كثيراً ما يتبادر إلى الأذهان سؤال هام حول تشكيل هوية الشباب وانتماءاتهم، واتجاهاتهم، فالأمر لا يتعلق بالتربية أو المنزل فحسب، فلا يوجد أب وأم يتناقشون مع أبنائهم حول ماهية التنظيم الإداري للمؤسسات، ولا يوجد في قاموس الأسر المصرية، مفاهيم التربية السياسية للأبناء، فغالبًا ما تتشكل هذه المفاهيم مع بداية التحاقهم بمراحل التعليم الجامعي، وتحديدًا مع بداية الانخراط في أنشطة الاتحادات الطلابية.
يتشكل اتحاد الطلاب في كل كلية من 56 طالبًا وطالبة
حكومة طُلابية
يُعد اتحاد الطلاب، بمثابة “حكومة طلابية”، أو “مجلس شيوخ مصغر”، يتكون من عدد من الأعضاء يتفقون فيما بينهم على لائحة تضع في مقدمة أهدافها المصلحة العُليا للطلاب بكافة فئاتهم، ورغم تطبيقه وتفعيله في المدارس، ومنذ المرحلة الابتدائية، إلا أنه لا يلقى اهتمامًا حقيقيًا من قبل الطلاب إلا في المرحلة الجامعية، ويساعد كثيرًا في تشكيل عقول الشباب.
ملحمة طلابية مُنظمة، تحت قُبة الحرم الجامعي، هكذا يُلخص المتمرسين في نشاطات الاتحادات حديثهم عن اتحاد الطلاب، يقول “محمد علي” عضو اتحاد طلاب جامعة القاهرة عام 2008، إن دور الاتحاد يتلخص خلال الفترة الحالية في تقديم نشاطات طُلابية بشكل مُنظم بحيث تنبثق الأنشطة من داخل لجان، يُدير كل لجنة 8 طُلاب، مع الأخذ في الاعتبار أن عدد اللجان داخل كل كلية يبلغ 7 لجان، وهم لجنة الأسر والاتحادات الطلابية، ولجنة النشاط الرياضي، ولجنة النشاط الثقافي والإعلامي، ولجنة النشاط الفني، ولجنة الجوالة والخدمة العامة، ولجنة النشاط الاجتماعي والرحلات، ولجنة النشاط العلمي والتكنولوجي.
يتشكل اتحاد الطلاب في كل كلية من 56 طالبًا وطالبة، ويُنتخب أمين اتحاد الكلية، والأمين المساعد من تلك المجموعة، ليصبحوا هم المسؤولين عن تمثيل الطلاب سواء داخل الكيان الجامعي أو خارجه، ورغم تعدد مهام اتحاد الطلاب مثل اكتشاف مواهب زملاؤهم، وحل مُشكلاتهم التي تطرأ بين الطلاب وإدارة الجامعة، وتوصيل وجهات نظر الطلاب فيما يتعلق بالأمور التنظيمية داخل الجامعة، وتنظيم الأنشطة الرياضية والاجتماعية والكشفية والفنية والثقافية، إلا أن أدوارهم السياسية لا يُمكن نسيانها، ففي عام 2007، اتشح طلاب الجامعات بالسواد، ووضعوا حول أعناقهم “شال فلسطين” وجابوا الحرم الجامعي ومروا بجميع الكليات، يهتفون ضد الاحتلال الإسرائيلي، للتنديد بالضربات التي وجهها الاحتلال لقطاع غزة، والتي نجم عنها هدم عدد كبير من المنازل فوق رؤوس المدنيين.
كانت تلك المظاهرات خليطًا من جميع فئات الطلاب، ولكن المُحرك الرئيسي لها كان شباب الاتحاد، اللذين حرصوا وقتها على تفعيل دورهم في استنكار عمليات دموية ضد قطاع غزة، وهو ما يدعوا للبحث حول أدوار شباب اتحاد الطلاب، والذي يرتبط بتشكيل شخصيات الشباب في مرحلة هامة من أعمارهم .
اللجنة الثقافية
يتشكل اتحاد الطلاب الجامعي داخل كل كلية، من 7 لجان لكل منها مهام وأنشطة مُختلفة، منها لجنة النشاط الثقافي والإعلامي، والتي تهتم بعقد الندوات واللقاءات الثقافية، والأمسيات الشعرية، وإعداد المسابقات في مجالات عدة منها القصة والشعر والنثر والزجل، ومجلات الحائط، والاشتراك في مسابقات الثقافة العامة، وحفظ القرآن الكريم والخطابة، بين الكليات بعضها البعض، وبين فريق لجان الثقافية على مستوى الجامعات، وغالبًا ما يتبع اللجنة الثقافية مجلة خاصة للكلية، يعمل بداخلها طلاب الكلية، وينشرون من خلالها أخبار وتقارير عن كليتهم، وفعالياتها، وهو ما يدعم عمل الطلاب في مجال الصحافة وتعريفهم بالمجال في وقت مبكر لاكتشاف مهاراتهم فيها.
لا يجوز إقامة أسر طلابية على أساس فئوي أو سياسى أو عقائدي
النشاط العلمي والتكنولوجي
و عن لجنة النشاط العلمي والتكنولوجي، توضح “مريم جمال”، عضو اتحاد طلاب جامعة القاهرة، أن الهدف الرئيسي من عمل اللجنة يكمن في تحقيق مبدأ التكيف الاجتماعى بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس بالكلية، من خلال أمور عدة منها إقامة رحلات ترفيهية كبرامج مشوقة، وتبادل الأفكار والمشروعات العلمية بين الطلاب، وعمل الأبحاث والدراسات الميدانية لمعالجة الظواهر السلبية بالجامعة، وتبادل الأفكار والمشروعات العلمية بين الطلاب، وإقامة مسابقات الثقافة العلمية وأبحاث دوري المعلومات، والندوات العلمية.
الأسر
تهتم لجنة الأسر، بتشجيع الطُلاب على تكوين أسر طلابية على مستوى الكلية وتعمل اللجنة على إعداد برامج مُلائمة من شأنها الربط والتواصل بين أسر الكلية وأسر كليات الجامعة، بهدف إعداد الطالب لتحمل المسئولية في المستقبل، وصقل هذه القيادات من الطلاب للارتقاء بهم إلى مستوى عالي من القدرة على تحمل المسؤولية واتخاذ القرار وتنفيذ المشروعات والأنشطة.
لا يجوز إقامة أسر طلابية، على أساس فئوي أو سياسى أو عقائدي، كما لا يجوز أن تتخذ الأسرة اسمًا أو شعارًا يوحي بذلك، ومن أهم انشطتها إقامة الأنشطة والمسابقات الرياضية والثقافية والاجتماعية والفنية، بين أسر الكلية مثل مسابقات الشطرنج والمناظرات، وإقامة الرحلات الثقافية والترفيهية إلى المناطق السياحية المختلفة.
تهتم اللجنة الفنية بتنمية إحساس الطلاب بتُراثهم ورفع مُستوى الإبداع والابتكار الفني
اللجنة الفنية
تهتم اللجنة الفنية، بتنمية إحساس الطلاب بتُراثهم، ورفع مُستوى الإبداع والابتكار الفني، وتعريفهم بكل ما هو جديد في المجال الفني، والكشف عن المواهب الفنية المُتميزة وصقلها بالإمكانيات المادية اللازمة، وتنمية المواهب التي تحتاج لبعض التطوير، وتوظيف جميع تلك المواهب، والمشاركة في مسابقات فنية عامة داخل الجامعة وخارجها، في مجالات عدة مثل الفنون التشكيلية، والرسم، والتمثيل والنحت والخزف، والغناء والعزف.
الجوالة والخدمة العامة
تهدف لجنة الجوالة والخدمة العامة، لإقامة عشيرة الجوالة على مستوى الكلية وتدريبها جيدًا، وتنظيم المعسكرات لتشجيع الطلاب على العمل الجماعي، والاعتماد على النفس، ويهتمون بتقديم الخدمات الصحية والبيئية والتجميلية، بالتواصل مع إدارة الجامعة، ومن المفترض أن جميع الرحلات التي تتم لمعسكرات إعداد القادة على مستوى الجمهورية تتم بالتعاون مع تلك اللجنة.
اللجنة الرياضية
يُعتبر النشاط الرياضي بصفة عامة، وسيلة ترويح عن النفس مُحببة للكثير من أفراد المجتمع، وبصفة خاصة فئة الشباب، خاصة وأن دور الجامعة لا يقتصر على العملية التعليمية وتلقين الدروس فقط، إذ يمتد دورها إلى تحقيق أهداف أخرى تُساهم في بناء شخصية متكاملة للطالب ليكون قادرًا على الإبداع في كافة المجالات.
يشترط في المُتقدمين لانتخابات اتحادات الطلاب أن يكونوا مصريين الجنسية
شروط الالتحاق
تُقام انتخابات اتحاد الطلاب كل عام، بقرار من رئيس الجامعة، ويشترط في الطلاب المُتقدمين أن يكونوا مصريين الجنسية، وفقًا لما قاله الدكتور مصطفى هويدي رائد اتحاد سابق، موضحاً أن السُمعة الحسنة والطيبة تُعد شرطًا هامًا للمُتقدمين، فلا يجوز أن تكون صدرت ضده أية أحكام، أو تحول لمُحاكمات تأديبية، بالإضافة لعدم قبول الطلاب غير الناجحين أو اللذين رسبوا في العام الدراسي، ويشترط على المتقدمين أيضًا سداد الرسوم الدراسية.
ويضيف هويدي، أنه يُشترط لإكمال الانتخاب حضور 50% من الطلاب اللذين لهم حق الانتخاب ولو لم يكتمل العدد المحدد تؤجل العملية الانتخابية، لتعاد إقامتها خلال 3 أيام بشرط حضور 20% من الطلاب اللذين لهم حق الانتخاب، وإذا تعذر تكوين مجلس اتحاد طلاب الكلية يُعين عميد الكلية مجلسًا لإدارة شئون الاتحاد يضم عناصر من الطلاب المتفوقين في الدراسة وفي نشاط الاتحاد ومن تتوافر فيهم شروط الترشيح.
تطور دور الطلاب في الحركة الوطنية عبر التاريخ ويُعد الحماس هو السمة الرئيسية التي ربطت أبناء الاتحادات
نشأة الاتحادات
“زعيم الشباب” مصطفى كامل، لقب لم يتداول كثيرًا، لكنه ذُكر في بعض كتب التاريخ نسبة إلى الدور الكبير الذي لعبه المناضل مصطفى كامل في تشكيل فكر الطلاب بتأسيسه، أول اتحاد طلابي، تحت مسمى “نادي المدارس العليا”، في عام 1905، لتنمية الوعي السياسي للطلبة، وتعبئتهم ضد الاتحاد البريطاني، وبالفعل أسس ما أراد، وبعد وفاته جاء الزعيم محمد فريد ليستكمل المشوار الذي بدأه كامل، بتنظيم المظاهرات وتوزيع المنشورات ضد الإنجليز، وفي ثورة 1919 عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، واقتراب موعد مؤتمر الصلح في باريس الذي سيتقرر فيه مصير الدول و الشعوب قرر سعد زغلول وكيل الجمعية التشريعية المنتخب حضور المؤتمر للمطالبة بحق مصر في الاستقلال، إلا أن المندوب السامي البريطاني رفض هذا السفر، وجاء دور الطلاب اللذين وزعوا أنفسهم إلى لجان تجوب المحافظات لتجمع توقيعات من كافة أبناء الشعب المصري عمال وفلاحين وموظفين، ومن وقتها لعب الطلاب دور قوي في المجال السياسي في مصر.
دور اتحاد الطلاب
مع الوقت، تطور دور الطلاب في الحركة الوطنية عبر التاريخ، ويُعد الحماس هو السمة الرئيسية التي ربطت أبناء الاتحادات، حتى وقعت انتفاضة الطلاب عام 1935 التي فرضت على الأحزاب السياسية تكوين الجبهة الوطنية ضد إيطاليا، ومنها إلى تكوين اللجنة الوطنية للطلبة والعمال، عام 1946، من وقتها أخذ اتحاد الطلاب دورًا كبيرًا في مُجريات الحياة داخل وخارج الجامعة.