لا يمكن وضع العمالة المصرية العائدة من الدول الخليجية في سلة واحدة، في ظل الشرائح المهنية المتعددة التي تنتمي إليها، فبعضها متخصص في مجالات تحتاجها السوق المصرية بشدة وتعاني نقصا فيها، والبعض الآخر يجيد العمل في أعمال تعاني من التخمة في عدد العمال، وتتطلب حلولا خارج الصندوق لإعادة استغلالها.

ولا تمتلك الحكومة المصرية بيانات تفصيلية عن واقع جميع المواطنين بالخارج، ما دفعها إلى إطلاق مبادرة “نورت بلدك”، للتعرف على بيانات المصريين العائدين من الخارج؛ تمهيدًا لدمجهم في خطط ومشروعات التنمية المختلفة بالمحافظات وتوفير فرص عمل لهم.

وأبدى أكثر المصريين مرونة في التعاطي مع تنامي عدد المهن المقصورة على الخليجيين، الذي وصل عددها في دولة مثل السعودية إلى نحو 100 مهنة من ضمنها مهن الاستقبال، إدارة التوظيف، المحاسبة، والعلاقات العامة.

واستفادت العمالة المصرية من ارتفاع أعمال التصنيف المهني العربي إلى ثلاثة آلاف عمل بدلا من 1600 فقط كانت معتمدة في 2006.

إخفاء المعلومات

 تواجه الحكومة المصرية إشكاليات بسبب سياسات الدول العربية في إخفاء المعلومات عن الأجانب بسبب حساسية ملف العمالة المحلية نظرًا لتفاقم أوضاع البطالة لديها، بجانب إحجام العمال المصريين عن تسجيل أنفسهم في الخارج، وتفضيل العمل في الظل، وعدم توفيق أوضاعهم محليًا، رغم إجحاف الكثير من حقوقهم.

عودة المصريين من الخارج

 ويضم القطاع الطبي عددًا ضخمًا من المصريين العائدين من الخارج، فالقوة العاملة بالمهنة بمصر لا تتجاوز 82 ألف طبيب في جميع التخصصات من أصل 213 ألف طبيب حاصلين على تصاريح سارية لمزاولة المهنة، وفي العام الماضي وحده استقال من “الصحة” 3507 أطباء لينضموا إلى 2397 طبيبًا عام 2018، و2049 في 2017، و1044 في 2016.

ويعمل في وزارة الصحة حاليًا 57 ألف طبيب وتحتاج الوزارة إلى ضعف ذلك الرقم لتقديم الخدمة الصحية كاملة، ما يعني أن كل طبيب يقدم الخدمة لقرابة ألف مواطن، في الوقت ذاته يصل عدد الأطباء في الخارج قرابة 100 ألفا بينهم 65 ألفًا بالسعودية وحدها، كثير منهم في تخصصات شديدة الندرة كالطوارئ والتخدير.

ولن تستفيد مصر كثيرًا من الأطباء العائدين من الخارج، لأن عددًا كبيرًا منهم لا يزال محتفظًا بعمله في الخارج، وسرعان ما تم استقطابهم مجددًا لمزاولة مهامهم، خاصة في السعودية التي جعلت الأولوية للعاملين بالقطاع الصحي، للعودة بعد فتح خطوط الطيران، دون القطاعات الأخرى.

العمالة اليديوية

يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لقطاعات العمالة اليدوية التي عادت أعداد ضخمة منها لمصر في خضم “كورونا” وقبلها أزمة ليبيا، والتي تم استيعاب كميات منها بالمشروعات القومية للدولة، خاصة القطاع العقاري، ومنها قطاع عريض يعمل في الفندقة والقيادة والنقل والشحن.

مصريون عائدون من الخارج

وتمثل تلك النوعية من العمالة منافًسا لقوة العمل المحلية البالغ عددها 28.950 مليون فرد خلال الربع الأخير من 2019، مقابل 28.406 مليون خلال الربع الثالث من العام ذاته، حسبما ذكر الجهاز المركزي للمحاسبات في آخر تقاريره الربع سنوية.

وتتركز غالبية العمالة العائدة في ثلاث فئات عمرية، أولها من 19 لـ 40 وهي الفئة العمرية الأعلى نسبة ثم ما بين 40 إلى 50، ونسبة ضئيلة أعمار ما فوق 50 عامًا، وعلى المستوى التعليمي تضم شريحة لا بأس بها من حملة الإعدادية والثانوية العامة خاصة من محافظات الصعيد.

تدريب وتأهيل

ويرى الدكتور سلطان أبو علي، وزير الاقتصاد الأسبق، أن العمالة العائدة من الخليج تتضمن قطاعا كبيرًا يحتاج إلى تدريب وتأهيل مهني في ظل عدم تطوير بعضهم من أدائه لسنوات، وتركيزه فقط على تحقيق التراكم المالي والعائد السريع، وقطاع آخر تتوافر فيه عمالة محلية بأعداد ضخمة.

ويطالب خبراء الاقتصاد وزارة القوى العاملة، بإلحاق العائدين ببرامج إعادة تأهيل شبيهة بما حدث في أزمة العائدين من ليبيا، والتنسيق مع منظمة الهجرة الدولية التي تقوم بتمويل البرامج التدريبية المخصصة لهذا الشأن، مع إمكانية استحداث نشاط جديد لشركات إلحاق العمالة بالخارج تمكنها من إضافة نشاط الوظائف الداخلية ضمن نشاطاتها.

ويقول “أبو علي” إن كثيرًا من أفراد العمالة العائدة، لا يوجد لديها بديل محلي ومدخراتها منخفضة، ولا تكفي لفتح مشروع خاص صغير، وبالتالي على الدولة دراسة الملف على الأصعدة كافة ومحاولة استثمارهم في المشروعات القومية القائمة حتى لا يتحولوا إلى عبء على كاهل الاقتصاد.

المعلمون

ويضم الخليج العربي أعدادًا ضخمة من المعلمين، فالكويت وحدها عاد منها 24 ألف معلم، والسعودية كان يعمل بها 120 ألف معلم مصري (لم يتم حصر العائد منهم)، ولن يعود عدد منهم في ظل الأزمة التي أثيرت حول عودتهم والنعرات المحلية المستجدة التي وصلت في السعودية إلى “تريند” يطالب بالتوقف عن استقدام معلمين من مصر.

مطار القاهرة الدولي

ووفقا لمصدر بوزارة المالية، فإن الوزارة لا تزال تنتظر الموقف النهائي للمعملين العائدين فيما يتعلق بعودتهم مجددًا، فقطاع منهم كان معينا في وزارة التربية والتعليم وحصل على إجازة بدون مرتب ولا توجد أي عقبات في عودته لعمله الحكومي فورًا، والبعض الآخر استقال من العمل الحكومي بصفة نهائية، وقطاع ثالث كان مرافقًا للزوج أو الزوجة والتحق بوظيفة في الخارج.

وأضاف المصدر أن المعينين الراغبين في البقاء يمكن للوزارة استغلالهم لسد العجز في أعداد المعلمين بمصر، والذي يصل إلى 320 ألف معلم، موضحًا أن الوزارة تعتزم مناقشة وزارة التربية والتعليم بشأن مدى الحاجة إلى الخطة السابقة التي تم وضعها للتعاقد مع 120 ألف معلم مؤقت لمدة عام، والتجديد لمدة 3 أعوام.