“دخلت عالم السنجل مازر من باب الحب ولكنّه لم يكن رحيمًا”، جملة رددتها إحدى حاملات لقب “الأم العزباء”، والتي يقصد به الإنجاب خارج إطار الزواج، إذ تحملت “عفاف”- اسم مستعار، الملاحقات والوصم الاجتماعي في سبيل تربية نجلها الوحيد، بينما أخريات فضلن الإنجاب عن منظومة الزواج .
وظهر المصطلح في القرن الـ19، بسبب الحروب الدامية بأوروبا، التي استمرت نحو 30 عامًا أدت إلى فقد الكثير من الأطفال لوالديهم، فأطلق حينها مصطلح “والد عازب”، في إشارة إلى أحد الوالدين الذي يقوم بتربية الطفل بشكل منفرد، وتكون في الأغلب الأم هي من تلعب هذا الدور.
ويتواجد مؤخرًا آلاف من الأمهات دون زواج في مصر، واللواتي يربين بمفردهن أبناء ينظر لهم المجتمع على أنهم غير شرعيين، ويتعرضون أحيانًا للاضطهاد.
تفكك أسرى
وبصوت أقرب للهمس، تقول “عفاف”، 33 عامًا، إنها تحارب منذ 4 سنوات لإثبات نسب طفلها، إذ تخلي والده عنه وتنصل من الاعتراف بنسبه بعد علاقة دامت 5 سنوات: “وعدني بالزواج، رغم رفض أهلي له، إلا إنني تمسكت بنظرة الحب في عينيه والتي قادتني للمجهول”.
وتابعت، أنها تعرفت على والد طفلها بإحدى شركات الاتصالات، حيث كانت تعمل بعد تخرجها في كلية التجارة، واعترف كلينا بالحب، واستأجرنا شقة سكنية للعيش معًا كزوجين، وساعدنا في ذلك إننا مغتربين، حيث تعيش والدتي بعد انفصالها عن والدي في محافظة الغربية، بينما يعيش والدي في إحدى الدول العربية، بينما يعيش أهل والد طفلي في الصعيد، وهو ما ساهم باستمرار علاقتنا لسنوات، لكن النهاية لم تكن سعيدة”.
وتحكي “سمر.ع”، 25 عامًا، وأم لطفلة سنتين، طرف الحديث، عن معاناتها مع عائلتها بعد هروب والد طفلتها بعد علمه بحملها، فهما جيران في نفس العمارة، ورغم صدها له في البداية ألا أن محاولاته للتقرب منها وغزله المستمر لها أوقعها في عشقه: “كنت بهرب من مشاكل والدي والدتي المستمرة، وفي نفس الوقت كنت رافضة لفكرة الزواج، ولكن رغبتي في اكتشاف العلاقة الجنسية دفعني لإقامة علاقه معه، انتهت بحمل غير مرغوب فيه”.
وأضافت “سمر” أنه بعد علم أهلها بعلاقتها بشاب خارج إطار الزواج تعرضت لضرب مبرحًا من والدها، على إثره فقدت الوعي، وأصرت عائلتها على إجهاض الجنين، ألا أن بنيتها الجسمية الضعيفة مع صغر سنها حالوا دون ذلك، ومع هروب والد طفلتها اضطرت للخضوع لأسرتها، إذ منعت من الخروج والذهاب إلى الجامعة، وبعد تطاول بعض الجيران على والديها اضطر والدها للسفر بهم خارج القاهرة.
ويجدر الإشارة، بأن في عام 2019، بلغ عدد قضايا إثبات النسب المنظورة في المحاكم 15 ألف قضية، بينما يقدر المركز القومي للأمومة والطفولة، عدد الطفال مجهولو النسب ضمن أطفال الشوارع وغير مثبتون لدى الدولة جميعًا بـ2 مليون طفل .
ويشير حسن خولي، أستاذ علم الاجتماع والإنثروبولوجي، إلى أن الموروث الثقافي والاجتماعي المصري المحافظ، نهيك عن الثقافة الذكورية، لن تتقبل مفهوم” السنجل مازر”، بسهولة، ولكن الأطفال هم ما يعانون من وراء هذه المفاهيم، وهو ما يدفعنا للنظز للأمر من جانب حقوقي ونساني أكثر منه قانوني.
ويضيف” خولي”، بأن ما تعانيه “الأمهات العازبات”، سواء اتفقنا أو اختلفنا مع ظروفهن، من قهر وإدانة ينعكس سلبًا على أطفالهن، وهو ما يدفع البعض منهم إلى التخلي عن أطفالهن بعد الولادة، بينما يواجه آخرون عدم الاندماج المجتمعي، وهو ما يختلف في بعض الطبقات الاجتماعية.
معاناة ونبذ
وتستكمل “عفاف” أنها اضطرت للعيش بمفردها من أجل تربية نجلها، فبعد حملها قدمت استقلتها من العمل، لتتجنب تعليقات زملائها، موضحة أن دعم أسرتها يقتصر على تواجد والدتها بجانبها في قاعات المحاكم، “أغلبية أصدقائي قطعوا علاقاتهم معي، ولكن إصراري باعتراف بنسب ابني يدفعني للاستمرار والمحاربة”.
ولا يختلف الأمر عند “سمر”، فالمعاناة واحدة، فتكشف أن بعد سفرهما خارج مصر، ومع كثرة الخلافات بين والديها، وقع الطلاق بينهما، مما دفع والدتها للعودة معها إلى مصر مرة أخرى، إذ امتنع والدها عن دفع أي مصروفات لوالدتها، بسبب حادثة إنجابها، مما اضطرها للعمل بأحد المطاعم، لعدم امتلاكها لأي مؤهل جامعي.
تنص المادة “7” من اتفاقية حقوق الطفل على أن “يسجل الطفل بعد ولادته فورًا، ويكون له الحق منذ ولادته في الاسم والجنسية، ويكون له قدر الإمكان الحق في معرفة والديه وتلقى رعايتهما”.
أمهات يرفعن شعار “الإنجاب أولاً”
وبينما، يمثل موضوع الإنجاب مشكلة لدى الكثيرين، إلا أنه يعتبر للبعض “هدف وغاية”، تعترف “مروة”-اسم مستعار- بأن الزواج مشروعًا فاشلاً، في حد ذاته إلا أنه الوسيلة الوحيدة لإنجاب الأطفال في بلادنا العربية، وهو ما دفعها لفكرة الزواج المشروط بإنجاب الأطفال، إذ اتفقت مع أحد أصدقائها المقربين على إتمام الزواج ثم الانفصال بعد الإنجاب، “فلا يهم إذا فاتني قطار الزواج، الأهم أن يظل قطار الإنجاب في الانتظار”، بحسب قولها.
وتضيف “مروة” أن فكرة الأمومة بدأت تلح عليها بعد اقترابها من اكتمال عامها الـ 35 عامًا، ومع رفضها لفكرة الزواج، بعد انفصال العديد من أصدقائها بعد قصص حب أو زواج صالونات، لفت نظرها بعض القصص التي قرأتها على مواقع التواصل والمدونات، تحت عنوان:”زواج من أجل الإنجاب”، والتي كان جميعها في دول غير عربية، إلا أنها تحمست للفكرة كثيرًا وعرضتها على أحد أصدقائها من الشباب، الذي سخر منها في بداية الأمر”.
وتتابع أن صديقها لم يأخذ في بادئ الأمر بشكل جادي ألا أن إصرارها على الفكرة دفعه للموافقة، لاسيما بأنه مثلها رافض لفكرة الزواج بشكل عام، لأعباء الزواج ومسئولياته في الوقت الحاضر، ألا أنه بعد إنجاب ابنتهما “خديجة”، أصبح لكليهما أهدافًا أخرى، وهو تربية ابنتهما في أسرة طبيعية، “بعد الانفصال استمررنا في المقابلات، كأي زوجين من أجل ابنتنا”.
“لا يوجد بنوك للحيوانات المنوية، فلجأت لزواج مشروط لأجل أمومتي”، هكذا عبرت “و.غ”، 37 عامًا، وتعمل موظفة بأحد البنوك، بأن اشتياقها لحلم الإنجاب والأمومة دفعها لإتمام زواجها من أحد الأشخاص الذين تقدموا لها، شريطة الانفصال بعد الإنجاب، وهو الأمر الذي تحول فيما بعد لحياة زوجية استمرت أكثر من 5 سنوات.
وتقول “و.غ”، إنه عند تقدم أحد العرسان ليّ، كشفت له عن رغبتي بان أصبح “أمًا” بعيدًا عن منظومة الزواج وتفاصيلها “المملة”، بحسب قولها، وبعد طلبه مهلة للتفكير في الأمر وافق بالنهاية، شريطة أن يبقي الأمر سرًا بينهما، موضحة أن بعد الإنجاب بعدة أشهر، فتحت موضوع الانفصال مع زوجها، ولكنه رفض وطلب التأجيل، خوفًا من معارضة أسرتهما للأمر، “وبعد 5 سنوات أتذكر رغبتي في الانفصال وأغرق في الضحك على موقفي السابق”.
ويذكر أن فيلم “بشتري راجل” للفنانة نيللي كريم، ومحمد ممدوح الذي عرض عام 2017، أول من سلط الضوء على تلك الفكرة بإعلان شابة عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، تطلب فيه متبرعًا بحيواناته المنوية، مقابل مبلغ مادي، لتستطيع تحقيق حلمها في الأمومة بطريقة شرعية، وهو ما أثار موجة من الجدل والانتقادات حينها.