أحداث 25 يناير، في خلفية الإنفاق على “القائمة الوطنية” التي اختارت اسم “كليوباترا” رمزًا انتخابيًا لها، على اسم مصنع السيراميك الذي يمتلكه رجل الأعمال الذي عاد للمشهد السياسي بقوة بعد 30 يونيه، بتدشين قناة “صدى البلد”، الموالية لنظام الحكم الحالي، و3 مواقع إخبارية إحدها تبث باللغة الإنجليزية.

موقف المعارضة

حدث انقسام في “الحركة المدنية الديمقراطية”، ممثلة التجمع الأساسي لأحزاب وقوى المعارضة في مصر، وهي: المصري الديمقراطي، والعدل، والإصلاح والتنمية، ورفضوا الدخول للانتخابات في القائمة التي شكلها “مستقبل وطن”.

ورفضت أحزاب أخرى، مثل: الدستور، والتحالف الشعبي الاشتراكي، وتيار الكرامة، والعيش والحرية المشاركة في الانتخابات بشكل كامل،  وأصدر بيانًا للمقاطعة شمل توقيعات الأحزاب وشخصيات عامة، منها: حمدين صباحي، وجورج إسحاق، وعبد الجليل مصطفى، ومصطفى كامل السيد، وغيرهم.

عودة إلى الوراء

في العام 2019- عقدت اجتماعات مكثفة بين أطراف العملية السياسية والمؤيدين لنظام الحكم، لدراسة الدفع بـ”مستقبل وطن” إلى مجلس الشيوخ، أم اختيار حزبًا جديدًا، وبعد تفكير اختير الحزب الوليد الذي أسسه محمد بدران، رئيس اتحاد طلاب مصر، في العام 2014، إذ حصد 53 مقعدًا من إجمالي مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 596، ليمثل الأكثرية البرلمانية.

وظهر في خليفة تمويل الحزب الوليد، عددًا من رجال الأعمال، ومنهم أحمد أبو هشيمة، ومحمود أبوسديرة، طارق رسلان، ومحمد حلاوة، وخالد الأسيوطي.

وهذا التأسيس كان بتخطيط من الأمن الوطني، لذا أطلق على “القائمة الوطنية” – اسم “قائمة الأمن”، وكانت اجتماعات القائمة تتم بمكتب اللواء أحمد جمال الدين، مستشار الرئيس للشئون الأمنية، بحضور بعض الأجهزة السيادية، مثل: المخابرات العامة، والأمن الوطني، وممثل للرقابة الإدارية.

تأسيس “القائمة الوطنية”

وبعد إعلان “القائمة الوطنية” برئاسة “مستقبل وطن”، الذي رشح المنضمين للقائمة، انضم 11 حزبًا- معظمهم مغمورين لدى المواطنين، باستثناء حزبين أو 3 على الأكثر.

ويضم التحالف أحزاب: الشعب الجمهوري، وحماة وطن، ومصر الحديثة، والوفد، والتجمع، والمصري الديمقراطي الاجتماعي، والإصلاح والتنمية، والحركة الوطنية، والمؤتمر، والحرية، والمصري.

عزوف جماهيري

تساءل العديد من المواطنين عن أسباب عودة مجلس الشيوخ بعد إلغائه، لاسيما وأن دوره سيكون مقتصرًا على مراجعة القوانين التي يوافق عليها مجلس النواب فور تقديمها من قبل الحكومة.

وبعد تجاهل المواطنين للمشهد الانتخابي برمته، لوحت الهيئة العليا للانتخابات، بتوقيع الغرامة 500 جنيه حال عدم المشاركة في التصويت، وسط سخرية من رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين أكدوا عدم تطبيق العقوبة في المرات السابقة.

مستقبل وطن يدفع بالشباب

وغياب المنافسة الحزبية جعل الطريق مسدودًا أمام المشاركة الجماهيرية، حيث رأوا في أعين المرشحين المباركات لبعضهم البعض بنتائج معروفة سلفًا.

صلاحيات المجلس

لابد أن تعرف أن مجلس الشيوخ، مكون من 300 عضو، ثلثهم 100 عضو يتم تعيينهم من قبل رئيس الجمهورية، والثلث الثاني يترشح بالنظام الفردي بدوائر انتخابية واسعة تجعل الفوز بالمقعد أمرًا حلمًا بعيد المنال، لارتفاع تكلفة الدعاية، أما الثلث الأخير بنظام القائمة المطلقة المغلق، وهي التي شكلها “مستقبل وطن” تحت إشراف الأمن الوطني، باسم “القائمة الوطنية”.

ورغم كل هذه المليارات للتحضير لانتخابات، فإن المجلس ليس له صلاحيات حقيقة، فدوره مقتصرًا على دراسة واقتراح ما يراه كفيلًا بتوسيع دعائم الديمقراطية، ودعم السلام الاجتماعي، والمقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا، والحقوق والحريات والواجبات العامة، وتعميق النظام الديمقراطي وتوسيع مجالاته.

ولا يستطيع “الشيوخ” تقديم مشاريع قوانين على مجلس النواب، فيما يؤخذ رأيه في الاقتراحات الخاصة بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ومشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومعاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة، والقوانين ومشروعات القوانين المكملة للدستور التي تحال إليه من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب، وما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها في الشئون العربية أو الخارجية.

وعلى الرغم من ذلك، فإن “الشيوخ” مجلس بلا صلاحيات، إذ أنّ رأيه غير ملزم لمجلس النواب، أو رئيس الجمهورية، أو أي جهة تنفيذية.

خريطة “الشيوخ”

150 لـ180 عضو من “مستقبل وطن”.

20 لـ30 عضو من “الشعب الجمهوري”.

10 -25 عضو لأحزاب المعارضة

عدد من المقاعد لتنسيقية شباب الأحزاب.

إجمالي التكلفة

تكلفة المجلس سنويًا كانت تبلغ مليار جنيه، إبان حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك.

أما المجلس الحالي، يتوقع مراقبون للمشهد الانتخابي أن تبلغ إجمالي التكلفة نحو 3 مليارات جنيه، شاملة مرتبات الموظفين والأعضاء والمقر الجديد في العاصمة الإدارية.